في أزمة ليست بجديدة، تشهد بغداد انقطاعات متكررة في الطاقة الكهربائية خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الشهرين الاخيرين، بالمقابل خرجت وزارة الكهرباء في تبرير جديد لتقول ان المجمعات السكنية في العاصمة تستحوذ على نسب كبيرة من الإنتاج المحلي للطاقة الذي لا يكفي أساساً لسد الحاجة.
وقبل أيام قليلة، كشف المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، في حديث تلفزيوني، تابعه "الجبال"، إن "المجمعات السكنية سواءً في بغداد أو المحافظات أصبحت تشكل عبئا اضافياً على شبكات تجهيز الطاقة الكهربائية"، مبيناً أن "هذه المجمعات تقوم بالاعتماد بشكل كبير على المنظومة الوطنية".
ويضيف المتحدث الحكومي، قائلاً إنّ "قانون الاستثمار يلزم جميع المجمعات السكنية الجديدة بإنشاء محطات كهربائية تسد حاجتها، وبأقل تقدير محطات تحويلية، لضمان استقلاليتها في الطاقة بغية عدم وضع حمل زائد على المنظومة الوطنية".
وخلال السنوات الماضية، شهد العراق انتشار مجمعات سكنية ذات البناء العمودي في عموم المحافظات على غير العادة، كون البلاد منذ عشرات السنين معتادة على البناء الأفقي بشكل كبير.
قصة منطقتين: الدورة وبوابة العراق
يقول "أبو رزان"، وهو أحد المواطنين الذين يسكنون منطقة الدورة، جنوبي العاصمة بغداد، لـ "الجبال"، إنّ "المنطقة على غرار أغلب مناطق بغداد تعاني من قلة ساعات تجهيز الكهرباء (الوطنية)، فإن المنطقة تدخل بنظام الجدول والذي يتضمن (ساعتين إطفاء مقابل ساعتين تشغيل)".
لكن في الحقيقة هذا الجدول لا يطبق نهائياً على أرض الواقع. الكهرباء خلال ساعتي التشغيل وفي أغلب الأحيان تأتي لمدة دقائق أو لنصف ساعة فقط، وبعدها يستمر الاطفاء لنحو 4 ساعات، وفقاً لحديث أبو رزان.
أما أبو ملاك وهو أحد ساكني مجمع "بوابة العراق"، الذي يتوسط العاصمة بغداد، ويعد من المجمعات السكنية الفاخرة، يقول إن "الكهرباء في المجمعات السكنية لا تختلف كثيراً عن بقية المناطق وهي تخضع لوضع التجهيز في القاطع الذي تقع ضمنه، واحياناً تصل ساعات انقطاع الكهرباء إلى ساعتين مقابل كل ساعتين للتجهيز واحياناً تزداد ساعات القطع في حال كانت هناك مشكلة في بقية المناطق، حيث يتم تقليل ساعات التجهيز في المجمعات على اعتبار انها تمتلك مولدات خاصة".
وفي حديث لـ "الجبال"، يوضح أبو ملاك، أن "في شهر تموز كانت ساعات القطع أكثر من ساعات التجهيز على غرار باقي المناطق في بغداد"، مبيناً أن "ساعات التجهيز الآن تحسنت، وصار التشغيل 4 ساعات مقابل ساعتين، مع استمرار الكهرباء الوطنية من الساعة 12 ليلاً حتى الـ 6 صباحاً".
ويتابع المواطن، قائلاً "في جميع أشهر السنة نشتري كارتات كهرباء المولد الأهلي بمبالغ اعتيادية (المجمع يعمل بنظام شحن كارتات الطاقة)، لكن في شهري تموز وآب نشتري كارتات بمبلغ يتراوح بين 150 ألفاً إلى 200 ألف دينار للعائلة الصغيرة، بينما لا نضطر لشراء كارت احياناً طيلة ستة أشهر أو أكثر اعتمادا على ساعات تجهيز الكهرباء الوطنية".
اهمال شرط مهم لإنشاء المجمعات السكنية
وتعتمد محطات إنتاج الطاقة في العراق على شراء الغاز من إيران الذي يؤمن ثلث حاجة البلاد من الطاقة، إلا أن التيار الكهربائي دائماً ما ينقطع نظراً لعدم قدرة الحكومة على دفع الأموال إلى طهران بسبب العقوبات الأميركية.
يقول مصدر رفيع في هيئة الاستثمار الوطنية عن تجهيز المجمعات السكنية بالطاقة، لـ "الجبال"، أن أغلب العقود المبرمة مع المستثمرين في تلك المجمعات والمسؤول عنها الدائرة القانونية بالهيئة "لم تلزمهم بإنشاء محطات كهربائية خاصة بالمجمعات السكنية المشيدة في بغداد".
ويشير المصدر، إلى أن "عدم وضع هذه البنود ليس بالضرورة أن يكون ضمن صفقات الفساد، وإنما قد تكون الدائرة القانونية لم تدرك أهمية وضع مثل هكذا شروط على المستثمر من أجل التخفيف على المنظومة الوطنية الخاصة بالكهرباء".
وبحسب الأرقام الصادرة عن وزارة الكهرباء، فإن الطلب على الطاقة خلال العامين الماضيين يتراوح بين 35 و37 ألف ميغاواط، في حين يرتفع الطلب سنوياً 2.5 ألف ميغاواط، مقابل انتاج وصل إلى 27.400 ميغاواط.
بغداد تستهلك نحو نصف طاقة العراق
في نيسان من العام 2024، وقّع العراق مذكرات تفاهم في مجال الطاقة والمحروقات خلال زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى الولايات المتحدة، بغية زيادة إنتاج الكهرباء بمقدار ثلاثة آلاف ميغاواط.
وخلال نفس الزيارة، كشف وزير الكهرباء زياد علي فاضل، عن إبرام مذكرة تفاهم بين وزارته وشركة جنرال إلكتريك الأميركية لصيانة وتحديث قطاع الكهرباء في العراق لمدة 5 سنوات.
ووفقاً للوزير، فإن المذكرة تشمل تعزيز كفاءة 70 توربيناً ومولداً في 18 محطة بمحافظات عراقية مختلفة تصل إجمالي الطاقة فيها إلى 7.500 ميغاواط، ورفد الشبكة الوطنية بـ3000 ميغاواط جديدة.
ويقول بلال خليفة، المتخصص في مجال الطاقة لـ "الجبال"، إن "العقد هو شريعة المتعاقدين وبالتالي يجب على هيئة الاستثمار إلزام المستثمر للمجمع السكني بإنشاء محطة توليد طاقة كهربائية ام اعفاءه منه طبقا لبنود العقد وشروطه الموقع بين الحكومة والمستثمر، لكن المفروض أن يكون للمجمع محطة تحويل على أقل تقدير حتى لا يكون المجمع عبء على الشبكة المحلية للطاقة الكهربائية للمنطقة".
بغداد هي أكثر المدن تجاوزاً "على الأراضي الزراعية وانتشار العشوائيات السكنية"، والكلام لخليفة، الذي تابع قائلاً "العراق يحتاج إلى مجمعات سكنية عمودية شريطة أن تكون خارج المدينة القديمة بتصاميم حديثة وخدمات كبيرة، كما يفترض ان تكون مزودة بمحطات خاصة بالكهرباء على مدار الساعة من أجل التخفيف الاحمال على المنظومة الوطنية".
ويشير الخبير، إلى أن "المجمعات السكنية وخصوصاً العمودية تحتاج إلى ساعات تجهيز أكثر لعدة أسباب؛ منها تشغيل المصاعد والمرفقات الأخرى كونها مباني مكونة من عدة وحدات سكنية، بالاضافة إلى أن هذه الشقق لا تملك (حدائق خاصة)، وبالتالي فهي تعتمد على استمرار التيار الكهربائي كعنصر جاذب وبديل".
ويضيف خليفة، أن "بغداد هي المدينة الأكثر زخماً بالسكان، فهي بحدود 10 مليون نسمة تقريباً، مع وجود مقرات الحكومة الاتحادية مثل الوزارات ودوائر الدولة، وبالتالي تلاحظ تسجيل ارتفاع كبير في استهلاك الطاقة الكهربائية بحدود 40 – 45% من الإنتاج الكلي من الطاقة الكهربائية"، مشيراً إلى أن "بغداد تحتاج إلى أكثر من 10 الاف ميغاواط".
وبحسب بيان رسمي، صدر الأسبوع الماضي، فإن وزارة الكهرباء اتفقت، مع شركة "سيمنز" الألمانية على وضع خارطة فنية لتطوير قطاع النقل الكهربائي وإنشاء خمس محطات، مؤكدة أن "هذه المحطات ستوفر قدرة إجمالية تصل إلى 7500 ميغاوات، حيث ستكون كل محطة بقدرة 1500 ميغاوات".
مشاريع الربط مع دول الجوار
وفي آذار 2024 ، أعلن العراق عن الانتهاء من خط جديد للربط الكهربائي مع الأردن بهدف استيراد الطاقة، وفي تموز من هذا العام، تم افتتاح خط الربط الكهربائي مع تركيا لتغذية المنطقة الشمالية، وذلك في إطار سعي بغداد لتنويع مصادر الطاقة.
يسمح الخط الاخير البالغ طوله 115 كيلومتراً، "بنقل 300 ميغاواط من تركيا إلى العراق لتزويد محافظات نينوى، صلاح الدين، وكركوك".
كما يتوقع مراقبين أن يشهد هذا العام 2024 تدشين خط جديد يربط جنوب العراق بالكويت لاستيراد نحو 500 ميغاواط كمرحلة أولى.