الطائفية في العراق نهج الساسة أم المجتمع؟

4 قراءة دقيقة
الطائفية في العراق نهج الساسة أم المجتمع؟ تعيرية

تاريخ الطائفية في العراق يعود الى جذور قديمة جداً ربما إلى حقبة نشوء الدولة العراقية الحديثة أو حتى قبل ذلك في الحقبة العثمانية، إلا أن نطاقها كان محدوداً ومحصوراً على بعض الممارسات التي عادةً ما كانت تسيطر عليها الدولة.

 

أصبحت الطائفية بعد التغير في عام 2003، السمة الأبرز على شكل النظام والدولة، لم يكن للمجتمع دور في تشكيل هذه السمة لأنها تشكلت بصبغة مختلفة تحت مسمى (المكونات) لكنها سرعان ما تحولت إلى وباء سام تغلغل جميع مفاصل جسم المجتمع العراقي تشكلت على أثرها مرحلة الطائفية. 

 

شهد العراق في سنواته الأولى الطائفية الأمنية لأغراض سياسية، دفع فيها جميع العراقيين ثمناً كبيراً جداً أنتج لنا حرباً طائفية استمرت لسنوات ومن ثم أحداث داعش. 

 

الطائفية تحولت فيما بعد الى خطاب مظلومية من قبل القيادات السياسية لاسيما السنية بعد عام 2015، إلا أنها لم تؤثر كثيراً نتيجة تداعيات حرب داعش، وعلى أثرها برز جيل سني جديد يرى الحديث بالطائفية يعيد إلى الأذهان شريط أحداث ظهور داعش مما يقلب عليهم الموازين بين جمهورهم الذي يعاني وبين الأطراف الأخرى التي باتت ترى بأن هذا النوع من الخطاب تهديد للأمن القومي العراقي، في ذات الوقت تحول الخطاب في الأطراف السياسية الأخرى كالشيعة، إلى خطاب الفضاء الوطني، والهوية الوطنية، والتوافق الوطني، من أجل عبور مرحلة الانسداد السياسي الحاصلة في 2014، وكذلك لمواجهة تهديد الخطر الخارجي المتمثل بتهديد عصابات داعش. 

 

هذا الأمر لم يستمر طويلاً فمع أول تجربة حقيقية لفعالية الخطاب إبان الانتخابات البرلمانية عام 2018، والانتصار على تهديد داعش 2017، تولدت حالة من عدم الثقة، بين جميع المكونات فمن باب العلمية السياسية قائمة على فكرة المكون، ومن باب آخر الحديث باسم المكون يثير الحساسية، لذا أصبح الخطاب السياسي بين المكونات مبني على محورية حرب داعش، الشيعة يروجون لفكرة الدفاع والحماية للأرض والوطن والدفاع عن الآخر السني والكوردي والمسيحي، وهذا لابد أن يترجم إلى استحقاق واحترام دائم، والسني بات يرى أنه ضحية، وأحداث داعش ساهمت في زيادة علمية إقصائه ومظلوميته أكثر وأنه كمكون يعاني من عدم التوازن.

 

حاول الجميع في 2018 تجاوز الأمر وتشكيل حكومة وإدارة سياسية متفق عليها من قبل الجميع، إلا أن احداث 2019 وانتخابات 2021 غيرت الموازين وانتجت أجيال جديدة شعارها كسر هذه التوافقية. ما حدث بعد انتخابات 2021 عاد إلى الأذهان لاسيما السياسية فكرة حقوق (المكون) التي بدورها تثير نعرات الطائفية، فتحولت الطائفية إلى طائفية سياسية بلون آخر تماماً. حتى أصبح السياسيون يعبرون بشكل صريح عن المظلومية التي يتعرضون لها مثل (الكورد، والسنة).

 

ومع قرب الانتخابات البرلمانية المقبلة في تشرين الثاني من العام الجاري، أصبحت القوى السياسية على المحك الانتخابي وتريد أن تحظى بنصراً عظيم، فما كان أمامها إلا الخطاب الطائفي تحت ذريعة (حقوق المكون). المكونات الثلاثة تطلق ذات الخطاب وذات اللغة في طرق مختلفة، إلا أن أخطرها ما يدور بين الشيعة والسنة كون أساس الاختلاف ينطلق من منطلقات دينية إلى منطلقات أخرى سياسية، اجتماعية، ثقافية.

 

من المهم التمييز بين الطائفية السياسية والطائفية المجتمعية، والدينية، ما يجري الآن هي طائفية سياسية الغرض منها نيل أكبر قدر ممكن من المقاعد البرلمانية، ولا ينبغي الانجراف وراءها وتقليب الألم للمجتمع الذي عانى منها كثيراً.

مصطفى السراي مدير الأبحاث والدراسات في مركز البيان للدراسات والتخطيط

نُشرت في السبت 3 مايو 2025 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.