دول المعاشات والتضخم الوظيفي الخانق!

3 قراءة دقيقة
دول المعاشات والتضخم الوظيفي الخانق! طلبات تعيين في العراق (مواقع التواصل)

في معظم بلدان المنطقة، ورثت الدولة الحديثة نموذجاً بيروقراطياً مترهلاً يستهلك الجزء الأكبر من الميزانية العامة في صورة رواتب وأجور لموظفين يشكّلون عبئاً أكثر من كونهم طاقة منتجة، وبدلاً من أن تكون الوظيفة العامة وسيلة لتحقيق التنمية، تحولت في كثير من الأحيان إلى غاية سياسية لشراء الولاءات أو امتصاص البطالة، ما أدى إلى تضخم هائل في الجهاز الوظيفي، وضعف في الأداء، وركود في القطاع الخاص.

 

لقد آن الأوان لطرح حلول واقعية ومبتكرة تواكب طبيعة الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها هذه الدول، ومن أبرز تلك الحلول المقترحة، ما يُعرف بمشروع "شراء الوظائف"، وهو مشروع اختياري مرن يهدف إلى تقليص عدد الموظفين في القطاع العام من خلال تقديم حوافز مالية مجزية لمن يرغب في ترك الوظيفة طوعاً، مقابل تعويضات مالية مغرية تُدفع لمرة واحدة، أو على دفعات محددة زمنياً.

 

جوهر المشروع

يقوم المشروع على تخصيص ميزانية سنوية لا تقل عن مليار دولار (قابلة للزيادة حسب إمكانيات الدولة)، تُستخدم كصندوق سيادي تحفيزي، يُعرض من خلاله على الموظفين الخروج الطوعي من الوظيفة، مقابل مبلغ تعويضي مُغرٍ، قد يعادل مثلاً 3 إلى 5 سنوات من رواتبهم، إضافة إلى دعم فني وتدريبي لمن يرغب في الدخول إلى سوق العمل الحر، أو الاستثمار في قطاعات الإنتاج أو الزراعة أو التجارة أو السياحة.

 

الأهداف بعيدة المدى

·     خفض الإنفاق الحكومي عبر تقليل الرواتب التراكمية في القطاع العام.

·     إنعاش القطاع الخاص من خلال تحويل القوى العاملة إلى ريادة الأعمال والأنشطة الاقتصادية الحرة.

·     تحرير الوظيفة العامة من كونها ملاذًا دائمًا، وإعادة الاعتبار لمفهوم الخدمة العامة كواجب مهني وليست وسيلة للعيش فقط.

·     تقليص الفساد والبطالة المقنّعة عبر تقليل أعداد الموظفين الذين لا يقدمون خدمة حقيقية.

 

نجاح المشروع يتطلب وجود آليات شفافة، وصندوق مستقل، وتشريعات تضمن حقوق المنسحبين من الوظيفة، مع رقابة مالية ومجتمعية صارمة تمنع التلاعب بالمبالغ أو الضغط على الموظفين لإجبارهم على القبول، كما يتطلب المشروع حملة توعية إعلامية تشجع على ثقافة العمل الحر، وتبدد المخاوف من الخروج من "حضن الدولة".

 

يمكن أن يبدأ المشروع على سبيل التجربة في إقليم معين أو قطاع معين (كالتربية أو الصحة أو البلديات)، ويتم تقييم أثره سنوياً، ثم يُعمم تدريجياً على بقية القطاعات، وبمرور خمس سنوات، يمكن أن ينخفض عدد الموظفين بمعدل يتراوح بين 15 إلى 25% دون أي إجراءات قسرية أو تخفيضات مؤلمة.

 

ما لم تُكسر حلقة التوظيف الحكومي كحل دائم للبطالة، ستبقى ميزانيات الدولة تحت رحمة الرواتب والدعم، دون أن تتحول إلى أدوات تنمية، مشروع "شراء الوظائف" ليس حلاً سحرياً، لكنه خطوة ذكية وجريئة نحو إصلاح حقيقي، متدرج، وإنساني، يُوازن بين احتياجات الموظف ومصالح الدولة، ويعيد هندسة العلاقة بين المواطن والدولة على أسس إنتاجية لا ريعية.

 

 

كفاح محمود كاتب وباحث سياسي

نُشرت في الأربعاء 30 يوليو 2025 11:35 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.