البنك المركزي "يهمل" ما قد يؤدي لانهيار.. كيف سيواجه العراق العقوبات الأميركية على المصارف؟

9 قراءة دقيقة
البنك المركزي "يهمل" ما قد يؤدي لانهيار.. كيف سيواجه العراق العقوبات الأميركية على المصارف؟ تعبيرية

في ظل تصاعد العقوبات الأميركية على المصارف العراقية وشركات التحويل المالي، يجد القطاع المصرفي نفسه أمام أزمة غير مسبوقة تهدد استقراره وتضعف قدرته على مواكبة المعايير الدولية، ومع كل حزمة جديدة من العقوبات تتزايد المخاوف من انكماش السيولة وتراجع ثقة المستثمرين، وارتفاع كلفة المعاملات المالية.

 

وفي هذا المشهد الضبابي، يترقب الشارع الاقتصادي الخطوات القادمة للحكومة العراقية في مواجهة التحديات المصرفية، بينما تتجه الأنظار نحو مدى قدرة النظام المالي العراقي على إعادة التكيّف مع المتغيرات الدولية دون أن ينهار تحت وطأة الضغوط الخارجية.

 

وبحسب وكالة "رويترز"، التي كشفت، يوم الأحد 16 شباط 2025، عن عزم البنك المركزي العراقي منع خمسة مصارف أهلية من إجراء المعاملات بالدولار الأميركي، وذلك عقب اجتماعات مع مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية، في إطار الجهود المبذولة لمكافحة غسل الأموال، وتهريب الدولار، والانتهاكات المالية الأخرى.

 

ووفقاً لمصادر "رويترز"، فإن الاجتماعات عُقدت الأسبوع الماضي في دبي بين مسؤولين من البنك المركزي العراقي، ومسؤولين من الخزانة الأميركية والاحتياطي الفيدرالي، فيما اعتبرت المصادر أن هذه الخطوة ستحدّ بشكل كبير من قدرة هذه البنوك على إجراء المعاملات بالدولار، ما سيؤثر على معظم العمليات المالية التي تتم خارج العراق.

 

وتضم المصارف المشمولة بالقرار الجديد، (بنك المشرق العربي الإسلامي، المصرف المتحد للاستثمار، مصرف السنام الإسلامي، بنك مسك الإسلامي وأمين العراق للاستثمار والتمويل الإسلامي). ويأتي هذا الإجراء في سياق الضغوط الأميركية المتزايدة لضبط التعاملات المالية في العراق، ومنع تدفق الدولار إلى جهات غير مشروعة (إيران).

 

البنك المركزي يتحمل المسؤولية

 

بخصوص العقوبات، يقول الخبير الاقتصادي، مصطفى حنتوش، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "هناك مؤشرات سلبية على سياسة البنك المركزي فيما يتعلق بالحوالات الخارجية، حيث ترسل أموال كبيرة وتدخل بضائع تجارية لا تغطي قيمة الأموال المرسلة"، مؤكداً أهمية "ربط الجمارك والمنافذ للحد من عمليات غسيل الأموال"، في إشارة إلى أن هذه أحد الأسباب التي تقف وراء معاقبة المصارف العراقية من قبل واشنطن.

 

وعن السبب الآخر، يضيف حنتوش، أن "التعاملات المالية سواءً على صعيد التجارة أم فيما يتعلق بأمور السفر وغيرها مع إيران، يجب حل منح الدولار مقابل هذه الأمور والاعتماد على تحويل عملات أخرى أو ذهب أو غيرها لتجنب هكذا نوع من العقوبات".

 

البنك المركزي، أهمل جميع الأسباب الخاصة بالعقوبات الأميركية، والكلام لحنتوش، وركز فقط على قضية بيع الدولار داخل العراق ومنعه على المواطن الذي لا يدخل ضمن أسباب العقوبات الأميركية السابقة.

 

وحول مستقبل النظام المصرفي في العراق، يؤكد الخبير الاقتصادي أن "الوقت مبكر جداً للحديث حول هذا الملف". وعن امكانية معاقبة مصرف الرافدين، يرى حنتوش، أن "الإدارة في الولايات المتحدة وعلى رأسها الخزانة الأميركية يجب التفاهم معها وتقديم إصلاحات لضمان عدم فرض عقوبات مستقبلاً على مصرف الرافدين كونه مصرف حكومي ويتعامل وفقاً للخطط الحكومية الرسمية".

 

لكن سرعان ما أصدر البنك المركزي العراقي، بياناً نفى فيه وجود عقوبات دولية على بعض المصارف العراقية، مشيراً إلى انتهاء الاجتماعات الفصلية الأولى للعام 2025 مع وزارة الخزانة الأميركية والبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التي عقدت في دبي بمشاركة شركات التدقيق والاستشارات الدولية "تكلّلت بإشادة للخطوات التي اتخذها البنك المركزي العراقي والحكومة العراقية في إصلاح القطاع المصرفي".

 

ويوضح بيان المركزي أن "العمليات المنفذة من قبل المصارف العاملة في العراق تعتمد بشكل كبير على ثقة المصارف المراسلة العالمية بالقطاع المصرفي العراقي"، مؤكداً "ضرورة الحرص على اعتماد القنوات الرسمية لهذا البنك لمعرفة آخر الأخبار وعدم مناقلة الأخبار غير الصحيحة مثل تعرض بعض المصارف العراقية للعقوبات الدولية وغيرها".

 

تحذير من انهيار وشيك

 

وتحدث عضو مجلس النواب العراقي، أمير المعموري، الأحد 16 شباط 2025، عن قيام البنك المركزي العراقي بتحويل الدولار إلى مصارفة معاقبة منذ أكثر من سنة، فيما أشار إلى أن "هناك تلاعباً في عملية الدولار، تحتاج إلى صولة حقيقية".

 

ويقول محمود داغر، الذي شغل منصباً مهماً في البنك المركزي العراقي، إن "فرض العقوبات على المصارف العراقية يتماشى مع الطرح الخاص بالجانب المالي مع إيران"، مبيناً أن "الإدارة الأميركية الجديدة ترى أن العراق يمثل الرئة الاقتصادية لإيران".

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، أشار داغر إلى أن القرار الأميركي جاء بالدرجة الأساس على خلفية العلاقة الوثيقة بين بغداد وطهران وقدرة إيران على التدخل بقوة في القرار السياسي العراقي.

 

وعن إمكانية الانهيار المصرفي في العراق، يضيف داغر، أن "استمرار السياسة الأميركية الحالية تجاه العراق ستضعف القطاع المصرفي العراقي بشكل مؤكد، لكن في نفس الوقت هناك مصارف محدّدة لها تواصل مع واشنطن ستحظى بكامل الدعم الأميركي خلال الفترة المقبلة"، دون تسمية هذه المصارف.

 

ووفقاً لداغر، فإن حكومة بغداد مطالبة بصورة كبيرة بتحسين العلاقات مع واشنطن على الصعيد الاقتصادي كون العراق مرتبط مع أميركا بالدولار، وإن أي تراجع في هذه العلاقات ستجهز على النظام المصرفي العراقي وتفقد البنك المركزي العراقي القدرة على إدارة السياسة المالية في البلاد.

 

ويشير داغر إلى أن "جميع المصارف العراقية من بينها مصرفي الرشيد والرافدين (عدا المصرف العراقي للتجارة TBI)، تحت دائرة خطر العقوبات الأميركية"، مؤكداً أن "العراق غير قادر على الصمود أمام أي عقوبات أميركية اقتصادية".

 

وفي (19 تموز 2023)، فرضت وزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً في حملة على تعاملات إيران بالدولار في ذاك الوقت.

 

وطالت العقوبات (مصارف المستشار الإسلامي للاستثمار والتمويل، والقرطاس الإسلامي للاستثمار والتمويل، كذلك الطيف الإسلامي، مصرف إيلاف، مصرف أربيل للاستثمار والتمويل، البنك الإسلامي الدولي، مصرف عبر العراق، مصرف الموصل للتنمية والاستثمار، مصرف الراجحي، مصرف سومر التجاري، مصرف الثقة الدولي الإسلامي، مصرف أور الإسلامي، مصرف العالم الإسلامي للاستثمار والتمويل، ومصرف زين العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل).

 

ومنعت وزارة الخزانة الأميركية في (كانون الثاني 2023)، أربعة بنوك عراقية أخرى من الوصول إلى الدولار، في حين فرضت بالتعاون مع البنك المركزي العراقي ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام الأمر الذي حد من نشاط القطاع المصرفي في البلاد.

 

وكان البنك المركزي العراقي قد استبعد آنذاك أربعة مصارف عراقية أهلية من مزاد بيع العملة (الأنصاري، والشرق الأوسط، والقابض، وآسيا) إثر توجيهات وتحذيرات من وزارة الخزانة الأميركية من هذه المصارف المتهمة بتهريب العملة.

 

تأثير محدود أم لعبة اقتصادية أكبر؟

 

وفي العام الماضي، اعترف رئيس اللجنة التنفيذية في البرلمان عطوان العطواني، "تهريب الولايات المتحدة"، فيما كشف عن امتيازات للمستثمرين في سوق العقارات بالعراق.

 

وبحسب الباحث في الشأن الاقتصادي، دريد العنزي، فإن العقوبات المفروضة على المصارف العراقية لم تؤثر بشكل كبير على السوق المحلية أو سعر صرف الدولار، مشيراً إلى أن التجربة السابقة في معاقبة 33 مصرفاً ومن ثم استئناف عملها بشكل طبيعي، أثبتت أن هذه الإجراءات لا تحمل تأثيراً جوهرياً على الاقتصاد العراقي.

 

ذكر العنزي خلال حديث لمنصة "الجبال"، أن العقوبات التي فرضت سابقاً جاءت بسبب تهريب الدولار، ومع ذلك، سُمح لهذه المصارف بالعمل بالدينار العراقي، مما يعكس، وفق وصفه، موقفاً غير مفهوم من البنك المركزي العراقي، فبدا وكأنه يدافع عن هذه المصارف عبر السماح لها بالاستمرار في السوق رغم العقوبات.

 

ويشير العنزي إلى أن "الاقتصاد العراقي لن يتأثر كثيراً بهذه العقوبات، نظراً لأن المصارف الأهلية في العراق ضعيفة وغير فعالة، في حين تلعب المصارف العربية المنسقة داخلياً دوراً أكبر في تحريك الاقتصاد العراقي، بدعم غير مباشر من سياسات داخلية تُضعف المصارف المحلية لصالح الأجنبية".

 

أما بخصوص مصرف الرافدين، فتساءل العنزي عن سبب إمكانية استهدافه بالعقوبات رغم عدم تعامله بالدولار مع الخارج أو بالحوالات الدولية، مرجحاً أن يكون السبب مرتبطاً بدوره في دعم السوق السوداء من خلال عمليات مالية داخلية بالدينار والدولار، والتي قد تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار.

 

وقال العنزي إن "هذه العقوبات ستكون ملحوظة في تقليل الطلب على الدولار بشكل كبير، وهو أمر ذو أهمية بالنسبة للولايات المتحدة"، معتبراً أنه "من الأفضل رفع العقوبات المتبقية عن بعض المصارف بشرط إخضاعها لرقابة أكثر صرامة، إذ أن غياب الرقابة داخل العراق يجعل هذه العقوبات غير فعالة وغير مؤثرة على الاقتصاد العام، رغم هشاشته".

 

وصادق مجلس الوزراء العراقي، بتاريخ (7 شباط 2023)، على قرار مجلس إدارة البنك المركزي العراقي بتعديل سعر الدولار الأميركي مقابل الدين، بما في ذلك 1300 دينار للدولار الواحد، في خطوة جاءت عقب أزمة ضربت العراق جراء تحذيرات وعقوبات أميركية سابقة.

 

وكان سعر الدينار العراقي عند 1470 ديناراً مقابل الدولار قبل أن يفرض مجلس الاتحاد الاحتياطي في نيويورك ضوابط أكثر على المعاملات المالية بالدولار من جانب البنوك العراقية، إلا أن هذه الخطوة لم تجد نفعاً ولا يزال السوق العراقي يعاني من أزمة وشحة في الدولار الأميركي.

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الثلاثاء 18 فبراير 2025 01:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.