ترامب يستعد لرسم ملامح جديدة في العراق.. هل ستتكرر سياسات المواجهة مع الفصائل العراقية؟

9 قراءة دقيقة
ترامب يستعد لرسم ملامح جديدة في العراق.. هل ستتكرر سياسات المواجهة مع الفصائل العراقية؟ صورة تعبيرية

تطمينات وتحذيرات

مع اقتراب موعد تسلّم دونالد ترامب مجدداً مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، تتجه الأنظار إلى خطط الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، وبالتحديد العراق، في ظل مخاوف من أن تكون خطوات ترامب تجاه العراق استمراراً لسياسات الضغوط القصوى التي انتهجها سابقاً دون صياغة استراتيجية جديدة تتماشى مع التغيرات الإقليمية والدولية، فتصريحات ترامب السابقة وسياسته الحازمة تجاه إيران وحلفائها تجعل "الفصائل المسلحة" العراقية في حالة ترقب، خاصة في ظل التوترات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالعراق، بحسب تحليلات مراقبين.

 

نشاط عسكري أميركي في العراق

وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، قد أجرى زيارات عديدة إلى دول المنطقة خلال الفترة القليلة الماضية منها "الأردن والسعودية" وآخرها قبل أيام قليلة إلى إيران، حيث ناقش مع قادة هذه الدول قضايا أمنية والعلاقات المشتركة وسبل تعزيز أمن واستقرار المنطقة.

 

الأكاديمي العراقي عصام الفيلي، يرى أن "الولايات المتحدة الأميركية تنظر بعين الجدية إلى أي تهديد قد يمس أمنها القومي أو مصالحها في المنطقة، خاصة في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي تسعى إلى استعادة ما تسميه (هيبة أمريكا)".

 

الفيلي قال في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "واشنطن تفرّق بين موقف الحكومة العراقية ومواقف بعض الفصائل المسلحة"، وأشار إلى أن "الموقف الرسمي العراقي يحظى بدعم دولي، خاصة مع الخطوات الحكومية الأخيرة الهادفة إلى تقليص نفوذ الفصائل المسلحة وإعادة هيكلة السلاح المنفلت الذي يُعد تهديداً للسلم الداخلي".

 

وأشار الفيلي إلى، أن "هناك مساعي جدية من بعض الفصائل المسلحة العراقية للاندماج ضمن المؤسسة الأمنية الرسمية، والخضوع لسلطة القائد العام للقوات المسلحة"، مبيناً أن "هذه الخطوة تأتي في ظل ضغوط دولية متزايدة وتوقعات بفرض عقوبات على شخصيات وكيانات ترتبط بأنشطة تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً لأمنها القومي".

 

وسلّط الفيلي الضوء على تدوينة المرشد الإيراني التي كتبها في أعقاب اللقاء مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال زيارة الأخير لطهران، حيث قال: إن "التغريدة تناولت قوى المقاومة في المنطقة، ولم تذكر الفصائل العراقية، وهو ما قد يُفسّر كتغيير استراتيجي في الموقف الإيراني"، مستطرداً بالقول "قد تكون هذه إشارة إلى أن إيران تعيد تقييم علاقتها مع الفصائل العراقية، وربما تتجه نحو التركيز على هيئة الحشد الشعبي كقوة عقائدية رسمية، مع تقليص الاعتماد على الفصائل المسلحة غير المنضوية ضمن الأطر الرسمية".

 

نص تغريدة خامنئي بعد لقاء السوداني:

"وجود القوات الأمريكية المحتلة في العراق غير قانوني ويتعارض مع مصالح شعب العراق وحكومته، والأدلة والشواهد تؤكّد أن الأمريكيين يسعون إلى تثبيت وتعزيز وجودهم في العراق، لذا يجب التصدي لهذا الاحتلال بجدية

وكما تفضّل السيد السوداني، فإنّ الحشد الشعبي يشكّل أحد عناصر القوة المهمة في العراق، ويجب السعي إلى الحفاظ عليه وتعزيزه بنحو أكبر".

 

وأشار الفيلي، إلى أن "الولايات المتحدة تراقب عن كثب التطورات في العراق، خاصة في ما يتعلق بمنصة تهريب الدولار التي وضعتها الإدارة الأمريكية في البنك المركزي العراقي كجزء من استراتيجيتها لمحاربة النفوذ الاقتصادي الإيراني"، مضيفاً أن "العقوبات الاقتصادية لا تزال أداة فعالة بيد واشنطن للتأثير على إيران وسوريا، وربما تُستخدم بشكل أكبر ضد الكيانات العراقية التي تنظر إليها الإدارة الأميركية كجزء من النفوذ الإيراني".

 

ويرى الأكاديمي العراقي، أن "هناك دلائل تشير إلى زيادة النشاط العسكري الأميركي في العراق، مثل تكثيف حركة الطائرات الأميركية في قاعدة عين الأسد، مما يُعد مؤشراً على سعي واشنطن لتعزيز نفوذها على حساب إيران".

 

ووفقاً للفيلي، فإن "إيران تسعى لإعادة ترتيب أوراقها الإقليمية في ظل الضغوط الأميركية"، مؤكداً أن "تصريحات خامنئي حول الحشد الشعبي وإشارته إلى أهمية الحفاظ عليه كقوة رسمية تأتي كجزء من رسالة لطهران بأنها جادة في فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة".

 

مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" الأميركية، وقبل أيام قليلة، أصدرت بياناً دعت فيه الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب إلى "انتهاج الحزم في التعامل مع إيران ودورها في العراق، بالإضافة إلى تعزيز الضغوط على الحكومة العراقية لقطع علاقاتها مع الميليشيات المدعومة من طهران وتفكيكها".

 

وفي العام 2018، وقّع العراق والولايات المتحدة اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تضمنت عدة محاور من بينها تنظيم وجود القوات الأميركية في البلاد، وبنود تتعلق بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.

 

كواليس مباحثات السوداني في طهران

وعبّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، خلال اتصال هاتفي، (8 تشرين الثاني 2024)، عن رغبته بالعمل الإيجابي مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، واللقاء في القريب العاجل.

 

ووفقاً لمصدر سياسي مقرّب من السوداني، فإن زيارة الأخير إلى طهران حملت أبعاداً استراتيجية تتعلق بالعلاقات الثنائية بين العراق وإيران، فضلاً عن قضايا إقليمية ودولية حساسة.

 

إقرأ/ ي أيضاً: سياسي ينتقد "توقيت" زيارة السوداني إلى إيران: التطمينات مشكوك بها

 

المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن أسمه، قال: إن "السوداني حمل رسائل خاصة من الولايات المتحدة إلى القيادة الإيرانية، تناولت قضية دعم إيران للفصائل المسلحة في المنطقة، واستهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا"، مبيناً أن "الرسائل تضمنت تحذيرات واضحة من الإدارة الأميركية بشأن استمرار إيران في تقديم الدعم لهذه الفصائل، لما يمثله ذلك من تهديد مباشر للمصالح الأمريكية في المنطقة، وللأمن الإقليمي ككل".

 

وفي حديث لمنصّة "الجبال"، أوضح المصدر، أن "الإدارة الأميركية الجديدة تسعى لإعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط، وعلى رأس هذه الأولويات تقليص النفوذ الإيراني في العراق"، مضيفاً أن "الرسائل الأميركية التي حملها السوداني لطهران تمثل جزءاً من الجهود الدبلوماسية لتفادي التصعيد العسكري، لكنها تضمنت أيضاً إشارات إلى أن الولايات المتحدة لن تتردد في اتخاذ إجراءات صارمة، بما في ذلك فرض عقوبات إضافية على الكيانات أو الأفراد المتورطين في زعزعة الاستقرار".

 

وفيما يتعلق بالحشد الشعبي، بيّن المصدر، إلى أن "المباحثات بين السوداني والقيادة الإيرانية ركّزت بشكل كبير على مستقبل هذه المؤسسة العسكرية"، مبيناً أن "النقاشات تناولت إمكانية دمج الفصائل المسلحة ضمن المؤسسة الأمنية العراقية الرسمية، مع ضمان التزامها الكامل بقرارات القائد العام للقوات المسلحة".

 

وتناولت وسائل إعلام عراقية، اخباراً تفيد بأن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، أبلغ رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، "عدم تحفّظ إيران على أي قرار يخص مستقبل الفصائل المسلحة في العراق".

 

وسبق للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن قال: إن "الوجود العسكري الأميركي في العراق والشرق الأوسط كان أسوأ خطأ في تاريخ الولايات المتحدة".

 

العراق أمام خطر كبير

وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي، الدريد ناصر، من محلّ إقامته في كندا، إن "الشرق الأوسط، والعراق تحديداً، ليسا ضمن أولويات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فور عودته إلى البيت الأبيض"، مبيناً أن "القضايا التي قد تحظى باهتمامه تتعلق بشكل أساسي بقضية الرهائن في غزة، والتي اعتبرها أولوية ملحة فرضها على نفسه، وبعدها قد ينتقل لمعالجة ملفات أخرى مثل الملف الإيراني والوضع في سوريا".

 

وبحسب حديث ناصر لمنصّة "الجبال"، فإن "الملفين الأكثر أهمية بالنسبة لترامب، بعد تسوية قضية الرهائن، سيكونان الملف الإيراني والوجود الأميركي في سوريا، مضيفاً أن "هذه الملفات تشمل مسائل مثل العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتفاهمات مع تركيا، وهي قضايا من المتوقع أن يكون لها تأثيرات كبيرة على التوازنات الإقليمية، خاصة في سوريا".

 

وفيما يتعلق بالعراق، توقّع الباحث السياسي، أن "تفرض الولايات المتحدة عقوبات شديدة على الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران؛ لكنه تساءل في نفس الوقت (هل ستقتصر العقوبات على الفصائل فقط؟ أم ستطال الحكومة العراقية أيضاً؟).

 

ويضيف الناصر، أن "هذه التساؤلات تعكس تعقيد المشهد، حيث أن العقوبات على الحكومة قد تترك العراق مكشوفاً أمام المجتمع الدولي، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت تمثل حتى الآن الحماية الدولية للعراق على المستويات الأمنية، العسكرية، والاقتصادية".

 

وتابع الناصر، أن "أي تغيير في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة سيكون له وقع كبير على الاقتصاد العراقي"، مشيراً إلى أن "النخب الحاكمة في العراق تعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي، خاصة فيما يتعلق بالملفات الاقتصادية والمالية، مما يجعل أي تصعيد أمريكي ذا تأثير واسع النطاق".

 

وعلى صعيد آخر، يشير الدريد، إلى أنه "يستبعد بشدة لجوء ترامب إلى عمل عسكري ضد إيران أو وكلائها في العراق، إلا إذا قامت طهران بتغيير تكتيكاتها بشكل يدفع واشنطن إلى اتخاذ قرارات جذرية، مؤكداً أن "إيران تدرك خطورة استفزاز إدارة ترامب، ومن المرجح أن تلجأ إلى ضبط النفس لتجنب تصعيد عسكري قد تكون عواقبه وخيمة".

 

العراق يواجه تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة - والكلام لناصر – مع احتمال "تصعيد أميركي يضع الفصائل المسلحة تحت ضغط كبير، مع تركيز دولي على ضمان التزام الحكومة العراقية بالقوانين الدولية وحصر السلاح بيد الدولة".

 

وخلال السنوات الماضية، تراجع عدد القوات الأميركية المنتشرة في العراق إلى نحو 5 آلاف جندي في إطار تحالف تقوده الولايات المتحدة لمساعدة القوات العراقية في التصدي لتنظيم "داعش"، وفقاً لبيانات متداولة.

 

لكن في العام الماضي، قرر مجلس النواب في العراق، إلزام الحكومة بتقديم طلب رسمي لسحب القوات الأميركية والأجنبية من البلاد.

 

 

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في السبت 11 يناير 2025 12:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.