السياسة الخارجية المقيدة

4 قراءة دقيقة
السياسة الخارجية المقيدة

الوضع السياسي الداخلي والأداء السياسي - أو السياسي الإداري لدولة ما، خير اختبار لفهم وجود تأثير عمل للسياسة الخارجية لهذه الدولة وتقدير قوتها وفهم توجهها، إذا أرادت أن تتحرك خارجياً.

 

لا تُدار الدولة التي تريد سلطتها إضافة تراكم خبرة أو صنع تجربة أولى لمراكمة الخبرة،  لا تدار بتخبط وتبدل ثوابت وإشاعة العمل الصفري (تصفير ما تم عمله قبل وصول الفريق الجديد للحكم)، وأول ما يتعين على الفريق الحاكم التنبه له هو الاقتصاد (المال والنفقات والموارد والوضع الاجتماعي ومقوماته التي ترتبط بأداء السلطة).

 

حتى في الدول متعددة القوى الداخلية ثمة حدود دستورية وقانونية وعرفية لا يصح تجاوزها حتى لا يتم ابتلاع سنوات من عمر الدولة، ومثل هذا الفعل له تداعيات عاجلة وآجلة، تداعيات من السوء، والتاريخ السياسي يقدّم أدلة على ذلك، والتجارب مهما كانت مشروعيتها وعقيدتها، فقد جلبت المهالك على مجتمعاتها وعلى نفسها أيضاً، لا فرق في ذلك في نوع العقائد، ولا جهة الانتماء العرقي أو الموقع الجغرافي.

 

هنا تبرز نقطتا الوعي الحزبي والاستيعاب النيابي، فثمة كيمياء فكرية بين الاثنين تقوم على قاعدة أساسية لترتفع في فضاء حيوي يشكل واقعية لفهم مصالح الدولة، ومتى تتحرك وبأي مسار ومتى تتوقف أو تراجع مشروعها، إذ لا مبرر مقبول أن يتم الاكتفاء بالتدرع بالكتلة النيابية لمصادرة الحقوق والآراء وممارسة الحق بتعسف أو بباطل وحرق فرص السنوات النيابية لصالح فئة ثم تدول الأمور لفئة أخرى وليستمر مشروع التشوه بعمد أو بتجاهل مقصود.

 

كان الفكر الذي أنتج الديمقراطية ملماً بنسبية الإنسان، فلا مطلق إلا الله وبعض من القيم التي تناضل الإنسانية في الحياة لإيجادها أو للتأسيس لها ومنها الحق والخير.

 

كانت الديمقراطية نقيضاً تهذيبياً صعباً على الذين تعودوا عدم التفكير بغلبة الوقت والزمن والتبدل والتقدم، ولذا فهي أقرب للتقويم السليم الذي يربط بين دورة الأرض حول الشمس ليشطب عاماً مضبوط الوقت. لا دولة بلا هوية، فإن ضاعت هويتها أو زُوِّرت، فلك أن تتخيل وضعها الذي سيكون شبيهاً بوضع إنسان بلا أوراق ثبوتية أو بورق ثبوتي مزور، وإن امتلكت هويتها، فلا بد أن تكون هوية محترمة حتى وإن كانت متواضعة، لكنها حقيقية، ولها أن تطور من نفسها لتكون أفضل.

 

الدولة مسؤولية ليست بالهينة إلا على الذين يجدونها فرصة لإشباع رغبات ذاتية، فيبعدون الذين يعرفون حقيقة تاريخهم ويشرعون في إدمان التشبث بالمكان والصفة أو بمكان وصفة أخريين ترفعهما لنصيب من قرار، ومع تعدد انصبة القرار، يبدأ الوهن في جهاز الدولة، حيث الولاء مقدم على الخبرة، بل وعلى إدراك ما مطلوب تقديمه ليعود بالنفع على الدولة. لا يمكن حصر مفهوم الجهل بعدم الدراية بالقراءة والكتابة، حيث أن للجهل أو التجاهل مصاديق أخطر وأشد ضرراً إن لم يراجع أصحاب القرار تجارب التاريخ في الإدارة، أين الخطأ وهل الصمت هو دوماً الحل أم أن تطمين النفس والتعويل على الحظ كافيان مع رصيد نقدي لطوارئ التبدلات؟

 

لابد من الإقرار بمرض سياسي مكتسب لبدء علاج تأخر كثيراً، مع الإقرار مقدماً أن لا فائدة لشعوبنا من تصريحات اتهام متبادلة ومصالحات تكتيكية لإعادة بذل الوعود وتكرار عين المشاهد بوجوه جديدة.

 

أعود لأذكر أن القرارات التي تتخذ من القوى الدولية بحقنا في حقل السياسة الخارجية سيكون لها بعد مؤثر داخلياً عندنا، ببساطة لأن لهم من يقدم واقع السياسة الداخلية عندنا، في وقت لا يبدو أن صناعها الداخليين مهتمون بمتابعتها وتصحيحها، أمناً ومجتمعاً واقتصاداً وفصل سلطات.

فاضل ميراني مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني

نُشرت في الجمعة 28 فبراير 2025 10:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.