تستمر عمليات استهداف المنشآت الحيوية والاقتصادية بالطائرات المسيّرة، حيث بدأت بمنظومة الرادرات، ومن ثم مصفى بيجي، واتجهت نحو المطارات، للتحوّل بعد ذلك نحو الحقول النفطية في إقليم كوردستان، في تصاعد ينذر بعقوبات قد تطال قادة الفصائل بل والحكومة العراقية وفق تحليلات للمشهد لمراقبين، بينما يقف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني - من وجهة نظر آخرين - عاجزاً عن المواجهة.
ومنذ إعلان انتهاء الجولة الأخيرة من التصعيد الإقليمي بين إيران و"إسرائيل" في أواخر حزيران/ يونيو الماضي، يشهد العراق وتحديداً إقليم كوردستان، تصاعداً في وتيرة الهجمات بالطائرات المسيرة.
وبدأت الهجمات، عندما أعلن قائد عمليات بغداد، في 24 حزيران/ يونيو الماضي، أن طائرة مسيّرة مجهولة الهوية، نفذت هجوما استهدف أحد المواقع داخل معسكر التاجي، شمالي العاصمة بغداد، دون أن تُعرف الجهة المنفذة حتى الآن، كما تعرض مطار أربيل الدولي لمحاولة استهداف متكررة بطائرات مسيرة مفخخة.
ويؤكد عدد من المتخصصين في الشأن الأمني، أن الهجمات الأخيرة على المنشآت الحيوية، ستزيد من حجم الضغوط الدولية، وتحديداً الأميركية منها، على الحكومة العراقية، بهدف حلّ الحشد الشعبي، ونزع سلاح الفصائل المسلّحة.
وحمّلت حكومة إقليم كوردستان، وعبر بيان رسمي من وزارة داخليتها، الحشد الشعبي، "مسؤولية القصف الذي تتعرض له مدن الإقليم".
وفي أعقاب ذلك، علق اللواء صباح النعمان، المتحدث العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة، قائلاً، إنه "سيتم تشكيل لجان تحقيق أمنية متخصصة للكشف عن أسباب هذه الخروقات والجهات التي تقف وراءها لضمان عدم تكرارها في المستقبل".
صورة سلبية عن وضع العراق
إلى ذلك، يؤكد الباحث في الشأن السياسي المقيم في الولايات المتحدة، نزار حيدر، أنه "عندما تعجز الدولة بكل مؤسساتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية في الكشف عن الجهة أو الجهات التي ما زالت تعبث بأمن البلد منذ ثلاثة أسابيع، سواء كان بالقصف عبر الصواريخ أو بالطائرات المسيرة في مناطق عدة من العراق".
وبحسب حيدر، "فهذا يعني واحد من أمرين لا ثالث لهما:
- الأول: أما أنها متورطة بهذه الجرائم الإرهابية، لذلك هي تتستر على مصادر هذه العمليات، والجهات التي تنفذ هذه العمليات.
- الثاني: أنها تعرف جيداً هوية الذين ينفذون هذه العمليات الإرهابية، لكنها تخشى من الإعلان عن ذلك لأسباب عدة، خاصة إذا كانت هوية المنفذين مرتبطة بالدولة العميقة في البلد، وهي التي تتحكم بالدولة ومؤسساتها".
وأضاف، أن "هناك احتمالاً ثالثاً، وهو بعيد جداً وغير منطقي، وهو أن الحكومة ما زالت تحقق في الأمر، وهذا طبعاً شيء مضحك، وهذا الاحتمال هو احتمال ضعيف جداً".
وأردف بالقول إنه "إذا استمرت الحكومة في التعامل مع هذه المخاطر والتحديات بهذه الطريقة الفاشلة، فأعتقد أولاً أنها ستقدم صورة سلبية جداً عن الدولة في العراق. صورة تؤكد أن الدولة عاجزة وفاشلة، وهذا أمر بالتأكيد سيؤثر ليس فقط على الأمن المجتمعي، وإنما سيؤثر حتى على موضوع الاستثمار والبناء والإعمار".
وأضاف، أن "هذا الأمر سيعطي المبرر للولايات المتحدة الأميركية على وجه التحديد، بالتدخل لوضع حدّ لهذه الأعمال الإجرامية والإرهابية، خاصة إذا استمرت هذه العمليات باستهداف شركات أميركية في البلاد، وعلى وجه التحديد إذا ما قُتل أو أُصيب مواطن أميركي أو متعاقد في عمليات القصف".
"ونحن نعرف جيداً أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي تنص على أن الولايات المتحدة الأميركية، هي المسؤولة عن حماية النظام السياسي في العراق، وعن حماية الديمقراطية في العراق، فهذا يعني أن عجز الحكومة في حماية الأمن الوطني العراقي والأمن القومي للبلاد، وهذا سيعطي مبرر وذريعة للولايات المتحدة الأميركية لتفعيل هذه المادة"، يقول حيدر.
ودفعت سلسلة الهجمات المستمرة على مواقع نفطية في كوردستان، الولايات المتحدة، إلى مطالبة بغداد بالسيطرة على تلك العمليات، بحسب بيان صادر عن السفارة الأميركية في العراق.
وقال البيان، إن تلك الهجمات "غير مقبولة"، وطالب الحكومة العراقية بممارسة سلطتها لمنع الجهات المسلحة من شن هجمات على مواقع داخل أراضيها، بما في ذلك المواقع التي استثمرت فيها شركات عراقية ودولية لدعم مستقبل العراق.
وقبل أيام، قالت شركة "إتش كيه إن إنرجي" الأميركية العاملة في دهوك، إنها "أجلت جميع الموظفين" بسبب الهجمات الأخيرة، بالتزامن مع توقيع الشركة نفسها عقداً لتطوير حقل حمرين.
المواجهة مع الفصائل غير مسنودة بدعم أميركي
من جانب آخر، يرى رئيس المركزي العربي للدراسات أحمد الياسري، أن الحكومة غير عاجزة عن الكشف عن الجهات التي تقوم بهذه العمليات وتقصف بالمُسيّرات، ولكن تحتاج إلى قرار سياسي ساند للقيام بأي خطوة، ومنها المواجهة العسكرية مع الفصائل.
وأوضح في حديثه لـ"الجبال"، أنه "ليست فقط حكومة السوداني، بل حتى حكومة الكاظمي وحكومة عادل عبد المهدي، كانوا يحسّبون بدقة لقضية المواجهة مع الفصائل المسلحة، لأن له تبعات على الأرض، أبرزها القوى السياسية التي تنتمي لها هذه الجهات العسكرية، فهي قوى حكومية ومساهمة بتشكيل حكومة السوداني".
وأشار إلى، أن "السوداني يعرف هذه الفصائل، والشعب العراقي يعرفها، والنقطة الأخرى أن هذه القوى متداخلة مع القوى الأمنية العراقية، وهي تمسك الأرض في مواقع ومناطق وجغرافية صراع مع داعش، والخواصر الأمنية الرخوة في العراق، فهذا الأمر قد ينعكس أيضاً بشكل سلبي ويؤدي إلى فتح جبهات متعددة في لحظة استراتيجية خطرة جداً تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط".
وتابع، أن "إعلان المواجهة مع الفصائل هو حتى هذه اللحظة غير مسنود بخطة أميركية، خاصة وأن حكومة السوداني هي ليست حكومة ذات تفاهمات أمنية استراتيجية مع الجانب الأميركي، وقد تستغل هذه الخطوة لاستهداف تقوم به إسرائيل لمواقع حكومية ولمواقع أحزاب، وقد تؤدي إلى إسقاط النظام".
ولفت الياسري، إلى أن "قرار الفصائل نفسه، هو ليس قراراً عراقياً، بل هو قرار مرتبط بالحرس الثوري الإيراني، والهدف من استئناف نشاطها، هو لإرسال رسائل للجانب الأميركي أنها على جاهزية عالية لأي مواجهة".
ومنذ الهجوم الأول الذي نُفذ يوم 24 يونيو/ حزيران الماضي، واستهدف معسكر التاجي، شمالي بغداد، وأسفر عن تدمير رادار عسكري للجيش العراقي، أعلنت السلطات في بغداد أنها باشرت تحقيقات بالاستهدافات، لكن أي نتائج أو تعليقات لم تصدر عنها منذ ذلك الحين.
وتكررت تعهدات فتح التحقيق بالهجمات التالية التي طالت قاعدة الإمام علي العسكرية في محافظة ذي قار، جنوبي البلاد، ثم قاعدة بلد ومصفاة بيجي في محافظة صلاح الدين، ومطار كركوك الدولي، أعقبتها سلسلة هجمات متواصلة وشبه يومية على مطار أربيل وحقول نفط وغاز ومواقع عسكرية للبيشمركة في إقليم كوردستان.
"المسيّرات إيرانية".. و"العقوبات" قادمة
ويقول النائب السابق في البرلمان العراقي مثال الألوسي، إن "المسيرات التي تستهدف المنشآت الحيوية، ومنها الحقول النفطية، هي إيرانية الصنع".
ولفت خلال حديثه لـ"الجبال" إلى أن "إيران هي من تحرك الميليشيات، وهي من توجهها، لاستهداف المنشآت الحيوية، وقصف إقليم كوردستان، والحكومة العراقية عاجزة، ولا تستطيع التصدي لهذه الميليشيات".
وأكد، أنه "في ظل العجز الحكومي، واللجان التحقيقية المضحكة، فإنه ستصدر عقوبات رادعة اقتصادية على قادة الميليشيات، وعلى الحكومة العراقية، مع عدم تصديها للهجمات الأخيرة بالمسيرات".
"رسائل سياسية في استهداف كوردستان"
أما الباحث في الشأن السياسي كاظم ياور، فأشار إلى أن "تزايد الهجمات الإرهابية على مصالح حكومة إقليم كوردستان العراق يبعث برسائل سياسية".
وقال في حديث لمنصّة "الجبال"، إنه "بالنسبة لمسؤولية الحفاظ على هذه المصالح الدستورية، فهي بدرجة أساسية تقع على عاتق الحكومة الاتحادية، فهي المسؤولة عن حماية أمن وسلامة المواطنين ومصالحهم الدستورية في جميع أرجاء العراق، من ضمنها إقليم كوردستان ، ولا بد أن يكون هناك تنسيق مشترك ما بين القوات الأمنية في الإقليم، وكذلك القوات التابعة للحكومة الاتحادية".
وبين، أنه "منذ أكثر من عامين، رأينا وفي مناسبات عديدة كيف أن الحكومة العراقية قدمت وعوداً كثيرة للجانب الأميركي عندما كانت هناك استهدافات للسفارات والقواعد العسكرية الأميركية في العراق، وأعلنت فصائل محددة أنها من تقوم باستهداف هذه السفارات وهذه القواعد، والحكومة قدمت تطمينات ووعوداً للجانب الأميركي، بشأن كشف الجناة وتقديمهم إلى العدالة، ولكن لم يحصل شيء على أرض الواقع".
وختم ياور حديثه بالقول إن "عجز الحكومة سيؤثر سلباً، وستكون هناك هجمات أكثر فأكثر في المستقبل أو في الأيام القادمة، وذلك بسبب أن هذه الفصائل تشعر بأمان وتشعر بأنها فوق القانون أو فوق الإجراءات الحكومية".