عاد قانون نوبك (NOPEC) إلى الواجهة العالمية مرة أخرى، ليشكل تهديداً مباشراً لدول منظمة "أوبك" وعلى رأسها العراق، الذي يعتمد اقتصاده بشكل شبه كلي على صادرات النفط.
وبحسب التصريحات التي رافقت حملة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فإنه عازم على إحياء هذا القانون الذي يفتح الباب أمام مقاضاة دول أوبك بتهمة التلاعب بأسعار النفط.
وفي حال تفعيل هذا القانون، وفقاً للمراقبين الاقتصاديين، قد يجد العراق نفسه في قلب عاصفة اقتصادية خانقة، مع تصاعد المخاوف من انهيار محتمل في أسعار النفط، ما ينذر بتبعات كارثية على الاقتصاد المتعثر أصلاً، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة أبرزها: هل ينجح ترامب في تحريك هذا السلاح الاقتصادي الخطير، أم أن أوبك ستواجه العاصفة بحلول بديلة؟
وتضم منظمة "أوبك" 13 دولة من بينها العراق، وتعتبر هذه البلدان الأكثر تصديراً للنفط العالمي، حيث تسيطر المنظمة على ما يصل إلى 40% من إنتاج النفط العالمي و80% من احتياطيات النفط في العالم.
ماهو قانون "نوبك"؟
يهدف قانون "نوبك"، الذي ناقشه مجلس النواب الأميركي السابق في مرات عديدة إلى رفع الحصانة عن "أوبك" وشركات النفط الوطنية وكسر احتكارها السوق، بحجة تآمر دول "أوبك" على رفع الأسعار في السوق العالمي.
ويعطي مشروع قانون "نوبك" وزارة العدل الأميركية سلطات مطلقة بتطبيق بنوده القانونية، وتقدير طبيعة الدعوى إن كانت جنائية أو مدنية، أو عدم رفع دعوى على الإطلاق، ودون أن يخضع القرار لأي مراجعة قانونية، كما يدعو مشروعه إلى حرمان دول منظمة "أوبك" من أي هامش مناورة في حالة حدوث اضطراب يتعلق بأسعار النفط.
"العراق أكبر المتضررين"
وفي هذا الصدد، يقول جعفر البراك، الباحث في مجال النفط والطاقة لمنصة "الجبال"، إن "هناك توجهاً داخل مجلس النواب الأميركي والكونغرس بشأن قانون نوبك الذي يعتبروه تدخلاً مباشراً في قانون الشركات الخاصة العاملة في سوق التجارة الحرة"، مبيناً أن "سياسة الولايات المتحدة الأميركية هي مشجعة لدول الشرق الأوسط (أوبك بلاس وأرامكو وقطر للغاز وشركة نفط البصرة)، خصوصاً أن أغلب العاملين في هذه الشركات هم من الجنسيات الأميركية".
ويرى البراك، أن "الإدارة الأميركية الجديدة وعلى رأسها دونالد ترامب، لا تسعى لتمرير القانون وإنما استخدمته فقط في الدعاية الانتخابية خلال الأشهر الماضية".
العراق هو أكثر المتضررين من تمرير هكذا قانون، والكلام للبراك، الذي أكد أن العراق هو دائماً ما يتأثر جراء قرارات "أوبك بلاس"، كونه بلد متأرجح اقتصادياً ويعتمد على النفط كمورد وحيد للموازنة المالية للبلاد وبالتالي، فإن "أي تأثير على أسعار النفط سيتضرر بشكل كبير".
ويضيف الخبير النفطي، أن "أوبك والدول المنضوية تحت جناحها غير قادرة على الرد بشأن التهديدات الأميركية، لكن في نفس الوقت أمر انهيار الأسعار العالمية للنفط مستبعدة كون الدول الحليفة لواشنطن كالسعودية وأوروبا وغيرها ستكون أول المتضرريين جراء هكذا قوانين".
وطرح مشروع قانون "نوبك" للمرة الأولى خلال العام 2000، وعلى الرغم من معارضة غرفة التجارة الأميركية واتحاد الصناعات البترولية لهذا المشروع، إلا أن طرحه أعيد مرة أخرى خلال السنوات الماضية.
وناقش الكونغرس الأميركي العديد من النسخ لمشروع القانون، الذي تعرض إلى 16 تعديلًا بين عامي 2000 و2012، وحققت عملية تشريعه مستويات مختلفة من "النجاح"، لكن الجهات التشريعية الأميركية فشلت في نهاية المطاف من تمريره.
تهديدات "نوبك" للدول المصدرة للنفط
وفي العراق يشكل النفط أكثر من 90% من إجمالي الصادرات، كما يعد مصدراً مهماً في تمويل الموازنة المالية العامة ومشاريع التنمية داخل البلاد، لكن أسعار النفط المتذبذبة دائماً ما تجعل الاقتصاد العراقي متأرجاً نتيجة ارتباطه بشكل مباشر في سوق النفط العالمي.
ويقول مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء إن "الجمهوريين يضعون على رفوف مجلس النواب الأميركي قانون نوبك (NOPEC) وهو مشروع قانون تم اقتراحه لمكافحة التكتلات الاحتكارية في أسواق النفط العالمية، وبالأخص منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حيث يسعى هذا القانون إلى تمكين الولايات المتحدة من اتخاذ إجراءات قانونية ضد الدول أو المنظمات التي تُمارس سياسات تُعتبر ممارسات احتكارية تؤدي إلى رفع أسعار النفط بشكل مصطنع".
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف صالح أن التوازنات التي تقيمها منظمة اوبك والتي تقضي بامتصاص تهديدات التشريع أعلاه ولاسيما في فترة الرئيس ترامب تأخذ اتجاهين:
الاتجاه الأول: إن عملة بيع نفط دول الأوبك هي دولار الولايات المتحدة الأميركية وان سياسة بلدان "اوبك" بهذا الشأن في استخدام البترودولار أمر يتماشى ويحافظ على الهيمنة النقدية للدولار الامريكي، مبيناً أن الطلب على الدولار لأغراض التجارة النفطية في سوق الطاقة يمثل ما لا يقل عن 10٪ من الطلب على الدولار في العالم وهو أمر لا تضحي به الولايات المتحدة، فضلاً عن انعكاس حيازة الدولار على الاستثمار والتجارة السلعية وبناء الاحتياطيات الأجنبية بنسبة مماثلة.
ويتابع صالح، قائلاً إن "المحاضرة التي أجراها الرئيس المنتخب ترامب في النادي الاقتصادي في مدينة نيويورك قبل أسابيع قد شددت في الحفاظ على ماكنة الدولة الخاصة بالدولار في الاقتصاد العالمي وعده أداة هيمنة لا تقل عن الهيمنة العسكرية الأميركية والهيمنة التكنولوجية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي".
الاتجاه الثاني: إن الولايات المتحدة الأميركية نفسها وعبر احتكاراتها النفطية تعد أكبر منتج للنفط في العالم بإنتاج يومي لا يقل عن 15 مليون برميل نفط، وأن تكاليف إنتاج النفط الصخري وهامش الربح سيبقى يتولى القيادة السعرية الخفية في سوق الطاقة، إذ أن نقطة التعادل التي تحقق التوازن بين التكاليف والإيرادات في أميركا هي لاتقل عن 70 دولاراً، مؤكداً أن السعر الجيد لسياسة الطاقة الأميركية يجب أن لا يقل سعر برميل النفط عن 70 دولاراً وبخلافه تتعرض الصناعة النفطية الاميركية لخطر الخسارة.
ويشير صالح، إلى أن "معظم بلدان أوبك هي بلدان حليفة مباشرة وغير مباشرة للولايات المتحدة الاميركية، كذلك فإن الجمهوريين هم اليوم غير متحمسين لقضايا التلوث ومشكلات البيئة واتفاقية باريس للمناخ التي يرونها (بدعة) لا قيمة لها على خلاف سياسة الديمقراطيين في تبني قضايا البيئة والتلوث التي تعد واحدة من أبجديات الحزب الديمقراطي وجدول أعماله الانتخابية.
وبناءً على ما تقدم فإن سياسات "أوبك"، المستقرة مقبول أميركياً تمثل نمطاً من أنماط توازن ناش (nash equilibrium) في نظرية اللعبة في علم الاقتصاد، إذ يأتي انضباط "أوبك" سعرياً وكمياً يتماشى مع نوايا التهديد المبطن لمشروع قانون (NOPEC) القائم على استقرار الربح في السوق النفطية الأميركية ولاسيما إنتاج النفط الصخري الباهض التكاليف، لذا سيبقى مشروع نوبك أداة تهديد وفرض الانضباط على سياسات أوبك في الأمدين القصير والطويل"، وفقاً لحديث صالح.
ويأتي العراق في المرتبة الثانية بعد السعودية بحجم الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة الأميركية والتي بلغت 4.89 ملايين برميل، بقيمة إجمالية بلغت 370.2 مليار دولار خلال الشهر الأول فقط من عام 2024
.
ويأتي مركز العراق بحسب بيانات منظمة "أوبك"، خامساً بإنتاجه 4.27 ملايين برميل يومياً، وهو ثاني أكبر منتج ضمن المنظمة بعد السعودية، وباحتياطات مؤكدة تبلغ 145 مليار برميل.
ووفقاً لبيانات وزارة النفط العراقية فقد بلغت مجموع الصادرات النفطية من النفط الخام المتحققة لشهر تشرين الأول الماضي، بحسب الاحصائية النهائية الصادرة من شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، (103) ملايين و(145) الفاً و(225) برميلاً".
وأشارت الوزارة إلى أن "مجموع الكميات المصدرة من النفط الخام لشهر تشرين الأول الماضي من الحقول النفطية في وسط وجنوب العراق بلغت (102) مليوناً و(302) الفاً و(862) برميلاً، فيما بلغت الصادرات إلى الأردن (318) ألفاً و(7) برميلاً، أما مجموع الكميات المصدرة من حقل القيارة فبلغت (524) ألفاً و(356) برميلاً".
وزارة النفط مطمئنة
من جانبها، أكدت وزارة النفط العراقية أن مشروع قانون "نوبك" الذي يهدف إلى مقاضاة دول منظمة أوبك، ورغم إعادة طرحه على الساحة السياسية الأميركية مؤخراً، يبقى بعيداً عن التنفيذ في الوقت الراهن.
ويقول مصدر في وزارة النفط، لمنصة "الجبال"، إن "تمرير هذا القانون من قبل واشنطن يتطلب إجراءات معقدة وتوافقاً سياسياً واسعاً، وهو ما لا يبدو مرجحاً في الظروف الحالية".
ويضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، أن "تفعيل مثل هذا القانون قد يضر بالمصالح الاقتصادية الأميركية نفسها، نظراً لتأثيره المحتمل على استقرار أسواق النفط العالمية"، مشيراً في ذات الوقت إلى أن "العراق يراقب التطورات عن كثب، لكنه يثق بأن التعاون الدولي والحوارات البناءة ستبقى الخيار الأفضل لمواجهة التحديات الاقتصادية".
وسبق أن تحدث وزير النفط العراقي السابق إحسان عبد الجبار، خلال مؤتمر نفطي في البحرين، عن إجراء مناقشات داخلية في أوبك بشأن "مشروع قانون نوبك" الأميركي، مؤكداً بذل قصارى الجهود في العراق وأوبك لتغطية الطلب وتأمين الإمدادات وتسريع الاستثمار.