لفهم التجارب التاريخية التي مرت على العراق إبان تأسيس دولته الحديثة في عام 1921 وحتى نهاية مئويته الأولى 2021، يجب علينا أن نقوم بدراسة معمقة لكل الظروف الاستثنائية التي تكونت ونتجت بفعل عوامل داخلية وخارجية، أضرّت بعمليته السياسية منذ أول تجربة في عهد الملكية، وعهد الجمهورية العسكرية في عهد عبد الكريم قاسم، وعهد الديكتاتورية الحزبية في حكم البعث إلى عهد الديكتاتورية الصدامية، وعقودها السوداء التي مرت على العراق.
كل ذلك شكّل الخيال السياسي العراقي، وتمحور على هذه التجارب الثلاث، ولم يزل تحت تأثير الوصايا التاريخية التي فرضتها تلك المراحل! ولم يزل تحت جلباب الملك وقاسم وصدام حسين، فهم غادرونا بحكمهم الواقعي، ولم يغادرنا حكمهم الاعتباري، فما زالت تجاربهم تتحكم بنا وبقناعاتنا وآرائنا ونقاشاتنا وطموحاتنا بالخلاص.
وما زال البطل المتخيل يحكم فينا بتلك السادية التي نتمنها لأنفسنا! وما زالت التجارب تمر بنا من دون عبرة وفكرة ورأي وعضة! ما زلنا نطلق على هذا التاريخ المزيف باطناً بالزمن الجميل! ولم نعي حقيقته؛ لأن قاتلنا من هؤلاء الأبطال التاريخيين المنتخبين عند كثير منها صفوة التاريخ المعاصر! وما زال التاريخ الذي ينبغي أن نأخذ منه الحقيقة والعبرة لم يكتب بعد! لهذا سوف تبقى دروسنا غير مكتملة، وقراءتنا لمستقبلنا غير صحيحة، وهذا ما يفسر إخفاق قرن من الزمن في بناء العراق واستقراراه.
فالعراق بدأ مئويته الأولى بالاحتلال البريطاني، وأنهاها بثورة شعبية كبيرة (ثورة تشرين) للمطالبة بإنقاذ العراق، واستعادته تحت شعار (نريد وطن)، وللمطالبة بأبسط الخدمات التي بقيت مستعصية طيلة 100 عام من دولة تعد مدنية! هذا فضلاً عن وجود مع وجود الاحتلال الأمريكي منذ 2003.
انتهت 100 عام، وبدأت مئوية جديدة (العراق ما بعد المئوية)، هل ممكن تدارك أخطاء الماضي؟ هل العراقيون قادرون على صياغة مستقبل جديد؟ هل تمكنت الطبقة السياسية الممسكة بالسلطة من عقد حوارات ومؤتمرات تشخص أخطاء الماضي، وتعتبر منه لتصحيح المسار بهذه المناسبة؟
فنحن بأمس الحاجة إلى إعادة الثقة بالمواطنة الصالحة، وتعزيز الانتماء لهذا الوطن علينا من رفع صوت المطالبة بوضع حد لكل ما هدد العراق ومستقبلة طيلة 100 عام منصرمة، وحمايته من الانهيار في ظل التحديات الداخلية والخارجية، وثرثرة الإعلام المعادي بمستقبل مظلم للعراق يتوقعونه أو يريدونه له مع تنامي الخطاب الطائفي والمتطرف، والتحشيد المتصاعد للفتن الداخلية فيه، لذلك نجدد الدعوة إلى حوار (العراق ما بعد المئوية) لرسم مستقبل يليق بأبنائه واستثمار خيراته، وحمايته من الضياع.