في ظل فراغ الدولة والنظام.. هل تلعب إسرائیل دور حامي الأقليات في الشرق الأوسط؟

6 قراءة دقيقة
في ظل فراغ الدولة والنظام.. هل تلعب إسرائیل دور حامي الأقليات في الشرق الأوسط؟ مدينة السويداء جنوبي سوريا (المرصد السوري)

ما يجري في منطقة الدروز السورية، أي في السويداء ، له أبعاد كثيرة، منها ما يرتبط بملف حقوق الإنسان و حقوق الأقليات، فمن هذه الناحية الانتهاكات التي جرت بحق الطائفة الدرزية علناً، تقع في خانة انتهاكات حقوق الإنسان المحرمة دولياً.

 

ولكن ماذا يفعل المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة بالذات حيال هذه الانتهاكات والمشاكل التي تتجدد من حين إلى آخر في ظل فراغ الدولة وعدم تثبيت رؤية جديدة لطبيعة وشكل نظام الحكم في المنطقة بعد التغيرات الحاصلة؟.

 

طبعاً مثل كل المرات التي تُنتهك فيها حقوق الإنسان وتُداس فيها كرامة الإنسان، سوف تُعبر منظمة الأمم المتحدة عن أسفها وقلقها عما يجري سواء في السويداء أم في غزة أم ما يحصل غداً أو بعد غد في أي منطقة أخرى.

 

حتى الاتحاد الأوروبي الذي يمتلك تحت تصرفه أكبر مؤسسة عسكرية وهو الناتو، وأميركا راعية السلام في العالم وصاحبة أكبر ترسانة عسكرية، سوف لن يتحركوا لوقف هذه المجازر بل يعتبرونها شأناً داخلياً سورياً، ويحمّلون حكومة سوريا مسئولية سلامة المواطنين والحفاظ على حقوق الأقليات.

 

وماذا عن مطالبات أو بالأحرى "مخاوف" الأقلية الدرزية في سوريا الجديدة، التي يجب أن تكون مختلفة عن سوريا القديمة بحكم الشعارات والوعود الدولية؟. لاشيء. غير تكرار مقولة أن الجميع يجب أن تُصان حقوقهم تحت سقف الدولة السورية، ولكن بأي طريقة وبأية وسيلة وتحت أي نظام جديد؟ لا أحد يعرف.

 

حتى المبعوث الأميركي لسوريا يقول: سوريا ليست مؤهلة لتطبيق الفيدرالية، مثلاً كما في العراق الجديد. اذن فما طبيعة النظام الجديد الذي يتناسب مع الدولة السورية الجديدة؟ لا جواب. أي ليس هناك رؤية واضحة لمستقبل سوريا ولا نعرف لماذا سميّنا سوريا ما بعد بشار الأسد بسوريا جديدة؟.

 

لذلك فالجميع حتى الكورد، وليس فقط الدروز، يخاف من مستقبله؛ لأنه مستقبل غامض، بعد أن تأمّل مع سقوط نظام الأسد أن العهد الجديد سيكون مختلفاً. وحينما تقع مجازر أو اشتباكات بين دمشق والمناطق المختلفة في البلاد يأتي المجتمع الدولي ليدين الانتهاكات ويُطالب بوقف الانتهاكات.

 

وهل ستتحول هذه الإدانات إلى إجراءات عملية على الأرض؟. التجارب تقول لنا (لا) مادام ليست هناك مصلحة سياسية فإن التدخل والإجراءات اللازمة لن تكون.

 

إذن بعد كل هذه الأحداث وانتهاك حقوق الإنسان في سوريا الجديدة، فإن كل ما سنرى، بل ما سنسمع، أن منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي وحتى الاتحاد الأوروبي سوف يطلبون من حكومة أحمد الشرع وضع حدّ لهذه الانتهاكات والحفاظ على سلامة المواطنين في جميع أنحاء سوريا وهذا ليس كافياً بكل تأكيد.

 

وهذا ليس غريباً، فهذا هو الدور التاريخي الذي لعبته وتلعبه القوى العظمى ومنظمات حقوق الإنسان على مرّ السنين والأحداث، فها هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ أكثر من عقد، ماذا فعل المجتمع الدولي حيالها؟ غير الاستنكار والتعبير عن أسفه؟. هل استطاع فرض حلوله على إسرائيل؟، مثلا فكرة حلّ الدولتين أصبحت من الماضي ولا أحد يتحدث عنها، بل أن إسرائيل هي التي تفرض الحلول الآن.

 

حتى القضية الكوردية لم تُحسم بعد، و ليس للمجتمع الدولي حلّ جذري لها بل يتعامل معها  بحسب جدولة مصالحها الوقتية. حتى أن استفتاء أكراد العراق عام 2017 رغم نجاحه ديمقراطياً، لم ينل اعترافاً أو تأييداً دولياً.

 

إذا من للأقليات؟، ومن يبادر إلى حسم الأمور وإعطاء كل ذي حق حقه؟ ومن يحمي الدروز ومن بعدهم الأكراد من بطش الآخرين في سوريا الجديدة التي تشكو من مشكلة (فراغ الدولة)؟. هل سيبقى مصير هؤلاء مرتبطاً بسياسات الإدارات الأميركية المختلفة وتجاذبات السياسات الدولية والاقليمية والمصالح الوقتية؟.

 

 بالمقابل ففي أحداث السويداء رأينا التدخل الميداني السريع للجيش الاسرائيلي في سوريا والذي أدى إلى وضع حدّ لقتل الدروز والتنكيل بهم. فحتى إذا كنا غير موافقين مع هذا التدخل في طبيعتها والمواقع المستهدفة عسكرياً، إلا أنها أدت إلى وقف المجازر بشكل عملي.

 

بمعنى آخر سواء كنا موافقين أم مخالفين فإن الأحداث الأخيرة في سوريا أدت إلى تقوية الدور الإسرائيلي في المنطقة، وبعثت برسالة إلى الأقليات أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تتدخل عملياً وليس المجتمع الدولي، إذا تعرضت الأقليات العرقية والدينية للخطر.

 

وهذا ما أدركه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينما خاطب قائلاً: "لن نسمح بأن تجعل إسرائيل من إخوتنا الكورد مائدة لمصالحها"، أي أن اسرائيل تريد أن تشارك هذه الأقليات مصيرها وتدافع عنها.

 

خلاصة الكلام التغيرات التي حصلت في المنطقة تحتاج إلى استكمال وتثبيت، فليس من المعقول أن تُترك المنطقة إلى مصير مجهول، بل من واجب الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية أن تطرح رؤيتها لمستقبل المنطقة، بعد التغيرات التي حصلت فيها.

 

فلا تستطيع شعوب المنطقة أن تعيش بسلام في ظل حالة (فراغ الدولة). بل أن هذا الفراغ الذي حصل بعد سقوط نظام الأسد وانكماش محور المقاومة، يجب أن يُملأ بنظام جديد يتناسب مع التعددية العرقية والدينية التي تُشكِل بالأساس طبيعة المنطقة منذ زمن بعيد. مع طرح رؤية جديدة أكثر راديكالية  لحلّ القضيتين الأساسيتين في المنطقة وهما: الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والقضية الكوردية.

 

عبدالله ريشاوي كاتب صحفي

نُشرت في الأحد 20 يوليو 2025 09:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.