صورة القائد "الجعفري"

4 قراءة دقيقة
صورة القائد "الجعفري" تعبيرية (فيسبوك)

ترى بعض الآراء أن شعار (ماكو ولي إلا علي.. ونريد قائد جعفري) كان موجوداً قبل انتفاضة 1991 (الانتفاضة الشعبانية في الجنوب)، ولكنه ارتبط بهذه الانتفاضة وصار يحيل إليها، ثم شاءت المصادفات أن يكون أول رئيس وزراء عراقي أفرزته أول انتخابات عراقية ما بعد 2003 (انتخابات الجمعية الوطنية في حزيران/ يونيو 2005) هو إبراهيم الإشيقر الجعفري. وكأنه استجابة للتطلعات التي رفعها ذلك الشعار القديم عند شيعة العراق.

 

في تلك الفترة كانت الفكرة أن يكون على رأس السلطة (حاكمٌ جعفري)، بل وزاد عليها البعض أن "الكفاءات" العائدة من خارج العراق، وتسبق أسماء الكثير منهم صفة "الدكتور"، هي البديل الجيّد عن نوّاب الضبّاط والعرفاء الذين كانوا في مجلس قيادة الثورة في النظام السابق.

 

ثم حصل تعديل بسيط في المطلوب من صورة رئيس الوزراء؛ إن الناس تريد شخصاً أكثر وطنية. ربما شخصاً أقلّ فصاحة بالكلام من إبراهيم الجعفري، وأقرب إلى الناس، ولم يرفع بندقية في وجه أبناء بلده خلال الحرب العراقية الإيرانية، حينما كان في صفوف المعارضة العراقية في إيران، كما يشاع عن نوري كامل المالكي.

 

تقول الشائعات؛ إن انقسام حزب الدعوة في إيران ما بين فريقين؛ الأول مؤيد للمشاركة في الجهود العسكرية الإيرانية ضد العراق، والآخر رافض، هو ما دفع المالكي في النهاية إلى الخروج من إيران إلى سوريا، وممارسة العمل المعارض من هناك حتى لحظة سقوط نظام صدّام في بغداد.

 

في أواخر فترة المالكي شاع تصوّر أن أبناء الفرات هم من يسيطرون على العملية السياسية، من السنّة (في الأنبار تحديداً) والشيعة (في كربلاء والنجف)، وأن النخب البغدادية أقصيت عن مراكز السلطة.

 

هنا نحصل على تعديل جديد؛ لقد رحّب الكثير من الناخبين باختيار الدكتور حيدر العبادي لرئاسة الوزراء، فها هو أخيراً شخصٌ بغدادي وابن محلّاتها القديمة يقف على رأس السلطة.

 

ورحّب العديد من مؤيدي بقايا البرجوازية العراقية الملكية بواحد من أحفادها؛ عادل عبد المهدي، وظنّوا أنه تعديل مناسب على صورة رئيس الوزراء، وربما يكون هو الشخص المطلوب.

 

ثم جاءت الانتفاضة على الإسلاميين جميعاً، بعد احتجاجات تشرين الأول/ اكتوبر 2019. فالإسلامي الشيعي على ما يبدو ليس هو الشيعي المناسب على رأس السلطة، وجاءنا مصطفى الكاظمي، المدني العلماني، على الرغم من صِلاته الاجتماعية مع الإسلاميين.

 

ثم وصلنا إلى التحديث الأخير؛ المشكلة الفعلية على ما يبدو، أن جميع رؤساء الوزراء السابقين هم من معارضي الخارجي، ونريد رئيس وزراء من الداخل، أو هذا على الأقل ما روّجه مؤيدو رئيس الوزراء الحالي معالي المهندس محمد شياع السوداني.

 

في كلّ هذه التحوّلات كانت عيون العوام من الناس تذهب الى رأس السلطة، غير منتبهة إلى تركيبة السلطة التي تتجاوز حدود ما يمكن للرأس أن يفعله. فحتى لو جئنا برئيس وزراء كوري جنوبي أو ياباني فإنه لن يستطيع أن يفعل المعجزات، من دون توجيه وموافقة تركيبة السلطة، التي تمسك بها مجموعة الأحزاب الفائزة، وتأثيرات المرجعيات الدينية والاجتماعية، والقوى الإقليمية المؤثرة وعلى رأسها إيران، وارتباطات العراق الدولية، ولا سيما مع أميركا.

 

يفكّر الناس في الشخص الذي يشغل منصب رئيس الوزراء، ولكن المنصب نفسه مرّ بتحوّلات غير لطيفة؛ فانتقل من كونه استحقاقاً انتخابياً للكتلة الانتخابية وزعيمها، إلى منصب توافقي، قد يأتي برجل من خارج الانتخابات كما حصل مع الكاظمي، أو مجرد فائز بثلاثة مقاعد، كما هي كتلة "تيار الفراتين" لرئيس الوزراء الحالي السوداني.

 

قبل ثلاثة عقود أو أكثر كانت الناس تفكّر بـ(قائد)، ولكن هذا العنوان انتهى إلى ما يشبه (المدير)، الذي ينفّذ سياسات الكتل البرلمانية التي انعمت عليه بالمنصب، وهي كتلٌ يقودها أشخاص (أو يخضعون إلى أشخاص) ربما لم يشاركوا في الانتخابات أصلاً.

 

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 28 فبراير 2025 01:50 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.