على الرغم من اعتباره ضمن قائمة البلدان المتأخرة في عالم الرقمنة، إلا أن العراق يمتلك إمكانات وطاقات بشرية متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي بدورها بدأت تمثّل البلاد في المحافل الإقليمية والدولية في هذا الإطار سواء على صعيد المشاركة بابتكارات ومشاريع رقمية، والحضور في الندوات والمؤتمرات والبطولات الهادفة إلى تعزيز فكرة ومشروع الذكاء الاصطناعي عالمياً.
أحمد عبد العظيم العزاوي، أحد العقول العراقية التي برزت في دعم وتطوير مشروع الذكاء الاصطناعي، حيث تمكّن طوال 15 عاماً وذلك بعد تخرجه من جامعة بغداد، قسم علوم الحاسوب، من تأسيس حيز في حلبة التصارع الرقمي لنيل مراكز متقدمة في قِطاع الذكاء الاصطناعي وثورة تكنلوجيا المعلومات.
الحظ حالف العزاوي في أن يكون اسمه ضمن تسلسل الطلبة الأوائل في قسمه، ما ساعده ذلك في الابتعاث إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودراسة علوم التقنيات المحدثة واكتساب درجة الدكتوراه، وبعد انغماس دام ثمان سنوات بالعمل في هذا المجال، انضم أحمد إلى فريق مكوّن من مجموعة عقول بشرية متخصصة بالمجال الرقمي، استطاعوا سوية تأسيس بطولة للذكاء الاصطناعي، هدفها اكتشاف ثمرة الابداع الاولى في الطفل، وتنميتها.
وقال العزاوي وهو نائب رئيس البطولة الوطنية للروبوت والذكاء الاصطناعي في العراق، والذي يشغل الآن منصب المتحدث الرسمي للمجلس التأسيسي لنقابة المبرمجين العراقيين، إن "المعسكر التدريبي للبطولة يستهدف الطلبة منذ سن السادسة حتى العقد الثالث، ونظراً لتفاوت القدرة الاستيعابية لعقولهم، نحن نتبع معهم نظام Stem التعليمي، الذي يحمل على عاتقه مجالات أربعة وهي كل من العلوم، والتكنلوجيا، والهندسة والرياضيات، ويعمل هذا النظام العالمي على تزويد الطلبة بتعليم شامل يؤهلهم لمواجهة تحديات العالم الحديث ويجهزهم لمستقبلهم المهني".
للعزاوي مشاركات علمية مهمة على المستويين المحلي والعربي، وخلال وقت قصير تجاوز حدود المشاركة بصفة مبتكر، لينتقل سريعاً إلى صفوف لجنة التحكيم في بطولة للذكاء الاصطناعي بدولة قطر، ثم نحو تنظيم البطولات العربية والعالمية، الذي حصد فيها العراق مراكز أولى في ثلاث مشاركات عربية شهدتها دول مصر وقطر والأردن.
نينوى تتصدر بجهاز كشف مبكّر لسرطان الثدي
على الرغم من صغر سنه مقارنة بحجم العطاءات الفكرية التي قدمها، إلا أن براء فهمي القزاز قد برز واحداً من أفضل الفتية المتعلمين تحت إشراف العزاوي، وتقبع داخل جعبته الكثير من الأوسمة والألقاب التي حققها.
براء القزاز – 17 عاماً - يسكن مدينة الموصل، وقد اخترع أجهزة ذكيّة باستخدام خوارزميات ومدخلات دقيقة، شارك بهم في بطولات عالية المستوى، كان آخرها اولمبياد الذكاء الاصطناعي والروبوت في دولة تركيا بمدينة أزمير، خطف فيها الميدالية البرونزية معلناً أن العراق ليس غائباً عن المشهد، بل حاضر لينافس بقوة.
يلخص براء بدايته قائلاً: "تعرفت على مجال الذكاء الاصطناعي عندما كنت في التاسعة من عمري، بسبب استثماري الصحيح لمنصة عرض الفيديوهات (يوتيوب) إذ كنت أشاهد فيها المقاطع التعليمية المجانية التي تشرح لغة بايثون، وهي اللغة التي تبنى من خلالها أغلب المشاريع التقنية والرقمية، ووجدت أن شغفي بدأ يكبر في هذا المجال تحديداً، ما دفعني الى تطوير معلوماتي وحث نفسي على الاندماج في هذا المجتمع".
وبناء على ذلك يُكمل القزاز: "كانت مشاركتي الأولى في مسابقة ملتقى المبدعون الوطني للذكاء الاصطناعي والروبوت، وهي أول مسابقة لطلاب المدارس على مستوى العراق، نظمتها وزارة التربية بالتعاون بين كل من مديرية التعليم الإلكتروني في نينوى ومديرية التربية في بغداد والجمعية الهندسية للتطوير والبيئة، والتي شهدت تقديم أكثر من 93 مشروعاً علمياً ناتجاً عن أفكار الطلبة".
وأضاف: "دراستي المعمّقة لهذا المجال مكنتني من تطوير جهاز ذكي للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وشاركت به في المسابقة الأخيرة في تركيا، التي أود وصفها بأنها الأصعب على مستوى العالم، كونها مسابقة ضخمة شهدت مشاركة أكثر من 93 دولة وأكثر من ثلاثة آلاف مشارك، واستطعت حصد المركز الثالث".
وتوضيحاً لمشروعه بين القزّاز قائلاً: "بلغت نسبة الدقة في جهاز كشف سرطان الثدي الذي طورته، الى 99,5% وهو يعرض النسبة المئوية للإصابة فضلاً عن النسبة المئوية لاحتمالية تطور المرض في المستقبل، وهي ميزة غير موجودة بأي مشروع عالمي آخر لو قارناه بالدقة والسرعة".
وأكمل القزّاز: "يمكنني اعتبار مشروعي بأنه مميز، لأنني صممته بطريقة يكسر بها جميع الحواجز المجتمعية والبيئية والجغرافية، فهو قادر على العمل في المناطق المتضررة نتيجة الكوارث البيئية كالزلازل والفيضانات، لمساعدة السكّان فيها وبالأخص النساء، إلى استخدامه والاستفادة منه في حالة تضرر البنى التحتية للمستشفيات والمراكز الطبية، وما يميزه أيضاً هو عدم حاجته إلى الانترنت كي يعمل، وأنه متاح للجميع بصورة مجانية؛ لأن هدفي الأول هو الإنسانية وخدمة المجتمع".
وارتكزت البطولة على أربعة محاور رئيسية تشمل: الفكرة الابتكارية، وقابلية التنفيذ، والأداء وتأثير الحل المقترح على المجتمع، وهي مسابقة تمثل انجازاً وطنياً غير مسبوق يعكس عبقرية وإبداع الفرد العراقي وطاقاتهم الواعدة في ميادين العلوم والتكنلوجيا، كما تعد خطوة تاريخية كونها المشاركة الأولى للعراق في هذه المنافسة الدولية رفيعة المستوى.
ومن منطلق مواكبة نشاطات الطلبة الفكرية، احتضنت قاعة "كلكامش" في فندق بابل ببغداد، المسابقة الوطنية العراقية للذكاء الاصطناعي والروبوت، حضرها أحمد العزاوي ومجموعة من الطلبة المشاركين بنتاجاتهم العلمية، من ضمنهم ريماس علي، وهي فتاة من محافظة الأنبار، بدأ شغفها في المجال التقني والحساب الذهني منذ أن كان عمرها 11 عاماً، وهي الآن تبلغ 14 عاماً، صنعت على مدار ثلاث سنوات العديد من الأجهزة الذكية، كان آخرها هو جهاز يهدف الى تحسين ري النباتات، وتطمح أن تكون رائدة أعمال دولية.
توطين الذكاء الاصطناعي في العراق
ما تزال خطوات العراق في مجال الذكاء الاصطناعي والرقمنة في البدايات، وهذا ما يراه أغلب المتخصصين في هذا المجال، أذ أن أغلب الوزرات وحتى بعض المؤسسات الحساسة لا تجيد التعامل مع التطور الرقمي بسبب نقص الخبرات وحتى الأجهزة الالكترونية، لكن اللجنة العليا للذكاء الاصطناعي ترى غير ذلك.
عمار حسين محمد، مقرر اللجنة العليا للذكاء الاصطناعي، صرّح لـ"الجبال" بهذا الصدد قائلاً: إن "رؤيتنا للعراق في السنوات الثلاث المقبلة هو أن يكون في الصف الأول للابتكار والتقدم العلمي، من خلال خلق مناخ مناسب لتمكين العراق في جعله مركزاً لتطوير المهارات والابداع في مجال تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والتميّز بشكل خاص في مجال تقنية المعلومات والتحول الرقمي والأمن السيبراني".
وركّز محمد في حديثه على أن "الخطوة الأولى في تحفيز رؤية (الذكاء الاصطناعي للجميع) هي إدخال الذكاء الاصطناعي إلى الدراسات الأكاديمية في مناهج وزارة التربية وإدخال مفردات هذا العلم ومتطلباته العملية إلى الجامعات العراقية، وإلى جانب ذلك توجد مساعٍ حقيقية لتوفير مختبر في كل مدرسة بالعراق، ووقع الاختيار على مجموعة مدارس في مناطق متفرقة لتطبيق الفكرة فيها، وفي حال نجاحها والاستفادة منها فهنالك خطة لتعميمها في جميع مناطق المحافظات وذلك بعد تسوية قدرات الحدود المالية".
وتشهد البيئة التعليمية في العراق حراكاً لتأسيس كلية متخصصة بالذكاء الاصطناعي في جامعة بغداد، فضلاً عن وجود مسبق لجامعات أهلية أسست كليات مختصة بالذكاء الاصطناعي، ولوزارة التعليم العالي فكرة لإنشاء كلية تكون نواة للجامعة تضم النخب من أصحاب المعدلات من 90 فما فوق للاختصاصات الانسانية والعلمية مثل الذكاء الاصطناعي وعلم الاجتماع والقانون والسياسة ولا يقل معدلها عن 90 وتكون هناك منافسة من اجل ان تكون بيئة حاضنة للعلماء بهذه الاختصاصات.
وبالعودة الى محمد، الذي حرص على القول: إن الحكومة العراقية أسست نوادي خاصة بالذكاء الاصطناعي وبالتعاون مع المجلس الأعلى للشباب، وسيتم افتتاحها في كانون الثاني مطلع العام المقبل، يكون رواده من الطلبة الخريجين من أجل زجهم في معسكر تدريبي لمدة سنة، من أجل تأهيلهم ليكونوا قادرين على العمل بالسوق العالمية ولتعزيز مهاراتهم وتنمية ابتكاراتهم داخل المجتمع العراقي".
لافتاً إلى أن "الاستثمار الصحيح للعقول البشرية سينقل العراق إلى بلد مصدّر للعقول في مجال الذكاء الاصطناعي، وسيكون العراق في وقت قصير جداً سوقاً رقمياً حديثاً ينافس الآخرين، كون أن اقتصاد البلد سيتحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد معرفي، ومما لا شك فيه فإن هنالك أكثر من 40 عراقي يعملون في شركات خاصة عالمية في مجال التكنلوجيا بصفة موظف ومدير ايضاً، ونحن نسعى لاستثمار هذه العقول داخل العراق لا خارجه فقط".
وعن توسعة حيز التوطين الخاص بالذكاء الاجتماعي إلى خارج مدار المجتمع التعليمي، أوضح محمد، "نحن نعمل جاهداً وفق خطة شاملة، إلى ادخال جميع وزارات الدولة العراقية في الحداثة الرقمية، واعتمدنا مبدأ معرفة متطلبات كل وزارة نذهب اليها، لمعرفة متطلباتها".
واستطرق محمد في حديثه إلى مبدأ الشراكات الدولية، موضحاً، أن "اللجنة تسعى إلى الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة وتطبيقها في العراق، من أجل هدف واحد وهو إدخال الذكاء الاصطناعي إلى منزل كل عائلة عراقية، بالتعاون مع القطاع الخاص الذي سيتولى إدارة هذا الموضوع وسيصبح المورد الاساسي للربح الفكري للحكومة العراقية".
مستكملاً حديثه: "الحكومة العراقية أعدت تشريعات قانونية بالتعاون مع المعهد القانوني الدولي في ألمانيا، بإدارة رئيسة المعهد عبير حداد، التي تعمل مع مجموعتها على كتابة تشريعات قانونية لحكومة أبو ظبي والسعودية بمجال الذكاء الاصطناعي، ونحنُ في تواصل وثيق معها لمواكبة ما يحصل في دول الجوار، إلا ان المشكلة التي تواجهنا هي ان الذكاء الاصطناعي يتغير بالايام، ولا يُمكن حصره في إطار قانوني، لذا علينا حل هذهِ المسألة وايجاد صيغة مناسبة لتوطينه، وستتم مفاتحة الجهات القضائية لإتمام ذلك".
وكان العراق من السباقين في العقود الماضية في مجال الذكاء الاصطناعي، وكانت هنالك اقسام بحد ذاتها في الجامعة التكنلوجية وجامعة بغداد متخصصة في الذكاء والأتمتة، وكان قبل سنتين خارج التصنيف العالمي الخاص بالذكاء الاصطناعي والعالم الرقمي، أما الان فإن مرتبته هي 77 عالمياً والتاسعة عربياً.
ويسلّط محمد في حديثه الضوء على أبرز التحديات التي تقف بوجه نموّ هذا العلم، بقوله: "هنالك حاجة لبنى تحتية رقمية كاملة، وآمنة أيضاً، وذلك يتحقق بوجود الأمن السيبراني، وعلى هذا الأساس أنشأت الحكومة العراقية مركزين للتحول الرقمي في مكتب رئيس الوزراء، وهنالك ارتقاب لافتتاح مركز ثالث، مما يؤدي ذلك الى تطور كبير في ثلاثة مجالات ألا وهي: التحول الرقمي، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي".
الذكاء الاصطناعي في العراق.. تهديد أم فرصة ثمينة؟
"لا يمكننا التعامل مع الذكاء الاصطناعي كتهديد للإنسانية، بل يجب علينا أن نستثمره كفرصة لتحقيق طفرات في مختلف مجالات الحياة"، هكذا يرى حسن الزبيدي عضو الفريق الوطني للشباب الرقمي.
وقال الزبيدي في حديث لـ"الجبال": "انا أؤمن بأن الوظائف التي لا تؤدي خدمة حقيقية لابد لها أن تلغى، كما انني اؤمن بأن العراق واحد من أكثر الدول التي تعاني من الترهّل الوظيفي، وأن عشرات الآلاف من الوظائف الحكومية المبنية على أسس قديمة وبدائية، هي في الحقيقة لا داع لها في ظل التطور التكنلوجي الذي تشهده البلدان المتقدمة والتي غائبين نحن عنها، وبالتالي فإن تطبيق الذكاء الاصطناعي في العراق سيُلغي وظائف جمّة، إلا إنه في مقابل ذلك سيولد أعمال جديدة تتطلب مهارات مستحدثة، وهذا أمر طبيعي في عجلة الإنتاج على مدار عقود من الزمن، لذا على الجيل الجديد ان يتدرب جيداً لما هو مقبل".
وأجاب الزبيدي عن سؤال حول أبرز المخاوف المحتملة لتطور الذكاء الاصطناعي، قائلاً: "مسيرة التقدم في هذا المجال مستمرة، ولن يوقفها شيء، حالها كحالٍ جميع أشكال حياتنا اليومية التي تطورت حتى وصلت الى صورتها الحالية وأصبحنا نراها عادية وتأقلمنا معها، ولكن الخوف سيكون حقيقي لو تحول الذكاء الاصطناعي من توليدي والذي هو عليه الآن، الى ذي قدرات على بناء الخلايا العصبية الاصطناعية، وسيكون بمقدوره صنع خلايا فكرية اعتماداً على نفسه وبطريقة كفؤة جداً، وفي هذه الحالة ستتوافر عنده قدرات مذهلة على المعالجة وصناعة وعي رقمي، وهذه هي المرحلة الوحيدة التي يحق لنا ان نخاف منها".
واستطرد بالقول: "لو تحدثنا عن وقتنا الحالي، فأنا أرى أن الخوف يجب أن يكون من الشخصية التي تقبع وراء استخدام وتوجيه الذكاء الاصطناعي، وليس منه بحد ذاته".
وجه الاقتصاد العراقي الجديد
ويوجه حسن الزبيدي، أصابع الاتهام إلى المشاكل البنيوية بجذر النظام التعليمي وأسلوب التعليم، قائلاً: "العراق يخرّج مئات الطلبة سنوياً من الجامعات التكنلوجية إلا أن أغلبهم في الواقع يفتقرون للخبرات والمهارة الحقيقية المطلوبة للتعامل مع الثورة الرقمية العالمية".
وأما على المستوى المؤسساتي للدولة، يضيف الزبيدي: "أطلقت الدولة العراقية عروضاً للابتكارات الرقمية والاستثمارات، وهنالك إرادة للتحول الرقمي، إلا أن العمل يبقى ناقصاً لو لم يتم التعاون مع القطاع الخاص، الذي هو نفسه يعاني من مشكلات في التمويل، ومسألة القروض التي تصطدم بالكفيل، وغيرها من التفصيلات التي تعيق عملية التحول الرقمي الكامل".
فيما أشار إلى أنه: "لا حدود لقدرات البشر، وعقول الأكفّاء من النخبة العراقيين الذين سيشكلون وجه الاقتصاد الجديد للدولة"، مقترحاً: "إلغاء فقرة التعيين المركزي، كي نصرف انتباه الطلبة نحو ما هو أهم من التعيين ألا وهو الإيمان بالسوق الحرة والقطاع الخاص، ولو تم توفير بيئة مناسبة للذكاء الاصطناعي، فستتحقق نقلة نوعية في تفكير الشاب العراقي، وستُتاح له فرصة التفكير الإبداعي، لينتج سلعاً وخدمات ضمن إطار فكري ومعرفي يرتقي بواقع الدولة والأفراد".
روبوتات موجهّة تهدد وظائف بالزوال
"الجبال" حرصت على استطلاع الآراء حول "الجانب المظلم" من الذكاء الاصطناعي في جميع زواياه، من اشخاص يعملون في صلب المهنة، ومن هذا المنطلق علق حسان فالح، وهو مختص في تكنلوجيا المعلومات ومدرب دولي، قائلاً: "لو أردنا ان نذكر مخاوفنا الحقيقية بشأن الانقلاب التكنلوجي الذي يمر به العالم، وجب علينا أن لا نتجاهل التحديات الكثيرة التي تقف أمامنا، وأولها هي فقدان الوظائف التقليدية، وبرأيي فإن كل الوظائف الروتينية مهددة بالزوال، كون ان المهمة الرئيسية للذكاء الاصطناعي هي القضاء على الروتين واختصار جميع الحلقات الزائدة الموجودة في مؤسساتنا الحكومية والقطاع الخاص، اما التحدي بالثاني فهو فجوة المهارات، الذي سيحصل بسبب زيادة الإقبال على مهارات التقنية المتقدمة والتي يصعب على الشخص العادي تعلمها بسرعة، وسيحتاج الى وقت طويل جداً لاكتسابها، وفي حال قلّة وجود المختصين، فقد يلجأ أصحاب الشركات الكبرى إلى صنع روبوتات تعمل وفق الأوامر، وهي لا تقارن بالجهد البشري الذي قد ينفذ في أي لحظة، وهذا بالضبط ما يحتاجه صاحب العمل".
واستكمل فالح حديثه قائلاً: "تضخم البطالة واحدة من التحديات التي لا يجب غض النظر عنها، والتي ستظهر بسبب العزوف عن التعيين، وتحوّل الشركات من بيئة حاضنة الى بيئة طاردة لأنها ستكتفي بأعداد موظفين قلة ليؤدوا اعمالها، ومن جانب آخر لا يفوتني ذكر مسألة التفاوت الاقتصادي الذي سينعكس سلباً على مجتمعنا العراقي، باعتبار أن الثروات ستتركز لدى الشركات المبتكرة الكبرى المختصة بالتكنلوجيا، والتي تعتمد في عملها بشكل أساسي على مخرجات الذكاء الاصطناعي، مثل شركة (ميتا) التي تتحكم بثروات العالم".
ولم يغفل فالح عن ذكر تحديات التكيف الخاصة برأس المال البشري، موضحاً: أن "هذا الأمر سيحتاج إلى تدريب مكثّف وتطوير مستمر، وأن يكون ذلك ضمن خطة استراتيجية مستدامة لمواكبة سوق العمل والوظائف، فضلاً عن فقدان الامان الوظيفي، وتراجع الابداع البشري بسبب الاعتماد المفرط على الحلول الذكية والجاهزة".
واختتم فلاح كلامه بالقول: إن "الذكاء الاصطناعي سيولد وظائف كثيرة، ولكن لن يعمل بها إلا من كان عنده استعداد مسبق لهذهِ المرحلة، فأما ان نركب قطار الذكاء الاصطناعي، وأما ان يسحقنا، لا خيار آخر ينتظرنا".
من جانب آخر، يقول تحسين العزاوي، وهو فني في إحدى القنوات التلفزيونية : إن "تجربتي بالعمل وفق أدوات الذكاء الاصطناعي سيئة جداً، رغم انني دفعت مبلغاً من المال لشراء تطبيقات مدفوعة، ولكني وجدت أن العمل بتطبيقات البرمجة الروتينية لبرامج الفوتوشوب هي الأنسب بالنسبةٍ لي، وأنا لا اقول إن الذكاء الاصطناعي صعب، لكن العمل به غير سلسل مقارنة بالعمل بطريقة يدوية تخضع لمتابعتي شخصياً".
وشدد العزاوي على أن الذكاء الاصطناعي جاء ليخدم فئة معينة ومجالات واضحة، إلا أنه أخذ أكبر من مداه وتجاوز الحدود الأخلاقية، على سبيل المثال، الخداع والابتزاز، وعلى هذا الأساس فهو يعتبر وجهان لعملة واحدة، وعلينا أن نتوخى الحذر منه بنفس الطريقة التي نمجده بها".