في كل عام، يتجدد المشهد، حيث يتوجه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها إلى السعودية لأداء فريضة الحج، وهي الركن الخامس من أركان الإسلام، في واحد من أكبر التجمعات البشرية السنوية وأكثرها قدسية وروحانية.
وتوجّه آلاف الحجاج من العراق، برّاً وجوّاً إلى السعودية، والعملية مستمرة، بالتنسيق والتواصل مع سلطات المملكة هناك.
سعادة القرعة
يقول الحاج مرتضى سعيد، البالغ من العمر 57 عاماً إنه "كانت من أعز أمنياتي أداء فريضة الحج، وقد تحققت هذا العام بعد أن حالفني الحظ، وظهر اسمي ضمن الفائزين بقرعة الحج. أحمد الله على هذه النعمة التي رزقني إياها في هذا العمر، وأسأله أن يتمم علينا مناسكنا ويقبل سعينا".
أما خديجة علي، وهي تبلغ 70 عاماً، فقد حضرت إلى مكتب هيئة الحج والعمرة في بغداد لإكمال إجراءات السفر، بعد أن ظهر اسمها في قرعة الحج، إلا أن حظها تعثر بسبب تحديد المملكة العربية السعودية نسبة 7 بالمئة فقط لكبار السن، وهو ما لم يتوافق مع الأعداد المرشحة. رفعت أكف الدعاء إلى الله أن يكتب لها الحج ويسهل أمرها في المواسم المقبلة.
من جهته، قال الحاج أمجد رسول، ذو 50 عاماً، وهو يقف إلى جانب متعهد القافلة التي ستنطلق إلى الديار المقدسة:
"انتظرت خمس سنوات للحصول على فرصة الحج، وكنت على وشك أن أفقد الأمل، لكن لكل نصيب توقيته.. الحمد لله تحقق الحلم، وأشعر بسعادة لا توصف".
مهمّة شاقّة
وفي حديث للجريدة الرسمية، مدير مكتب بغداد – الفرع الثالث في هيئة الحج والعمرة، أوضح حسنين جعفر صادق، أن الموسم الحالي واجه جملة من الإشكالات التنظيمية غير المتوقعة، بالرغم من إتمام جميع الاستعدادات مسبقاً وفق النسب المحددة للعراق.
وقال: "استكملنا ترتيبات تفويج الحجاج وفق المعايير المتبعة، وخصصنا مقاعد لكبار السن استناداً إلى نسبة العام الماضي. لكننا تفاجأنا هذا العام بتحديد نسبة 7 بالمئة فقط لكبار السن من قبل الجانب السعودي، الأمر الذي أحدث إرباكاً في جدول التفويج، رغم جاهزيتنا التامة من حيث استئجار الفنادق والمشاعر والنقل والإطعام، إضافة إلى رفع البيانات وإنجاز تأشيرات الدخول للفائزين".
بيّن صادق أن حصة العراق لهذا العام بلغت 39 ألف حاج من جميع المحافظات، مشيراً إلى أن الهيئة حصلت في الموسم السابق على جائزة "لبيكم الكبرى"، وهي جائزة "مرموقة" تُمنح تكريماً للتميّز في تنظيم خدمات الحج والتنسيق العالي.
كما لفت إلى إضافة السلطات السعودية هذا العام خدمات رقمية نوعية لتعزيز راحة الحجاج، بينها خدمة الإنترنت المجاني في الحافلات المخصصة للقوافل البرية، والتي بلغ عددها 38 قافلة.
وأكد أن الهيئة العامة للحج والعمرة أطلقت تطبيقاً إلكترونياً يحمل اسم "الحاج"، لتسهيل فهم المناسك وتعليماتها، إلى جانب توزيع شرائح اتصال مجانية للحجاج عند معبر عرعر الحدودي، لتسهيل التواصل والخدمات الرقمية طوال الرحلة.
من جانبه، أوضح المرشد الديني حسين الجزائري، للجريدة، أن "مهمة التوجيه الديني للحجاج تشمل شرح مناسك الحج والإرشادات الشرعية والتعريف بالمواقع الأثرية والدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك لضمان أداء المناسك على الوجه الأكمل"، مضيفاً: "نبدأ عملنا منذ لحظة انطلاق الشعائر، حيث نرافق الحجاج في كل منسك من مناسك الحج، سواء في أيام التروية، عرفة، المزدلفة، أو رمي الجمرات، ونحرص على أن تؤدى جميعها بشكل صحيح ومنسجم مع التعاليم الشرعية".
وبيّن الجزائري أن رعاية كبار السن تشكّل أولوية خلال أداء المناسك، نظراً لما تتطلبه هذه الشعائر من جهد بدني وتنظيم دقيق.
من جانبه، أكد المتعهد هشام كرم المحمداوي، أن دور المتعهد في موسم الحج يعد محورياً وشاقاً، إذ يتحمّل مسؤولية كاملة تبدأ من لحظة ركوب الحجاج الحافلات، وحتى وصولهم إلى الديار المقدسة، مروراً بجميع تفاصيل الرحلة.
وأشار إلى أن "المهام لا تقتصر على التنظيم فقط، بل تمتد إلى التعامل مع مختلف الحالات الطارئة التي قد يواجهها الحجاج، مثل حوادث السير، والحالات الصحية الطارئة، والضياع في المشاعر، أو الحاجة للمرافقة خلال أداء المناسك، إضافة إلى الإشراف على خدمات الإطعام ومرافقة الحجاج في جميع مواقعهم".
وفيما يتعلق بحالات الوفات، وأوضح المحمداوي أنها "تتطلب ترتيبات خاصة، تقع كذلك ضمن مهام المتعهد"، مؤكداً أن العمل في موسم الحج يتطلب يقظة عالية وتحملًا للمسؤولية، مشدداً على أن "رحلة الحج طويلة ومتعبة، لكنها جميلة وذات طابع روحي فريد لا يشبه أي تجربة أخرى".
وختم المحمداوي حديثه منوّهاً أن "المملكة العربية السعودية سخّرت هذا العام أكثر من 200 ألف موظف ومتطوع لخدمة ضيوف الرحمن، إلى جانب أكثر من 300 مركز صحي متنقل وثابت موزعاً بين الفنادق وعلى امتداد المشاعر والمناسك، بما يضمن توفير أعلى مستويات الرعاية للحجاج".
استعدادات مسبقة
استعداداً لموسم الحج، خصصت محال في سوق "السربادي" الواقع في مدينة الكاظمية العاصمة بغداد، لبيع مستلزمات الرحلة الإيمانية، وعلى رأسها ملابس الإحرام.
وفي هذا السياق، يقول حسين عبد الرضا، مالك أحد المحال المتخصصة: "مع اقتراب موسم الحج، يقصد الحجاج هذا السوق لشراء لوازمهم، وأبرزها ملابس الإحرام البيضاء، التي تتنوع بين الإحرامات الرجالية والنسائية، بالإضافة إلى العباءات التي تفضّلها النساء"، مشيراً إلى أن "تصاميم الملابس تأخذ بعين الاعتبار الاشتراطات الشرعية للمناسك، من حيث الحشمة والاتساع، وتتفاوت الأسعار حسب نوعية القماش والتفصيل، إلا أنها تبقى في متناول الجميع".
وفي السياق ذاته، أوضح مرتضى محمود، ماك محل لبيع لوازم الحج والعمرة والهدايا، أن السوق يشهد في هذا التوقيت حركة نشطة من المتبضعين، وقال إن "الحجاج يقبلون على شراء هدايا العودة لأهلم وأقاربهم، مثل سجادات الصلاة، السبح، الحجابات، المباخر، الأقمشة، والدشاديش الرجالية والنسائية".
أشار المتحدّث إلى أن معظم الزبائن يشترون بكميات كبيرة (درازن)، ما يدفع التجار إلى توفير بضائع بأسعار مناسبة وجودة ترضي الزبائن.
ويرى عدد من التجار أن انتعاش السوق في موسم الحج يمثّل فرصة لعرض البضائع وتحقيق الأرباح التي يعتمدون عليها سنوياً، مؤكدين أن "هذا الموسم المبارك يحمل خيراً مضاعفاً، مادياً وروحياً على حد سواء".
ويستمر موسم الحج كواحد من أعظم الشعائر الدينية، التي يحتفل بها المسلمون في مختلف أنحاء العالم. وبين مشاعر القدسية العميقة وروحانية المناسك، وبين الدقة في التنظيم والتنسيق، يكتمل مشهد الحج، ليصبح تجربة فريدة، تحمل أبعاداً روحية وإنسانية لا تتكرر إلا مرة في العام، لتتجدد معها صورة الحج بحلّة أكثر إشراقاً وتألقاً مع كل موسم جديد