البراغماتية في مواجهة العقائدية.. عن الاتفاق بين أميركا وإيران

4 قراءة دقيقة
 البراغماتية في مواجهة العقائدية.. عن الاتفاق بين أميركا وإيران

في التقلّبات الجارية في المواقف داخل العراق إثر الاتفاق على المفاوضات بين ايران وأميركا في سلطنة عُمان، سخر البعض من النبرة اللينة للمحور الموالي لإيران، ورفعه لراية السلم والتفاوض، بدل المواجهة والحرب، وهي النبرة التي كانت سائدة طوال السنوات الماضية.

 

على الضفّة الأخرى رأى آخرون؛ إن النبرة الجديدة تصبّ في مصلحة العراق، وقد تكون مقدّمة لوقفة مع الذات، واعادة التفكير والحسابات عند هذا الطرف الموالي لإيران، لتغليب المصلحة الوطنية على مصلحة الجارة، والاندماج أكثر في العملية السياسية، والاستفادة من مزايا الانخراط تحت سلطة القانون والدستور العراقي، بدل البقاء بندقية على كتف الإيراني، يوجّهها لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك.

 

والمثير للانتباه أنه في خضم كل هذا الجدل يبقى الكثير من المؤيدين والمعارضين لهذا المحور على ذات التصوّر السلبي تجاه ما يعتبروه "نهجاً براغماتياً"، بالضد من النهج العقائدي المبدأي. فينفي "الولائي" تهمة البراغماتية وأنه ما زال عقائدياً، ويعرّض مخالفوهم بهم بإيراد الأدلة على انتهاجهم البراغماتية.

 

في الحقيقة أن "المنهج البراغماتي" في السياسة والحياة، إن جاء بشرطه وشروطه، هو العصب الأساسي لعالم اليوم، ولا يعني هذا التخلّي عن المبدأية السياسية والثقافية، بما تشمله من معتقدات وتصوّرات، ومن ضمنها التصوّرات الدينية.

 

ويرى رائد البراغماتية ويليم جيمس بأن "حقيقة أي فكرة هي ما تؤدي إليه من نتائج عملية"، ثم جاء تشارلز بيرس، الذي يُنسب إليه وضع مصطلح البراغماتية، ليقول: إن معنى أي فكرة يكمن في أثارها العملية القابلة للتجربة. ويعتقد الفيلسوف الكبير جون ديوي أن البراغماتية هي أساس "التربية والمجتمع الديمقراطي"، وأن التفكير يجب أن يكون أداة لحل المشكلات الواقعية، وليس فقط للتنظير المجرد.

 

وبعبارة مختصرة واضحة؛ إن البراغماتية تعني أن مبادئك ومعتقداتك وتصوراتك الأيديولوجية إن لم تكن قابلة للتطبيق، فعليك أن تضعها جانباً وتتعامل مع الظروف المحيطة بك بواقعية، لحماية مصالحك ومصالح الفئة الاجتماعية التي تمثّلها أو تدّعي الدفاع عنها، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة لتطبيق معتقداتك أو تصوراتك الإيديولوجية. وأحياناً حين تمتنع هذه العقائد عن التطابق مع المصالح، يجري نقدها وتعديل مساراتها، وهذا ما حدث ويحدث في المسار التاريخي السياسي والاجتماعي والاقتصادي لكلّ البلدان المتطوّرة حول العالم.

 

ومن الواقعية والبراغماتية أن ننظر الى العراق اليوم في ضوء مفاعيل القوى الاقليمية والدولية، خصوصاًُ وأن البلد يختزن مشاكل لا حصر لها، لعلّ من أهمّها التحديات الاقتصادية والبطالة والاعتماد شبه الكلّي على الموارد النفطية المتقلّبة، وضعف ربط التعليم بالعجلة الاقتصادية في البلد، وضعف القطاع الخاص، والانتقال الى "الحوكمة الالكترونية" التي باتت ضرورة أساسية للتنمية الاقتصادية في كلّ بلدان العالم، ومنها بلدان مجاورة للعراق.

 

إن وضع العراق هشّ، ويمكن أن تتضرّر معاشات ملايين البشر في أي مغامرة غير محسوبة. وإن كانت هناك أطراف سياسية أو مليشياوية تريد اتباع البراغماتية فأهلاً وسهلاً بها، وهذا هو المطلوب. وعلينا تشجعيها على ذلك. على الرغم من القناعة السائدة عند كثيرين أنها "استراحة محارب"، ريثما تتوفّر الظروف الاقليمية والدولية للعودة الى المغامرات الخطرة السابقة.

 

إن الوضع العراقي الضعيف لا يتيح له مجابهة إيران وجهاً لوجه، كما يريد بعض المتحمّسين، ولكن من "البراغماتية" أن نخرج من عقلية الاستقطاب هذه، التي تضع العراق أمام خيارين؛ إما الخضوع التام لإيران أو مجابهتها أو ربما الحرب معها. والأمر نفسه ينطبق على علاقتنا مع أميركا أو الدول المجاورة القويّة مثل تركيا.

 

هناك الكثير من الدول الضعيفة حول العالم استطاعت أن تشقّ طريقها بذكاء نخبها السياسية، لتعظيم الموارد الوطنية على مختلف الصعد، والارتقاء بالبلد والمجتمع الى مصاف الدول المتقدّمة، ولعلّ من أهم الأسباب التي أتبعتها؛ التخلي عن العقيدة الحربية واستعداء العالم والتحول الى خطر للدول المجاورة، أو منطقة اضطراب أمني، ومصدر تهديد وتوتّر، بدلاً من الشراكة الاقتصادية ومدّ جسور المصالح المشتركة، والتركيز على التنمية والتطوير.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 18 أبريل 2025 11:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.