يبدو أن العواصف السياسية لا يمكن أن تهدأ، مع استمرار ظهور العوامل المشجعة والقابلة للاستغلال في معركة التسقيط السياسي المتبادل، وآخرها قصة الكاردينال لويس روفائيل ساكو وكونه مرشحاً لخلافة بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، للجلوس على الكرسي الرسولي.
بعد ساعات من وفاة بابا الفاتيكان البابا فرنسيس، انشغلت وسائل الإعلام بطريقة اختيار من سيخلفه على الكرسي الرسولي وآليات ذلك. وفي خضم هذا تسربت معلومات عن أن الكاردينال لويس ساكو بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم، مرشح لأن يخلف البابا فرنسيس وأن يكون بابا الفاتيكان القادم، لكن هذه المعلومة أثارت استياء وانزعاج زعيم كتلة بابليون، ريان الكلداني، الذي لديه خصومة مسبقة مع الكاردينال لويس ساكو.
وسائل الإعلام المقربة من الكلداني قامت بحملة إعلامية ولجأت إلى نشر تصريحات لبعض المطارنة الكاثوليك من رؤساء الأبرشيات ورعاة الكنائس، لنفي قصة وجود "ترشيح" في عملية انتخاب بابا الفاتيكان القادم.
لكن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قال إنه "يدعم الكاردينال لويس ساكو بصفته عراقياً"، بوصفه المرشح الوحيد من منطقة الشرق الأوسط ليخلف "قداسة البابا الراحل فرنسيس بالكرسي الرسولي في الفاتيكان، نظراً لما يتمتع به غبطته من حضور محلي ودولي، ولدوره في نشر السلام والتسامح"، بحسب تعبير السوداني.
هذه التغريدة دفعت الكلداني للرد بتغريدة منزعجة ليصف الكلام عن طريقة الانتخاب لبابا الفاتيكان بأنها "تنم عن جهل" وأنه "لا أحد يرشح نفسه للبابوية"، وأن البابا ينتخب ولا يرشح، ولا "كاردينال فلان ولا غيره مطروح رسمياً، وما يثار مجرد ترويج إعلامي سطحي"، بحسب تعبيره، في إشارة واضحة للكاردينال لويس ساكو الذي يمتلك معه خصومة واضحة.
لكن تغريدة السوداني لم تكن مزعجة للكلداني فحسب، بل تحولت إلى مادة للاستثمار السياسي من قبل خصوم السوداني الذين هم اليوم في موسم "حصاد السقطات" على السوداني مع قرب الانتخابات، بعد أن انفرزت معسكرات الإطار بين "السوداني ومناوئيه على رأسهم المالكي"، ليتم وصف السوداني بأنه "تورط" وأحرج نفسه، لأن ليس هناك ترشيح كما أن لويس ساكو ليس المرشح الوحيد من الشرق الأوسط وهناك 3 أو 4 مرشحين.
من الواضح أن الطرف الذي يريد نسف ما يقوله السوداني ووصفه بأنه أحرج نفسه بمعلومات خاطئة، وقع بحالة تناقض، فهو من جهة يقول "ليس هناك ترشيح" في قصة انتخاب البابا، ثم يقول إن هناك 3 أو 4 مرشحين!.
لكن عموماً، اللعب على "مفردة الترشيح" كان لعباً لغوياً، فمفردة "الترشيح" تختلف تماماً عن مفردة "المرشح"، فالحقيقة أن لويس ساكو هو "مرشح" بالفعل لأن يخلف البابا، ليس من باب "ترشيح نفسه"، فهذا غير موجود في ضوابط الفاتيكان، بل هو "مرشّح" بفعل ما يمتلكه من شروط.
يتم انتخاب بابا الفاتيكان من قبل ما يعرف بـ"مجمع الكرادلة"، وهم 135 كاردينالاً حول العالم، وأعمارهم تبلغ أقل من 80 عاماً، حيث أن الدخول ضمن أعضاء "مجمع الكرادلة" يتطلب شرطين، الأول أن يكون يحمل مرتبة "كاردينال" وهذه تأتي بترقية من بابا الفاتيكان نفسه، والشرط الآخر أن يكون عمره أقل من 80 عاماً.
لذلك، هناك 252 كاردينالاً حول العالم من بينهم "الكاردينال لويس ساكو"، لكن فقط 135 كاردينالاً منهم يبلغ عمره أقل من 80 عاماً، وهو شرط متوفر في ساكو، لذلك فإن الـ135 كاردينالاً من ضمنهم ساكو، جميعهم يحق لهم انتخاب بابا الفاتيكان القادم، وجميعهم مرشحون لأن يكون واحد منهم في هذا المنصب، حيث أنهم سيقومون بانتخاب واحد من صفوفهم، لذلك فمفردة المرشحين صحيحة، فكل واحد منهم مرشح لأن يكون في هذا المنصب في حال اختياره من قبل الكرادلة الآخرين.
أما فيما يخص قصة هل لويس ساكو هو المرشح الوحيد في الشرق الأوسط أم هناك 3 أو 4 مرشحين، فتظهر قائمة الكرادلة "الناخبين" أي قائمة الـ135 كاردينالاً أن هناك اثنين فقط من الشرق الأوسط ضمن هذه القائمة، لويس ساكو في العراق، وكاردينال آخر في إيران.
في الخلاصة، فإن ساكو "مرشح بالفعل لهذا المنصب"، وليس هو من رشّح نفسه، بل لأنه أحد أعضاء مجمع الكرادلة، لكنه ليس الوحيد وليس ضمن 3 أو 4 أسماء آخرين في الشرق الأوسط، بل هو وكاردينال آخر من ايران، هما فقط من الشرق الأوسط الذي يضم بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية وإيران وتركيا ومصر.
وأدناه، التوزيع الجغرافي لأعضاء مجمع الكرادلة الذين يحق لهم انتخاب واحد منهم لمنصب بابا الفاتيكان: