إلغاء شرطة الآداب الإيرانية ومغازلة المتشددين في العراق

4 قراءة دقيقة
إلغاء شرطة الآداب الإيرانية ومغازلة المتشددين في العراق  شرطة آداب إيرانية (فيسبوك)

في تطوّر مثير ألغت السلطات الايرانية، الأربعاء الماضي (19 آذار/مارس) دوريّات شرطة الآداب (والمعروفة أيضاً بشرطة الحجاب)، ليتوّج هذا القرار مساراً مضطرباً من الأحداث الاجتماعية والسياسية على مدى سنوات، أبرزها انتفاضة مهسا أميني في 2022، لصالح مرونة أكثر في التعامل مع الضغوط الاجتماعية المطالبة بانفتاح أكثر وتخفيف الإجراءات الدينية المتشدّدة على المجتمع.

 

على الضفّة الأخرى من الحدود، يطالب بعض الخطباء الشيعة بإلغاء مباراة العراق والكويت ضمن تصفيات كأس العالم، والتي تجري في ملعب البصرة، لتزامنها مع مناسبة دينية حزينة.

 

على الرغم من التشابه الكامل، حدّ التطابق، في كلّ مفردات العقيدة الاسلامية الشيعية، نصوصاً وطقوساً، ما بين العراق وإيران، إلا أن المجتمع الإيراني يسير في مسار مختلف عن المجتمع العراقي، وهناك اختلافات لا حصر لها بين المجتمعين، ليس أوّلها اختلاف اللغة والثقافة الاجتماعية، وليس آخرها اختلاف طبيعة النظام السياسي في كلا البلدين.

 

وإذ يضيق المجتمع العراقي بشكل عام، والمجتمع الشيعي فيه ضمناً، من إجراءات التشدّد الديني، ويفشل، مع ذلك، في إيقاف تأثيراتها السلبية حتى الآن، فإن الإيرانيين عبروا هذا المخنق منذ عقود، واستهلكوا الحماسة الدينية الأصولية في عقد الثمانينيات، وصارت الأجيال الجديدة في تسعينيات القرن الماضي، تبحث عن بديل سياسي واجتماعي وثقافي أكثر انفتاحاً واعتدالاً، وهذا ما تمّ ترجمته لاحقاً بصعود التيار الاصلاحي في إيران، الذي حاول مغازلة التيارات الشبابية الأكثر جرأة في مطالب الإصلاح، الى حدّ الدعوة لإسقاط نظام الولي الفقيه، وهذا ما حدث أكثر من مرّة في المناسبات الاحتجاجية العديدة التي حصلت في سنوات لاحقة، خلال حكم الرئيس محمد خاتمي أو ما بعده.

 

الاختلاف الأساسي الثاني؛ أن أكثر من عشرين سنة من العهد الجديد في العراق لم ترسّخ سلطة مؤسسات الدولة، بينما إيران تحكمها المؤسسات، ولا تستطيع أي سلطة موازية أن تنافس أو تنازع سلطة الدولة على صلاحياتها، وهذه صورة غير متوفّرة في العراق للأسف.

 

يروي لي حاجّ كبير بالعمر؛ أنه قضى سنوات ما بعد 2003 في إقامة موكب لخدمة الزائرين على الطريق من الحلّة الى كربلاء، في الوقت الذي كانت العمليات الارهابية تمنع الكثيرين من القيام بهذا العمل التطوعي. ولكن، بعد مضي سنوات، تزايدت مواكب خدمة الزائرين، وشعر هذا الحاجّ بأن عمله لم يعد مميّزاً، لذا سعى لاستحصال الموافقات لإقامة موكب خدمة مشابه، ولكن في مدينة مشهد، في ذكرى وفاة الإمام علي بن موسى الرضا.

 

صُدم الرجل من الاجراءات العديدة في أهم مدينة دينية في إيران، فلم يسمحوا له بافتراش الطريق، وطالبوه بحجز مكان في قاعة مناسبات ملحقة بحسينية أو جامع. ومنعوه من قطع الطريق، وغيرها من الإجراءات التي أشعرته، حسب قوله، بأن هذه الدولة "ليست شيعية"!

 

تقف الدولة ومؤسساتها في العراق عاجزة عن منع المتشددين والمزايدين من تهييج الشارع وإثارة الانقسامات، لأن هذه الدولة تخشى من تهمة أنها تقف في وجه الشيعة. بل بالعكس، نجد أن مغازلة المتشددين الشيعة هي ورقة سياسية مناسبة لبعض التيارات، على الرغم من أن النسبة الأكبر من المجتمع ليست متشدّدة، بالإضافة الى نسبة أخرى تطالب بشكل صريح باحترام التعددية والحقوق المدنية المقرّة بالدستور، وأن لا يكون رجال الدين أوصياء على المجتمع العراقي المتنوّع.

 

إن الانتصارات الصغيرة التي يحصل عليها المجتمع المدني الايراني، بين حين وآخر، تدلّل بصورة لا لبس فيها على أن التشدّد والتطرّف لا يمكن أن يستمر الى الأبد، وما هو أهم؛ أن الحراك الاجتماعي يصنع بالتراكم انعطافات مهمّة، عاجلاً أو آجلاً، وبدون هذا الحراك لا يمكن انتظار التغييرات الايجابية من أي طرف كان.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 21 مارس 2025 02:16 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.