التغيرات المناخية تهدد باختفاء مواقع آثارية في العراق.. ارتفاع الزقورة انخفض 10 أمتار

6 قراءة دقيقة
التغيرات المناخية تهدد باختفاء مواقع آثارية في العراق.. ارتفاع الزقورة انخفض  10 أمتار

مدن عراقية مهمة ستدفن بالكامل تحت الرمال خلال الـ20 سنة القادمة ‏

فقد برج أثري شهير جنوبي العراق عدة أمتار من طوله الأصلي بسبب التأثيرات المناخية، فيما يتوقع أن تدفن مناطق أخرى تاريخية في البلاد خلال 15 سنة القادمة بسبب الكثبان الرملية، كما يرى مختصون.

آثاريون يحذورن في العراق من خطر لا يمكن مواجهته بالقوة العسكرية، حيث تصاعد خلال السنوات الـ20 الأخيرة، يتمثل بالتغيرات المناخية التي تهدد المناطق التاريخية، وتظهر الرياح وارتفاع درجات الحرارة والأمطار تأثيراً واضحاً على المواقع الأثارية، فيما يشدد مختصون على أهمية مواجهة تلك المؤثرات قبل اندثار وانهيار مواقع تاريخية.

مدير مفتشية آثار ذي قار، جنوبي العراق، شامل الرميض قال أثناء لقاء أجرته معه "الجبال"  في مكتبه، إنّ "التغيرات المناخية شكلت تأثيراً مباشراً على الشواخص الآثارية وفي مقدمتها العواصف الرملية، فضلاً عن الأمطار".

وأضاف أنّ "الكثير من هذه المواقع الآثارية تقع في المسار الذي تتحرك به الكثبان الرملية شمال محافظة ذي قار بمنطقة الكطيعة".

 وأخطر ما حذر منه المسؤول في دائرة الآثار من أن زقورة مدينة أور الشهيرة، غربي الناصرية (مركز محافظة ذي قار) قد تأثرت هي الأخرى بشكل حقيقي على مدار ألفي عام مضت نتيجة عوامل التعرية.

 ويكشف رميض عن أن ارتفاع الزقورة انخفض إلى "16 متراً بعد أن كانت 26 متراً"، أي بمعدل انخفاض متر واحد تقريباً كل 200 عام.

 ومع ازدياد معدلات الحرارة والأمطار وحركة الرياح يتسارع مستوى التأثير، على ما يقوله رميض.

 والزقورة تقع غرب الناصرية بمسافة 10 كيلو متر، وهي بمواجهة مباشرة مع الرياح المحملة بذرات الرمال.

 لذا عمدت وزارة الثقافة والسياحة والآثار مؤخراً، وفق المسؤول بالوزارة، لرصد مبلغ 3 مليار دينار لإجراء أعمال الصيانة ومعالجة التشققات التي حصلت فيها والطابوق المتكسر.

ويذكر المسؤول في وزارة الثقافة الشواهد الكثيرة لمواقع دُفنت نتيجة حركة الكثبان الرملية منها أجزاء من موقع لارسا الآثاري في قضاء الرفاعي شمال المحافظة.

ويقول إنّ في الموقع الأخير تعمل بعثة فرنسية بشكل موسمي للتنقيب عن الآثار، يمتد الموسم الواحد بين شهر وشهرين في العام الواحد، ومع بداية الموسم الثاني تجد البعثة أن "الرمال قد غمرت الموقع لأعماق تصل أحياناُ إلى 3 أمتار".

وإضافة إلى ذلك، هناك مواقع آثارية بارزة في ذي قار، يتم التنقيب فيها وتتعرض لعوامل التعرية بسبب الرياح، مثل تل العويلي، وأريدو، وتل جوخا، ومدينة أوما.

 

مدن مهددة بالاندثار

 

 عالم الآثار في مفتشية دائرة الآثار عقيل المنصراوي يؤكد أنه تابع بشكل شخصي المواقع التي تتعرض لتأثيرات الكثبان الرملية ومدى تأثرها.

يقول المنصراوي لـ"الجبال" إنه إذا لم تتم تعالج تلك التأثيرات "ستغطي الرمال مدن مهمة بالكامل في جنوب العراق وتحديداً في ذي قار في حدود الـ 15 أو 20 سنة القادمة".

واعتبر المسؤول في دائرة الآثار أن تلك المؤشرات "مقلقة جداً بالنسبة لنا نحن الآثاريين"، لا سيما وأن المواقع الآثارية مبنية من الطين، والعواصف والرطوبة والأملاح تؤثر عليها بشكل مباشر. 

ويحدد المنصراوي أبرز المواقع المهددة بالاندثار هي؛ أم العقارب، وتل شميث، الواقعتان ضمن مدينة أوما الآثارية، وجميعها تقع في خط الكثبان الرملية وحركة الهواء.

ويقول المنصراوي إنّ "الأمطار تشكل عامل سلبي لأنها تسبب تشققات في أجزاء من جدران المباني التي يتم اكتشافها، ولكنها أيضاً تشكل جانباً إيجابياً لأنها تظهر غطاء نباتي بالقرب من هذه المواقع ممكن تقلل من حركة الرمل".

 

خطورة الكثبان الرملية

 

من جهته يقول مدير مشروع الكثبان الرملية في ذي قار قحطان الحسيني، في اتصال هاتفي مع "الجبال" أن "مساحة الأراضي المتصحرة تمتد من محافظة القادسية والمثنى وحتى ذي قار والاخيرة هي الأكثر تضرراً".

ويضيف أن "محافظتي القادسية والمثنى تقعان في الجانب الغربي لحركة الرياح وبالتالي تأثرهما جداً قليل، لكن ذي قار هي من تواجه الضرر الأكبر".

ويبين الحسيني أن "الرياح تتحرك بشكل كبير في فصل الصيف ناقلة معها ذرات الرمال التي تسبب أمراض تنفسية للسكان"، مشيراً إلى أن "واقع التصحر يتسع سنوياً وأضراره تصل إلى دولة الكويت".

وكشف الحسيني، أنه "لمواجهة هذه المشكلة، تم تشكيل لجنة مشتركة من قبل الحكومة العراقية  والكويتية، وتم زيارة موقع الكثبان الرملية والعمل على دراسة الأماكن الأكثر شدة وحركة".

في غضون ذلك يقول أستاذ علم الجيومرفولوجية في كلية الآداب جامعة ذي قار رحيم عدنان، إن "ما يقارب من " 1600 كيلو متر مربع هي المساحة الأكثر شدة بالكثبان الرملية في العراق".

ويؤكد عدنان أن تلك النسبة تزداد مع زيادة نسب الجفاف وقلة المياه والغطاء النباتي"، مضيفا أن "تأثير التعرية الريحية يكون بشكل مباشر على تلك المواقع الاثارية فضلا عن الامطار التي تشكل منحدرات واخاديد وتجمعات مائية يصعب تصريفها وبالتالي تسبب بتهشم اجزاء من هذه المواقع".

وبحسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط عام 2021، قدر مساحة الكثبان الرملية في ذي قار بأنها قد بلغت "68566 دونماً".

مطار يهدد معلم آثاري 

وعن الزقورة مرة أخرى، يشير باحث آثاري آخر، عن أن المخاطر الثانية التي تواجه المعلم التاريخي المهم، هو بناء مطار قريب من الموقع.

أمير دوشي الباحث الآثاري يقول لـ "الجبال" أنّ "الزراعة غير المنتظمة تؤثر على المواقع التاريخية بنسبة 23%، حيث يعمل مزارعون في تلك المواقع غير المنقبة، فيما الخطر الأمني يهدد بنسبة 20%، وبعدها التنمية غير المنتظمة بنسبة 16%، وخطر الكثبان الرملية بـ16% تليها الفيضانات المخاطر الأخرى".

ويضيف دوشي أنّ "واحداً من المخاطر الذي تهدد زقورة أور طهو قربها من مطار الناصرية الدولي الذي يتم العمل على إنشائه حالياً".

وإجمالاً يقول الباحث الآثاري، إنّ "هذه المخاطر لا يمكن معالجتها إلا بجهود مشتركة من قبل الحكومة عبر تشكيل هيئة محددة تأخذ على عاتقها دراسة هذه التحديات ومعالجتها في أسرع وقت".

مرتضى الحدود صحفي عراقي

نُشرت في الأربعاء 17 يوليو 2024 06:13 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

المزيد من المنشورات

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.