يبدو أن الدبلوماسية الإيرانية في حيرة من أمرها مع وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في واشنطن. فهي مرتبكة في كيفية التعامل مع الإدارة الجديدة بقيادة دونالد ترامب الذي يظهر أنه يؤمن بمنطق القوة أكثر من إيمانه بقوة المنطق.
فالرئيس ترامب مثلما يظهر من تعامله مع كثير من الملفات، هو رجل القرارات أكثر منه رجل مفاوضات، فهو يفرِض القرارات على خصومه ويملي الإملاءات على حلفائه ولا يتفاوض حولها على قاعدة "نفذ ثم ناقش".
الرئيس دونالد ترامب كقراءة شخصية يؤمن بقوة أميركا العظمى ويبني على ذلك سياساته الخارجية، وهو في نفس الوقت يستصغر أعداءه وحلفاءه في آن واحد. ربما تكون لهذه السياسة مخاطرها، لكن كما يبدو فهي سياسة ناجحة إلى الآن، وتوفر له الكثير من الوقت لتحقيق أهداف حكومته. لذا إن الدبلوماسية الإيرانية في هذه الحالة، لن تستطيع حتماً أن تسلك المسلك الذي كانت تنتهجه أيام عهد الديمقراطيين.
لقد توصلت إيران في عهد باراك أوباما مثلاً عام 2015 إلى اتفاق حول برنامجها النووي، استطاعت من خلاله انعاش اقتصادها وتمكين موقعها السياسي ومكانتها في العالم، ولو استمر ذلك الحال لكانت إيران الآن أكثر قوة.
بينما جاء دونالد ترامب في عهده الأول في 2018، لينسف هذا الاتفاق من طرف واحد ويُدخِل إيران من جديد تحت ضغوط اقتصادية ودبلوماسية قاسية امتدت آثارها إلى اليوم وتزيد يوماًٍ بعد يوم. فالمستوى الذي وصل إليه هبوط العملة الإيرانية ابتداء من نسف الاتفاق إلى اليوم، هبوط تدريجي و خطير.
وأمام هذه الحالة، تبدو الدبلوماسية التفاوضية الإيرانية بحاجة إلى لملمة أوراقها من جديد ومراجعة حساباتها، من أجل إيجاد طريقة مناسبة للتعامل مع هذه السياسة والعقلية الجديدة في واشنطن.. ليس فقط تباين، بل هناك تضاد تام بين العقلية الدبلوماسية لإدارة ترامب والعقلية الإيرانية التقليدية في التفاوض.
إن العقلية التفاوضية الإيرانية هي عقلية "مرنة" و"غير متسرعة" و"بطيئة جداً"، تعتمد على الوقت وتراه في صالحها، وهذه العقلية كانت تجد في سياسة الديمقراطيين أمثال باراك أوباما وجو بايدن مكاناً مناسباً لها، حيث كانت تتمتع بجولات التفاوض في ظل إدارتهم وكانت لها فرصة عرض الأوراق والتفاوض بشأنها. لكن مع مجيء ترامب فإن فُرص التفاوض والأخذ والرد والمناقشات وإظهار الأوراق قد انعدمت تماماً، فترامب أو بالأحرى أميركا هي من تقرر وعلى المقابل إما الانصياع أو الاستعداد لقبول الأسوأ.
لكن هذا ما ترفضه إيران، فرض الشروط ولغة التهديد لا يقبله الإيرانيون بتاتاً، حيث عبرت إيران عن هذا الرفض على لسان أعلى سلطتين لها، المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية، "لا تفاوض تحت الضغوط" كما يقول مسعود بزشكيان الرئيس الإيراني، وذلك تنفيذاً وتماشياً مع توصيات المرشد الأعلى الذي وصف التفاوض والاتفاق مع دونالد ترامب بعدم الحكمة وأشار في خطاب له إلى أن "لا ضمان لأي اتفاق مع هذا الرئيس".
وهذا الرفض الإيراني للتفاوض مع واشنطن في ظل الإدارة الجديدة لا تأتي من منطلق القوة، فحال الاقتصاد الإيراني لا أحد يتمناه، وأوراق إيران الضاغطة في المنطقة لم تعد كما كانت من قبل بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وإضعاف حزب الله في لبنان وتحجيم المليشيات التابعة لها في العراق.
كل هذا يبين أن إيران ليست في حالة تفاوضية جيدة، وعليها أن تفكر أكثر من مرة قبل أي رفض أو قبول للإملاءات والشروط الأميركية التي ربما جلّها يتمحور حول برنامجها النووي و تحييد سياساتها في الشرق الأوسط وموقفها من إسرائيل وقضية محور المقاومة.