بعد جهود أميركية قطرية مصرية توصّل طرفا الحرب في غزة، حماس وإسرائيل، إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين.
وقد بدأت بالفعل مراحل تطبيق الصفقة يوم الأحد الفائت بتسليم ثلاث رهائن من طرف حماس إلى الجانب الإسرائيلي الذي قام بالمقابل بإطلاق سراح 90 محتجزاً ومحتجزة فلسطينية.
الاتفاق جاء بعد أكثر من 400 يوم من الدمار والقصف الإسرائيلي على غزة رداً على هجوم حماس المفاجيء على الداخل الإسرائيلي في السابع من أكتوبر2023.
حرب إسرائيل على غزة في 2023، كانت الأكثر دموية وبشاعة في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث قُتل حوالي 50 ألف فلسطينى من قطاع غزة وأصيب نحو مائة ألف آخرون.
هذه الحرب وهذا الدمار تحوّل إلى كارثة إنسانية، كان لابد لها أن تنتهي لامحالة، لذلك وبعد سقوط نظام بشار الأسد وإضعاف جبهة المقاومة من خلال تفكيك ما يسمى بـ "الهلال الشيعي" أتت الفرصة السانحه لوقف هذا الدمار. وبالفعل حصل ما كانت تريده الدول الراعیة (الولايات المتحدة، قطر، ومصر) وما يتمنّاه كل انسان لديه إحساس ومشاعر إنسانية ويتمنّى السلام والأمن للجميع.
فرح الغزاويون أكثر من غيرهم بقرار وقف إطلاق النار، لأن معاناة الحرب كانت تقع على عاتقهم بكل قسوة، فنزلوا إلى الساحات والميادين معبرين عن فرحتهم بالقرار ووقف الحرب.
وفي الجانب الإسرائيلي أيضاً، كان هناك ارتياح ورضى من قبل الشارع الإسرائيلي بصفقة التبادل، خاصة من قبل عوائل المحتجزين مع وجود معارضة سياسية داخل حكومة نتنياهو تدعو إلى عدم قبول الصفقة والاستمرار في الحرب.
قَبِل نتنياهو الصفقة نوعاً ما مجبراً، تحت ضغوطات دولية وأميركية وبتحفظ، وهذا ما ينذر بالعودة إلى الحرب بعد إنهاء مراحل الصفقة وخاصة أنّ حماس لا تزال موجودة على أرض غزة المدمَّر.
نتنياهو لم يكن راضياً عن وقف القتال منذ البداية، لأن الهدف من العمليات كان إنهاء حماس ولم يخفِ مع قبوله الصفقة أنه يجب أن لا يكون لحماس سلطة على أرض غزة. وإن ظهور حماس مجدداً مع بدء تطبيق الصفقة بسلاحه وخطابه المقاوم ضد اسرائيل، أي خطاب ما قبل 7/أكتوبر، أزعج الإسرائيليين واعتبروه دليلاً على خطأ قبول الصفقة ووقف الحرب.
ويقول وزير المالية الإسرائيلي الذي يعارض الاتفاق بشدة: "لا أدري لماذا بدأنا الحرب؟ فها هي حماس موجودة كما كانت في السابق!".
إذأً، السؤال المطروح الآن هو ماذا بعد الانتهاء من صفقة وقف إطلاق النار؟، "السلام الدائم" كما يتمناه الرئيس الجديد دونالد ترمب ووالدول العربية والشارع الفلسطيني والاسرائيلي؟ أم الرجوع إلى المربع الأول وبدء جولة جديدة من القصف والدمار بحجّة إنهاء وجود حماس؟.
إن السلام الدائم بين غزة وإسرائيل يحتاج إلى إعادة نظر كبيرة وواسعة في خطاب كلا الجانبين، خاصة خطاب حركة حماس، إذا أرادت أن تتخلي إسرائيل عن طلب إخراجها من السلطة.
إن السلام في غزة وهو من الواضح حاجة ملحة لساكنيها حيث رأينا جميعاً فرحتهم بوقف القتال، يتطلب تغييراً على مستوى الخطاب والسياسة للحركة، فهل ستفعل حماس ذلك؟.
بالمقابل، على إسرائيل تغيير سياستها تجاه القطاع والفلسطينين عموماً، ولكن مع وجود سلاح وخطاب مقاوم هل من الممكن حصول ذلك؟.
إذا لم يتغيّر النهج والخطاب من كلا الطرفين فإن سريان وقف إطلاق النار لن يدوم طويلاً، ولن يتحول وقف إطلاق النار إلى سلام دائم إلا إذا دخلت دول أخرى إلى غزة أو تسلّمت السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية زمام الأمور في القطاع.
هذه الأسئلة والاحتمالات يجب تناولها والخوض في تفاصيلها اليوم قبل غد من الجانب الفلسطيني والعربي والحمساوي، لأن المؤشرات لا تدلّ على أن وقف إطلاق النار سوف تتحول إلى سلام دائم من دون تنازلات من الجانب الفلسطيني.