مع إضعاف جبهة غزة، ووقف إطلاق النار في لبنان وتقييم ضعف وإسكات جبهة حزب الله جنوب لبنان، وصولًا إلى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ذهبت الأجواء عموماً إلى القول بـ"ضعف محور المقاومة" بالكامل وانكفائه في المنطقة، لكن، بالتزامن مع ذلك، بدأت الهجمات تتصاعد كماً ونوعاً من الحوثيين في اليمن ضد إسرائيل، فيما تلعب "المقاومة الإسلامية في العراق" في المنطقة الرمادية.
حرب لبنان تنشّط جبهة العراق 10 أضعاف
منذ 24 تشرين الثاني/نوفمبر، أي قبل دخول وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ بـ3 أيام، توقفت عمليات المقاومة الإسلامية في العراق بشكل تام باتجاه إسرائيل، بعد تصاعدها بشكل كبير في الأيام والأسابيع القليلة الأخيرة، فبينما كان معدل العمليات من العراق باتجاه إسرائيل يتراوح بين 1 إلى 5 عمليات أسبوعياً كحد أقصى، قفزت العمليات 10 أضعاف منذ أواخر أيلول/سبتمبر وحتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، أي خلال فترة اندلاع العمليات العسكرية والحرب المباشرة جنوب لبنان.
مع نهاية شهر أيلول أي عند بدء التوغل البري الإسرائيلي في لبنان، قفز معدل الهجمات الأسبوعية من 5 و 7 هجمات في الأسبوع كحد أقصى، وصولاً إلى تسجيل أقصى حد بلغ 41 عملية خلال الأسبوع المحصور بين 29 تشرين الأول و4 تشرين الثاني، وإذا تم اتخاذ معدل أسبوعي، في شهر تموز وآب وحتى نهاية أيلول، أي قبل بدء التوغل الإسرائيلي جنوب لبنان، كان معدل عمليات المقاومة الإسلامية في العراق ضد إسرائيل، يبلغ عمليتين أسبوعياً، لكن مع بدء التوغل ولحين التوصل لوقف إطلاق النار في لبنان بلغ معدل العمليات الأسبوعي حوالي 22 عملية، أي أن العمليات من العراق ارتفعت 10 أضعاف.
عمليات الفصائل العراقية ضد أهداف إسرائيلية
سكوت الجبهة العراقية.. تزامن التهديد مع وقف جبهة لبنان
وبعد توقف العمليات العسكرية من المقاومة الإسلامية في العراق، تم ربط سكوت الجبهة العراقية تماماً بمسألة وقف إطلاق النار في لبنان، لكن عند العودة إلى مواقف الفصائل العراقية في ذلك الحين، فإنها أجمعت على أن العمليات العراقية لا علاقة لها بوقف إطلاق النار في لبنان وأنها ستستمر.
حيث قالت كتائب حزب الله تعليقاً على وقف إطلاق النار، إن "استراحة طرف من محور المقاومة لن يؤثر على وحدة الساحات، بل ستنضم أطراف جديدة تعزز ساحة الصراع المقدس لمواجهة أعداء الله ورسوله والمؤمنين"، مشددة على أنه "نؤكد موقفنا الثابت من القضية الفلسطينية، وإننا في كتائب حزب الله لن نترك أهلنا في غزة مهما بلغت التضحيات، غير مكترثين بتهديدات الأعداء وطرق غدرهم وأساليب إجرامهم".
وبالرغم من ذلك، لا تزال الهجمات من المقاومة الإسلامية في العراق متوقفة، فيما تؤكد المعلومات السياسية، أن الهجمات توقفت مع بدء وصول رسائل خطيرة وجدّية عن إمكانية ضرب العراق وهذا ما فاتح به رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، قادة الإطار التنسيقي حينها أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر.
مسار جديد مع الحوثيين
صمتت البيانات وعمليات تبني المقاومة الإسلامية في العراق لهجمات جديدة ضد إسرائيل منذ 23 تشرين الثاني/نوفمبر، ومن غير المعلوم ما إذا كانت الهجمات العراقية صمتت بالفعل هي الأخرى أم لا، فالوعيد الإسرائيلي بضرب العراق ما يزال قائماً بالرغم من السكوت عنه وعدم تطرق الجانب الإسرائيلي إلى العداء مع "جبهة العراق" منذ مدة.
وبعد حوالي أسبوع واحد فقط من توقف إعلان المقاومة الإسلامية في العراق عن تبني أية هجمات ضد إسرائيل، ظهرت عملياتها في بيانات الحوثيين، وابتداء من 3 كانون الأول/ديسمبر، ولغاية إعداد هذا التقرير في 21 كانون الثاني/ديسمبر.
لم تعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن عمليات مشتركة بين المقاومة الإسلامية في العراق وبين الحوثيين، ويمكن وصف هذه العمليات بأنها طبقت وحدة الساحات بشكل أدق، لم يسبق لدول وفصائل المحور والمقاومة ان أعلنت عن "عمليات مشتركة"، وعلى سبيل المثال لم يحصل هذا الأمر بين حماس وحزب الله بالرغم من قرب المسافة وتواجد مقاتلي حماس ببعض أماكن شمال الأراضي المحتلة أي بالقرب من جنوب لبنان.
كانت العمليات المشتركة بين الحوثيين والمقاومة العراقية، قد تم الإعلان عن تدشينها في مطلع شهر حزيران/يونيو 2024، واستمرت حتى 15 تموز/يوليو، حيث توقفت بذلك التاريخ، بعد استمرارها قرابة 40 يوماً.
وخلال هذه الفترة، تم تسجيل 12 عملية مشتركة بين الجبهتين، من بينها 7 عمليات طالت سفن تجارية ونفطية، وبالحديث عن المعدل، فهذا يعني أن معدل العمليات المشتركة، والذي بلغ 12 عملية خلال 40 يومياً، يعني أنه يبلغ عملية واحدة كل 3.3 يوم.
وبعد أن توقفت العمليات 4 اشهر ونصف الشهر، استأنفت المقاومة الإسلامية في العراق عملياتها المشتركة مع الحوثيين في 3 كانون الأول/ديسمبر، ونفذت حتى 20 كانون الأول/ ديسمبر، أي خلال 17 يوماً، نفذت 6 عمليات، ما يعني أن المعدل يبلغ عملية واحدة كل 2.8 يوم، وهو أقوى من معدل المرحلة الأولى السابقة للعمليات المشتركة، لكنه بذات الوقت، يعني أن معدل العمليات العراقية ضد إسرائيل بلغت عمليتين أسبوعياً أيضاً، وهو ذات معدل العمليات التي كانت تنطلق من العراق بمستويات ما قبل "حرب لبنان".
الاختباء في الحوثيين.. هل استبدلت الفصائل العراقية أرض سوريا باليمن؟
وبينما تتصاعد عمليات الحوثيين ضد إسرائيل، ومعها المقاومة الإسلامية في العراق، يظهر أن هذه الجبهة ستتحمل لوحدها موازنة كفة المحور، بعد ضعفه في غزة ولبنان وسوريا، وبينما تصعّد إسرائيل ردودها ضد اليمن بقصف منشآت كهربائية ونفطية، تتجه الأنظار نحو العراق، وكيفية تعامل إسرائيل مع الثنائية الجديدة المتمثلة بـ"صمت تبني المقاومة الإسلامية في العراق"، ووجودها في بيانات الحوثيين.
كما تطرح عدة تساؤلات أخرى حول العمليات المشتركة، من بينها ما إذا كانت هذه العمليات تنطلق من الأراضي اليمنية أم العراقية؟ خصوصاً وأن "فصائل المقاومة العراقية" كانت تستخدم الأراضي السورية منطلقاً للعديد من عملياتها ضد أهداف إسرائيلية، وبعد سقوط نظام الأسد في سوريا وسيطرة الجماعات المسلحة المعارضة، وخروج سوريا من محور المقاومة تماماً، أصبحت الأرض "تضيق" على المقاومة العراقية التي يبدو أنها تواجه صعوبة أيضاً باستخدام الأراضي العراقية لقصف "إسرائيل"، مع اتخاذ الحكومة العراقية خطوات تقول إنها جدية وأخذ تعهدات والتزامات بعدم تعريض العراق إلى التهديد الإسرائيلي، وتنفيذ الوعيد الذي لا يزال قائماً، لذلك من المحتمل أن "المقاومة العراقية" استبدلت الأراضي السورية بالأراضي اليمنية لتنفيذ الهجمات من هناك.