التوازنات الحرجة

5 قراءة دقيقة
التوازنات الحرجة تعبيرية

من الواضح للكثير من المراقبين أن التوازنات الحرجة ما بين إيران وأميركا، خلال العقدين الماضيين، هي من جعلت الأمور تمضي بسلام في العراق، مع وضع خطّين تحت كلمة "سلام".

 

إن هذا السلام المفترض كان يتأثر بصعود الصقور أو الحمائم في الإدارتين الأميركية والإيرانية. أو بتداعيات الصراع في الشرق الأوسط. ولم يكن العراق قادراً على فصل نفسه عن اضطرابات المنطقة، مهما حاول.

 

كانت هذه التوازنات الحرجة حاضرة في مشروع غزو العراق. لقد فهمت إيران، تحت رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي، إن الغزو الأميركي حتمي ولا يمكن التراجع عنه، ولا مصلحة لإيران للوقوف مع صدّام بوجه التحالف الجديد، وحتى لو وقفت معه فهي غير قادرة على المواجهة العسكرية، بل أن هناك فائدة في إزاحة صدام، الذي خاضت معه حرباً لمدّة ثماني سنوات، وكان شعار إسقاط صدام حاضراً خلال هذه الحرب، كواحد من أهدافها، وفشلت إيران في ذلك.

 

كما أن المعارضة العراقية، الشيعية تحديداً، أوضحت للقادة الإيرانية أن النظام الجديد، الديمقراطي، سيتيح للشيعة، لأول مرّة ربما في العصر الحديث، أن يتسلّموا مقاليد الحكم في العراق، وهذا سيدفع حلفاء إيران الى سدّة الحكم. وعلى الرغم من هذه الحقيقة إلا إن إيران وأميركا لم يكونا على وفاق حول "نوع" الشيعة الذين سيكونون في سدّة الحكم، وبالتأكيد لم تكن أميركا تفكّر بأن ينقل الشيعة الموالين لإيران تجربة الحكم الإسلامي المتشدّد فيها الى العراق الجديد.

 

كانت قناة "العالم" الفضائية، التي تلتقطها أجهزة التلفزيون العادية في العراق من دون الحاجة الى أطباق لاقطة، تبثّ مجريات الحرب، وتسميّها "حرب السيطرة"، وكان الكثير من العراقيين الذين يتابعون مجريات الحرب على هذه القناة، يتجاهلون خطابها المضاد لأميركا، ويركزّون على أخبار التقدم العسكري الأميركي في العراق.

 

مضت الأمور بهدوء نسبي خلال العام الأول من الاحتلال، وكانت الحوادث الأمنية في عامي 2004 و 2005 منسوبة في أغلبها إلى تنظيم التوحيد والجهاد للزرقاوي، وتم تجاهل حقيقة أنه دخل العراق من إيران. ولم يكن واضحاً حجم التدخل السلبي لإيران في تلك الأوقات، لأن الخطاب الرسمي الإيراني يحاول دعم الحلفاء في النظام السياسي الجديد، ولا يحاول تصعيد العداء مع أميركا، وإنما يضغط من أجل إخراج القوّات الأميركية سلمياً بعد إنهاء مهامها في العراق.

 

كلّ شيء اختلف بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو حزيران 2005 وفوز المرشّح الأصولي المقرّب من الحرس الثوري محمود أحمدي نجاد، الذي غيّر من النهج الإيراني بشكل كامل، ودفع الحرس الثوري للتدخّل أكثر في العراق، للضغط على الأميركان ليسرّعوا من خروجهم من العراق.

 

كان نظام بشّار الأسد في سوريا قد بدأ بالفعل يتدخّل بالشأن العراقي، مباشرة عقب الاحتلال في 2003، واتهمت تقارير أميركية نظام الأسد بدعم أبو مصعب الزرقاوي، وتسهيل دخول الجهاديين عبر الحدود العراقية السورية، لكن الذروة كانت في 2005، ولا يستبعد الكثير من المراقبين أن نظام الأسد حليف إيران كان يعمل مع الجمهورية الإسلامية ضمن خطّة واحدة لزعزعة الأمن في العراق، وجعل الإقامة فيه للأميركان غير مريحة.

 

في الوقت نفسه كانت تقارير أميركية تشير إلى تغيير قواعد العمل في العراق، فالقوة الأميركية حتى ذلك الوقت كانت كافية لإسقاط نظام صدّام، لا إدارة البلد أمنياً، وكان من المتوقّع أن القوّات الأمنية العراقية الجديدة هي من ستتولّى هذا الملف. وركّزت القوّات الأمنية الأميركية في الفترة من نيسان 2003 حتى حزيران 2005 على حماية قواعدها ومعسكراتها وليس حماية المدنيين. لكن الأمر أختلف بعد ذلك، وصارت حماية المدنيين أولوية. حتى وصل الأمر في 2007 إلى زيادة جديدة لأعداد القوات الأميركية في العراق لمواجهة العنف الطائفي، وتحديداً في بغداد والأنبار. كان رائد هذه العملية هو الجنرال (ديفيد بترايوس)، الذي سيقود لاحقاً مشروع إنهاء القاعدة والمليشيات في العراق بصورة شبه كاملة، ما سهّل إتمام خروج القوّات الأميركية من العراق في أواخر 2011.

 

كانت الإدارة الديمقراطية في أميركا برئاسة أوباما قادرة في ذلك الوقت على الادعاء بأنها أنهت مهمة أميركا في العراق، وسلّمت بلداً آمناً نسبياً، لحكومة ديمقراطية، تتمتّع بمستوى من الاستقلالية وحدّ أدنى من النفوذ الإيراني أو الإقليمي السلبي، ولكن للأسف كان للطبقة السياسية العراقية رأي آخر.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في السبت 8 فبراير 2025 04:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.