سفير أوكرانيا في بغداد: يجب ألّا يموت الشباب العراقيون بحرب بوتين

سفير أوكرانيا في بغداد: يجب ألّا يموت الشباب العراقيون بحرب بوتين سفير أوكرانيا لدى العراق إيفان دوفهانيتش

أكد إيفان دوفهانيتش، سفير أوكرانيا فوق العادة ومفوّضها لدى العراق، موت عراقيين في الحرب الروسية على بلاده، مشيراً إلى خسارة موسكو أكثر من مليون جندي بين قتيل وجريح خلال سنوات الحرب الأربع، واستنادها  لتجنيد المقاتلين من الخارج، وخاصة من الدول الفقيرة، لمواصلة العراك.

 

وكشف دوفهانيتش في مقال، اليوم الأربعاء 10 كانون الأول 2025، أن "بوتين يفعل كل ما في وسعه لتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين من الخارج، وخاصة من الدول الفقيرة. إحدى هذه الدول ترسل قواتها بشكل مركزي — فبحسب الاستخبارات الأوكرانية - يشارك 12 ألف جندي كوري شمالي حالياً في القتال إلى جانب روسيا. وفي دول أخرى، يتم تجنيد المقاتلين دون موافقة حكوماتهم، وغالباً عبر الخداع. وللأسف، العراق أحد هذه الدول". 

 

فيما يلي نص المقال تنقله "الجبال" دون تصرف:

 

"سيكون قد مضى قريباً أربعة أعوام منذ أن أطلق فلاديمير بوتين حربه العدوانية الشاملة ضد أوكرانيا. ووفقاً لحساباته الأولية، كان من المفترض أن تستمر هذه الحرب أسبوعين فقط وتنتهي بعرض عسكري للقوات الروسية في كييف. لكن العالم شهد بدلاً من ذلك واحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ الحديث.

 

الأرقام تتحدث عن نفسها. فقد خسرت روسيا بالفعل نحو مليون من جنودها بين قتيل وجريح. وللمقارنة: خلال عشر سنوات من الحرب في أفغانستان، خسر الاتحاد السوفييتي حوالي 15 ألف جندي. أما الولايات المتحدة، فقد خسرت في ثماني سنوات من حرب فيتنام 58 ألف جندي. وروسيا، في أقل من أربع سنوات من حربها ضد أوكرانيا، فقدت مئات الآلاف من مواطنيها قتلى — وهذه بيانات رسمية من الاستخبارات الغربية، ناهيك عن الجرحى. وقد خلقت هذه الخسائر مشكلة حرجة لموسكو: فالوحدات البرية، التي تتكبد أكبر عدد من الضحايا، بحاجة ماسّة إلى التعزيز.

 

ولهذا يفعل بوتين كل ما في وسعه لتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين من الخارج، وخاصة من الدول الفقيرة. إحدى هذه الدول ترسل قواتها بشكل مركزي — فبحسب الاستخبارات الأوكرانية، يشارك 12 ألف جندي كوري شمالي حالياً في القتال إلى جانب روسيا. وفي دول أخرى، يتم تجنيد المقاتلين دون موافقة حكوماتهم، وغالباً عبر الخداع. وللأسف، العراق أحد هذه الدول.

 

دعوني أكون واضحاً تماماً: أوكرانيا لم تُجنّد في أي وقت — وبأي شكل — مواطنين عراقيين للخدمة في القوات المسلحة الأوكرانية. هذا عمل تمارسه روسيا وحدها، وهو انتهاك للقانون الدولي ولمبادئ سيادة الدول.

 

ونحن نثمّن عالياً موقف حكومة العراق الثابت والحازم، وجهودها النشطة لمحاربة هذا التجنيد الإجرامي. فالمواطنون العراقيون يجب ألا يقاتلوا في نزاعات خارجية، وكل من يزجّ بهم في ذلك هم مجرمون ومتاجرون بالبشر. إن الحكم القضائي الصادر في النجف هذا سبتمبر، والذي قضى بالسجن المؤبد على أحد مجنّدي الجيش الروسي، يعبّر عن إصرار الدولة العراقية على حماية مواطنيها من المصير المأساوي بالموت في حرب لا تعنيهم. كما ترفع منظمات حقوق الإنسان في العراق صوتها ضد هذه الجريمة، مشيرة إلى انتهاك الاتفاقيات الدولية والمبادئ التي تحمي سيادة العراق.

 

ونحن نعلم أن الدبلوماسيين الروس ومن يبررون لهم يحاولون تصوير الوضع وكأن العراقيين يتهافتون للقتال من أجل روسيا بدافع “تعاطف خاص”. هذا كلام فارغ تماماً. الحقيقة أن الشباب العراقي — ومعظمهم من عائلات محدودة الدخل — ينجذبون لشيء آخر تماماً: وعود بالكسب السريع، والأراضي، والجنسية الروسية. هذه هي الأكاذيب التي يستخدمها المجنّدون للإيقاع بالشباب السذّج.

 

لكن الواقع أشدّ رعباً. فالحرب جحيم دائماً، لكنها لشاب عربي من العراق مضاعفة عدة مرات. أولاً، لأنها بلد غريب تماماً، بقواعد سلوك غريبة، ومعايير نظافة في الجيش الروسي غير مألوفة وغير مقبولة لمسلم. ثانياً، المناخ مختلف: ففي الشتاء عليهم القتال وسط الثلوج والجليد والبرد القارس — وهي ظروف لا يمكن لمن نشأ في مناخ العراق الحار أن يتأقلم معها جسدياً. والأهم — وهذه هي الحقيقة القاسية — لا أحد يهتم ببقاء هذا الشاب العراقي على قيد الحياة. فالضباط الروس، الذين لا يهتمون حتى بجنودهم الروس، يرسلون الأجانب عمداً إلى أكثر المواقع خطورة، ويستخدمونهم كوقود بشري في أكثر جبهات الموت فتكاً.

 

وهكذا، فإن الشاب الذي يقع في شباك وعود المجنّدين ويوقّع عقداً، يكون في الحقيقة قد وقّع حكم إعدامه بنفسه. وهو يصبح بلا قيمة — لا لبلده الذي لا يعرف حتى مصيره، ولا لروسيا التي تعتبره مجرد مادة للاستهلاك. فائدته الوحيدة هي بالنسبة لبوتين — وحتى هذا لفترة قصيرة فقط، إلى أن يموت ميتة لا كرامة فيها بين أنقاض شرق أوكرانيا المدمّر بالقنابل الروسية. يموت في حرب لا حاجة لها لأحد سوى بوتين.

 

كم من العائلات العراقية اليوم تبكي أبناءها الذين غادروا بحثاً عن حلم حياة أفضل، فلم يجدوا إلا الموت في أرض غريبة؟ كم من الأمهات ما زلن ينتظرن خبراً عن أبنائهن المفقودين؟ وكم من الشباب سيُساقون إلى الموت من أجل طموحات رجل واحد؟

 

تدعو أوكرانيا حكومة العراق إلى مواصلة محاربة المجنّدين بكل حزم، وتعزيز الرقابة على أنشطة الأشخاص المتورطين في هذه الجرائم، وتوعية المواطنين بالمخاطر الحقيقية التي تنتظرهم في روسيا. كما ندعو المجتمع العراقي، والزعماء الدينيين، والمنظمات المدنية، ووسائل الإعلام إلى مواجهة هذه الظاهرة ونشر الحقيقة حول ما ينتظر الشباب العراقيين إذا سلكوا هذا الطريق القاتل.

 

إن شباب العراق يستحقون مستقبلاً آمناً في وطنهم، بين أسرهم. ولا يجب أن يتحولوا إلى أوراق مساومة في حرب لا تخصهم. ولا يجب أن يموتوا من أجل الطموحات الإمبراطورية للكرملين. حياتهم أثمن بكثير من أي وعود يقدّمها المروّجون.

 

معاً، يجب أن نفعل كل ما بوسعنا لضمان ألا تفقد أي أسرة عراقية ابناً آخر في طاحونة الموت التي صنعها بوتين".


الجبال

نُشرت في الأربعاء 10 ديسمبر 2025 10:45 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.