التغيّرات المناخية باتت تهدد آثار ذي قار والخطر الأمني يتراجع أمامها

6 قراءة دقيقة
التغيّرات المناخية باتت تهدد آثار ذي قار والخطر الأمني يتراجع أمامها

تراجعت المخاطر الأمنية التي كانت تهدد المواقع الأثرية في جنوب العراق ومنها ذي قار خلال فترة الفراغ الأمني بعد عام 2003، بعد ضبط حدود هذه الأماكن وتشكيل مفارز أمنية، إلا أن خطر آخر بدأ يداهمها لا يمكن مواجهته بقوة عسكرية، وهو التغيرات المناخية التي أصبحت عنصراً مؤثراً بشكل سلبي على تلك المواقع التي يعود تاريخها لآلاف السنين قبل الميلاد.

اذ أظهرت الرياح وارتفاع درجات الحرارة والأمطار تاثيراً واضحاً على هذه المواقع الأثرية وفقاً لمختصين في مجال الآثار، كشفوا عن مخاوفهم من استمرار هذه الظواهر من دون معالجة، مما قد يعرّض هذه الأماكن للاندثار والانهيار.

مدير مفتشية آثار ذي قار شامل الرميض قال في لقاء أجري معه لمنصة "الجبال"  في مكتبه الحكومي أن التغيرات المناخية شكلت تأثيراً مباشراً على الشواخص الآثارية وفي مقدمتها العواصف الرملية فضلاً عن الأمطار خصوصاً وان الكثير من هذه المواقع الاثرية تقع في المسار الذي تتحرك به الكثبان الرملية شمال محافظة ذي قار بمنطقة "الكطيعة".

وتابع الرميض أن زقورة مدينة "أور" تأثرت هي الأخرى بشكل حقيقي على مدار ألفي عام مضت نتيجة عوامل التعرية إذ انخفض ارتفاعها إلى 16 متراً بعد أن كانت 26 متراً أي بمعدل متر واحد تقريباً كل 200 عام، ومع أزدياد معدلات الحرارة والأمطار وحركة الرياح يتسارع مستوى التأثير والزقورة تقع غرب الناصرية بمسافة 10 كيلومترات وهي بمواجهة مباشرة مع الرياح المحملة بذرات الرمال، لذا عمدت وزارة الثقافة والسياحة والأثار مؤخراً لرصد مبلغ 3 مليارات دينار لإجراء أعمال الصيانة ومعالجة التشققات التي حصلت فيها والطابوق المتكسر.

 

ويذكر شواهد كثيرة لمواقع دُفنت نتيجة حركة الكثبان الرملية منها أجزاء من موقع "لارسا" الأثري في قضاء الرفاعي شمال المحافظة الذي تجري فيه أعمال تنقيب من قبل البعثة الفرنسية الأثرية بشكل موسمي، مدة الموسم الواحد في كل عام تتراوح ما بين شهر إلى شهرين ومن ثم تغادر، وعند استئناف العمل في الموسم التالي في الموقع ذاته تجد أن الرمال قد غمرتها بعمق يصل في بعض الأحيان إلى 3 أمتار.

 

ومن أبرز المواقع الأثرية الأخرى التي يتم التنقيب فيها وتتعرّض لعوامل التعرية الريحية هي "تل العويلي" و"اريدو" و"تل جوخا" و"مدينة أوما".

 

عالم الآثار في المفتشية، عقيل المنصراوي، بيّن لـ "الجبال" انه تابع بشكل شخصي المواقع التي تتعرض لتأثيرات الكثبان الرملية ومدى تأثرها والخطورة في المستقبل إذ ما تمت معالجتها، "هناك مواقع ومدن مهمة في جنوب العراق وتحديداً في ذي قار ستتغطى بالكامل في حدود الـ 15 سنة أو 20 سنة القادمة، وهذا شيء مقلق جداً لنا كآثاريين" سيما وأن المواقع الأثرية الشاخصة والظاهرة مبنية من الطين والعواصف، وتؤثر الرطوبة والأملاح بشكل مباشر على هذه الأبنية.

 

وذكر المنصراوي أن أبرز هذه المواقع هي "أم العقارب" و"تل شميث" الواقعان ضمن مدينة "أوما" الأثرية، جميعها تقع في خط الكثبان الرملية وحركة الهواء وهي أكثر عرضة لأن ينهار تحتها، حيث أن الأمطار تشكل عاملاً سلبياً لأنها تسبب تشققات في أجزاء من جدران المباني التي يتم اكتشافها ولكنها تشكل أيضاً جانباً إيجابياً لإنشائها غطاء نباتياً بالقرب من هذه المواقع مكن أ يقلل من حركة الرمال.

 

من جانبه، اشار مدير مشروع الكثبان الرملية في ذي قار، قحطان الحسيني، في اتصال هاتفي لـ "الجبال" أن مساحة الأراضي المتصحّرة تمتدّ من محافظة القادسية والمثنى وحتى ذي قار والأخيرة هي الأكثر تضرراً إذ أن محافظتي القادسية والمثنى تقعان في الجانب الغربي لحركة الرياح، بالتالي تتأثر بشكل قليل جداً وذي قار هي من تتلقّى الضرر الأكبر لذا تجد الرياح تتحرك بشكل كبير في فصل الصيف ناقلة معها ذرات الرمال مسبّبة أمراض تنفسية للسكان. وأن واقع التصحّر يتّسع سنوياً وأضراره تصل إلى دولة الكويت، لافتاً إلى تشكيل لجنة مشتركة من قبل الحكومة العراقية مع الكويت وإجراء زيارة لموقع الكثبان الرملية والعمل على دراسة واقع الحال على الأماكن الأكثر شدّة وحركة.

 

فيما نوّه استاذ علم الجيومرفولوجيا بكلية الآداب في جامعة ذي قار، رحيم عدنان، إلى أن مساحة المناطق الأكثر تاثراً بالكثبان الرملية تبلغ نحو 1600كيلومتر مربع،وهي تزداد مع زيادة نسب الجفاف وقلّة المياه والغطاء النباتي، تأثير التعرية الريحية يكون بشكل مباشر على تلك المواقع الأثرية، فضلاً عن الأمطار التي تشكّل منحدرات وأخاديد وتجمعات مائية يصعب تصريفها، بالتالي تتسبّب بتهشم أجزاء من هذه المواقع.

 

ووفقاً للجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط، إن آخر إحصائية لعام 2021 أشارت إلى بلوغ مساحة الكثبان الرملية في ذي قار 68566 دونماً.

وتحدّث الباحث بمجال الآثار، أمير دوشي، لمنصة "الجبال" عن المخاطر المحيطة بالمواقع الأثرية في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن الظروف المناخية تأتي في المرتبة الأولى بعد تراجع الخطر الأمني، وتأثر الزراعة غير المنتظمة بنسبة 23% إذ يجهل بعض المزارعين وجود هذه مواقع الاثرية وأهميتها، والخطر الثاني هو الأمني بنسبة 20%، بعدها التنمية غير المنتظمة بنسبة 16%، وخطر الكثبان الرملية 16%، بعدها الفيضانات وتليها مخاطر أخرى

.

أضاف دوشي أن، أحد المخاطر التي تهدد زقورة أور هو قربها من مطار الناصرية الدولي، وإجمالا هذه المخاطر لا يمكن معالجتها إلا بجهود مشتركة من قبل الحكومة، عبر تشكيل هيئة محددة تأخذ على عاتقها دراسة هذه المشاكل ومعالجتها في أسرع وقت.

مرتضى الحدود صحفي عراقي

نُشرت في الاثنين 8 يوليو 2024 10:18 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

المزيد من المنشورات

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.