حسب منظمات مراقبة حقوق الإنسان، ومنها المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن ما جرى في الساحل السوري خلال الأسبوع الماضي، يرقى إلى جرائم إبادة جماعية بحقّ السوريين من الطائفة العلوية.
انشغلت الكثير من المتابعات بمحاولة تفسير الذي حدث، وأسبابه، وانشغل آخرون بالمقارنات مع جرائم نظام بشّار الأسد، وحاول آخرون التقليل من حجم الكارثة الانسانية، ولكن هذا لا يبعدنا عن توصيف ما حصل بأنه جريمة منظمّة وذات أهداف طائفية.
والطائفية هنا لا تتعلق بهوية المنفّذين وإنما هوية الضحايا. فليس من المنطقي اتهام طائفة أو عرق أو جماعة بشرية، أياً كانت، بجرائم ارتكبها أفراد أو منظّمات. في الحقيقة لا توجد، في التوصيفات الواقعية والعلمية، طوائف مجرمة وأخرى ضحية، وإنما جماعات داخل طائفة، أو مكونة من أفراد قادمين من طوائف وأعراق، شاءت الأقدار أنها تمتلك القوة والبطش، تستطيع استخدامه لتنفيذ أغراضها وأهدافها، ما يجعل الآخرين ضحايا لهذه الأغراض والأهداف.
ذاكرة الإنترنت مليئة بفيديوات عن جرائم ذات نفس طائفي ارتكبت خلال عهد الرئيس السابق بشّار الأسد، خلال الثلاث عشر سنة الماضية، وليس آخرها ما ارتكبه فلول نظام الأسد في الساحل السوري من قتل لعناصر من الجيش والأمن الداخلي، والتي كانت شرارة الأحداث الأخيرة.
ولكن الذي ارتكب هذه الجرائم هو نظام وأجهزة أمنية تابعة لهذا النظام، وليس الطائفة، حتى لو كانت غالبية هذه الأجهزة محكومة من أبناء الطائفة.
كذلك الأمر يمكن أن يقال عن الشباب الشيعة ضحايا جريمة سبايكر، وعن التصفيات الانتقامية المضادة لقرى في الأنبار وصلاح الدين، راح جرّاءها المئات من العراقيين السنّة، فهذه الجرائم والجرائم المضادة، لا تجعل الطوائف مجرمة، وإنما هي مسؤولية معلّقة برقاب الأفراد والجماعات المسلّحة التي قامت بها.
أن رؤية هذه القضية وقضايا مرتبطة أو شبيهة بها، بشكل موضوعي، هي أزمة كبيرة في منتطقتنا وبلداننا، ومواطنيها الميّالين الى التعميم، والى التشبث بالهويات الطائفية بشكل عاطفي مبالغ به، الى حدّ الشعور بالانزعاج إن نسبت الأحداث جرائم الى أبناء الطائفة، أو تبني مظلوميات الطائفة وكأنها جزء من القصّة الشخصية.
من تداعيات الأحداث السورية المؤلمة أن قامت مجموعات مسلحة في بغداد وبعض المحافظات بالاعتداء على مقيمين سوريين، بدعوى أنهم يمجّدون بالجرائم التي حصلت في سوريا، ولكن المعلومات الموثّقة تشير الى أن تهمتهم أنهم يضعون علم سوريا الجديد في خلفية حساباتهم على مواقع التواصل. فهذا العلم يشير الى حالة من التأييد للنظام الجديد، والمجموعات المسلّحة المعتدية تنظر الى النظام السوري على أنه نظام معادٍ.
حين كتبت على حساباتي في مواقع التواصل وأدنت هذا الفعل، ردّت الكثير من التعليقات بالحمية الطائفية المعهودة، وصاروا يدافعون عن موقف المسلّحين باعتدائهم على المقيمين السوريين، وأن ما قاموا به هو أمر "صحيح" ولا غبار عليه. ولم ينتبهوا الى مفارقة أن الدولة وحدها، وأجهزتها الأمنية والقضائية، هي من تملك الحقّ الشرعي في محاسبة المواطنين والمقيمين في حال خالفوا القوانين أو ارتكبوا أفعالاً يجرّمها القانون، ولا حقّ لأي جماعة مسلّحة بأن تمارس دور الشرطي والقاضي. بل إن الفعل المشين الوحيد في هذا المشهد هو ما تقوم به هذه الجماعات المسلّحة، وعلى الدولة أن تقوم بمحاسبتهم واعتقالهم.
سبب انزعاج هؤلاء المعلّقين، أنهم يرون الفعل الشائن الذي يرتكبه فردٌ ينتمي الى طائفئتهم، يشوّه صورة الطائفة، وبالتالي يجب الدفاع عن صورة الطائفة، حتى ولو كان بتبرير الفعل الشائن.
الأمر الأكثر خطورة هو ما يمثله هذا الموضوع من انعكاس على الداخل العراقي، فبدلاً من أن ننتظر من القيادات السياسية والاجتماعية والدينية في سوريا أن تطوّق النيران الطائفية المشتعلة، ويكون العراق عاملاً مساعداً في هذا المسعى، فإن هشاشة الوضع الداخلي في العراق تفتح مجالاً لأولئك المستعدين للاستثمار في الدم الجديد، لغايات وحسابات سياسية داخلية. ومحاولة احراج الحكومة العراقية من خلال تظاهرات تطالب بعبور الحدود باتجاه سوريا للاشتراك في وحل الدم هناك، وكأننا ما شبعنا من رائحة الدم أبداً.