رواد المتنبي منزعجون من تحوّل نشاط الشارع من الكتب إلى بيع "الساندويتشات والدولمة"

8 قراءة دقيقة
رواد المتنبي منزعجون من تحوّل نشاط الشارع من الكتب إلى بيع "الساندويتشات والدولمة" ليل شارع المتنبي

طبعات الإصدارات الجديدة تراجعت من 1000 إلى 25 نسخة

 

 عصفت التحولات التي شهدها شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية بغداد، بالكثير من المتغيرات في الشارع الثقافي الذي بات متنفساً للكثير من العوائل والشباب لاسيما في أوقات العطل الرسمية، حيث لم يسلم الشارع من التطورات التكنولوجية بتوفير الكتب إلكترونياً وضعف الإقبال على شراء الكتب الورقية حتى تصاعدت مخاوف المثقفين ورواد الشارع من تحول المتنبي إلى مكان تجاري خلال السنوات القليلة المقبلة بعدما شهد ممارسة مهن بعيدة كل البعد عن الثقافة.

 

وتشهد مناطق بغداد القديمة الذي يقع وسطها شارع المتنبي، أكبر حملة عمرانية لإعادة بريقها من جديد بعدما تحولت أغلبيتها إلى مخازن تجارية وبيوت متهالكة، حيث افتتح رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، في حزيران الماضي المرحلة الثانية من مشروع إعادة تأهيل مدينة بغداد القديمة، (محور السراي-القشلة- باتجاه ساحة الميدان) بعد إنجازها.

 

ومنذ افتتاحه نهاية عام 2021 تضاعف أعداد رواد شارع المتنبي بعدما كان الإقبال مختصراً على أوقات محددة من أيام الأسبوع، لاسيما يوم الجمعة الأكثر إقبالاً، إلا أنه أصبح جزءاً رئيسياً من حياة العراقيين.

 

بين الحاضر والماضي

 

يقول القاص والروائي حسن حافظ السعيدي، بأن "شارع المتنبي اختلف رواده خلال السنوات الأخيرة عن السابق. كان رواده بالماضي يمثلون النخبة من المثقفين والباحثين والأكاديميين، بينما الآن قسم كبير منهم من الشباب الذين لا تربطهم أية صلة بالثقافة وشؤونها والكتب وأسرارها وجمالياتها".

ويرى السعيدي، أن أسباب هذا الاختلاف قد يتعلق بأن الشارع أصبح ملتقى للشباب، الذين يتخذونه مقراً للقاءاتهم في يوم الجمعة، وكذلك في بعض الأماسي بعد أن باتت محاله تفتتح ليلاً، كذلك موضوعة القراءة وعملية اقتناء الكتب لدى الأجيال الجديدة لم تعد مثلما كانت لدى الأجيال السابقة التي كانت تحرص على زيارة شارع المتنبي من أجل اقتناء مختلف الكتب، وليس "لالتقاط الصور مثلما يحدث الآن". 

 

زحف المهن

 

وأضاف، أن "الشارع الذي يعد المتنفس الحقيقي لأغلب العراقيين، لأن رواده يأتونه من مختلف محافظات العراق وحتى من بعض الدول العربية، لأنه كان عامراً بالمكتبات الكبيرة وبدور النشر المعروفة، بدأ الآن وبشكل تدريجي يفقد رونقه، لأن هناك بعض المهن الأخرى قد زحفت عليه خلال الآونة الأخيرة مثل القرطاسية والمطاعم وبيع المشروبات الغازية والشاي، وخلال الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة تقديم وجبات (الدولمة العراقية) التي تصنع في البيوت من قبل بعض النساء".

 

ورأى، أن "كل هذه الأسباب مجتمعة، جعلت الشارع يتحول من منبر للثقافة ومحطة للقاء المثقفين والمبدعين والأكاديميين في مختلف الاختصاصات والمجالات، إلى مكان للسياحة واللقاء والمواعيد، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه، فإن الكثير من مكتباته خلال السنوات المقبلة ستتحول إلى مطاعم أو كافيهات وما شابه، وهذا الأمر يحتاج إلى ضوابط صارمة جداً يجب أن توضع من قبل الجهات المختصة تمنع ممارسة مهن أخرى غير المكتبات ودور النشر العمل في هذا الشارع، حتى لا يفقد العراقيون عموماً، وأهل العاصمة بغداد خصوصاً هذا الشارع الجميل".

 

 

 

الصورة والكتاب

 

المخرج والمؤلف المسرحي الدكتور علاء كريم أكد، أن "شارع المتنبي وبرغم ما تعرض له من تدمير جراء الانفجار الهائل الذي تعرض له في عام 2007، إلا أنه بقي صامداً ومكتباته عامرة بالكتب، ورواده في تزايد مستمر، لكن ما أن دخلت (السوشيال ميديا) وأصبحت الصورة هدفاً للجميع، توجه الكثير من الشباب ومن الجنسين إلى التواجد في شارع المتنبي، برغم أن الكثير منهم لا تربطهم علاقات مع الكتاب أو المثقفين من رواد الشارع، وبعض من هؤلاء الشباب قاموا بتشكيل روابط مختلفة منها غنائية وشعرية ورياضية، وهذه الروابط تسببت بدخول محبي تلك الفعاليات إلى الشارع، حتى أصبح اشبه بشارع للسياحة بعد أن كان مختصاً في الثقافة ونشر الكتب وبيعها".

وتابع، أن "هناك الكثير من رواد شارع المتنبي القدامى غادروا الحياة، وبعضهم لم يعد قادراً على المجيئ للشارع، بينما البعض الآخر، وجد أن الشارع لم يعد يتناسب مع الوضع السابق الذي كان يتميز به، مما جعل الفراغات التي تركها رواد الشارع الحقيقيون تشغل من قبل أشخاص لا يمتون له بصلة، وبما أن كل شخص يعشق فعالية أو هواية معينة يأتي بزملائه، لذلك بدأنا نشهد فعاليات نستطيع أن نصفها بالطارئة على الشارع، وإذا استمرت هذه الفعاليات، فأنها ستتسبب بمرضه ومن ثم وفاته، وعندها لا ينفع الندم، لأن هذا الشارع يعد أيقونة من أيقونات بغداد الجميلة والعراق أيضاً".

 

تراجع بيع الكتب

 

الناشر محمد الكتبي أدلى بدلوه قائلاً: "لا شك أن شارع المتنبي لم يعد مثلما كانت في السنوات السابقة، فقد كان رواده وهم من خيرة مثقفي العراق يحرصون على زيارته لاقتناء الكتب ومتابعة حركة الإصدارات، وكذلك لغرض نشر نتاجاتهم في مختلف المجالات، ونحن كناشرين ارتبط مع هؤلاء بعلاقات صداقة وعمل رائعة جداً، ونحن نعرفهم بالاسم والشكل وننتظر طلتهم بكل فرح وسرور".

 

وأردف، أن "الذي يحدث الآن مؤسف جداً، بل استطيع القول أنه غاية في الخطورة على مستقبل الشارع، لقد تضاعف أعداد رواد الشارع إلى أكثر من 8 أضعاف عن رواده في تسعينات القرن الماضي، أو العقد الأول من القرن الحالي، ولكن هذه الزيادة في أعداد الحاضرين للشارع لا تعني حصول زيادة في عملية شراء الكتب، لأن أغلب رواد الشارع في الوقت الحاضر هم يأتون للسياحة وليس لاستنشاق الثقافة، فهؤلاء وتحديداً الشباب يحرصون على التواجد في الشارع لأمور أخرى لا علاقها لها بشراء الكتب أو حضور الفعاليات الثقافية التي يشهدها الشارع باستمرار، الأمر الذي أدى إلى تراجع مخيف جداً في مبيعات الكتب، وهذا الوضع أنعكس سلباً على الكتّاب الذين يقومون بإصدار كتبهم، إذ قاموا بتقليص عدد إصداراتهم بشكل كبير جداً، إذ كان المؤلف في السابق يقوم بطبع ألف نسخة من الكتاب الواحد، بات الآن يطبع 100 نسخة، والبعض يكتف بطباعة 25 نسخة، وهذا السبب جعلنا نحن أصحاب دور النشر نتعرض إلى خسائر كبيرة جداً، فمن جانب هناك ارتفاع كبير في دفعنا بدل الإيجار للمكتبات ودور النشر، وكذلك يوجد ارتفاع في فواتير الماء والكهرباء، وكل هذه الأمور تؤدي إلى رفع أسعار الطباعة، وبالتالي ارتفاع أسعار الكتب، وهذا الارتفاع قد أدى إلى حصول عزوف كبير من قبل رواد الشارع على شراء الكتب".

 

وشدد الكتبي على، أن "ما تقدمه التقنيات الحديثة من كتب وإصدارات مختلفة، جعل الأجيال على وجه التحديد تفضل مطالعة الكتب الإلكترونية عبر الهواتف النقالة، وهذا عامل آخر في تردي مبيعات الكتاب، وعندما تقل المبيعات في سوق الكتاب، فأن العاملين في هذا الشارع المهم سيضطرون إلى تغيير مهنهم، لأنها لم تعد توفر لهم سبل العيش الكريم".

 

نقمة التكنولوجيا

 

الصحفي والكاتب زيدان الربيعي يشير إلى أن "شارع المتنبي تحول كثيراً من وضعه السابق، الذي كان يتميز فيه بكل ما يعني الثقافة والأدب والطباعة، وحضور الأدباء والمثقفين الكبار، وهنا لابد من التركيز على أن التغيير الذي شهده الشارع له علاقة كبيرة بما تعرض له المجتمع العراقي من تغييرات مختلفة خلال السنوات الأخيرة، فالتقنيات الحديثة ابعدت الأجيال الحالية عن الكتاب، وبالتالي حضور هذه الفئات إلى شارع المتنبي وبالأغلب ليست لشراء الكتب أو الاطلاع على الإصدارات الجديدة، بل فقط من أجل اللقاء والتقاط الصور التذكارية ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي، وهذا الوضع أدى إلى زيادة أعداد رواد الشارع مع تناقص مذهل في مقتني الكتب، مما أدى إلى امتعاض أصحاب المكتبات الذين باتت لديهم معاناة كبيرة جداً بسبب عدم وجود قراء يقتنون ما يوفرونه من كتب مهمة وقيمة وفي مختلف الاختصاصات".

 

وحذر الربيعي من احتمال تحول شارع المتنبي من شارع ثقافي في السنوات المقبلة إلى شارع تجاري تمارس فيه الكثير من المهن التي لا علاقة لها في الثقافة، وكما حصل مع سوق الصفافير، وكذلك شارع الرشيد وبقية الأماكن التي كان كلاً منها مختصاً بعمل معين. داعياً الجهات المختصة إلى عدم السماح باقتحام المهن الأخرى لهذا الشارع من أجل الحفاظ على هويته الجميلة والرائعة جداً، إذ يعد شارع المتنبي من الأشياء الجميلة جداً التي يتباهى فيها العراقيون أمام العرب والأجانب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جبار الحاج

نُشرت في الجمعة 9 أغسطس 2024 10:45 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.