على الرغم من مرور أكثر من 9 أشهر على عمل مجالس المحافظة بشكل رسمي في العراق، إلا أنها ما تزال عاجزة عن تحقيق طموحات العراقيين، الأمر الذي ولد تساؤلات عديدة حول أسباب إعادتها مرة أخرى للتحكم بالمحافظات.
وفي مطلع شباط من العام 2024، بدأت مجالس المحافظات في العراق، التي انتُخبت تحديداً في 18 كانون الأول 2023، وأعلنت المفوضية نتائجها النهائية في 28 كانون الأول من نفس العام، ثم صدّق عليها مجلسُ المفوّضين في 21 كانون الثاني من العام الجاري، العمل على ممارسة جميع الصلاحيات الممنوحة لها من الرقابة والتشريع.
وبحسب الدستور العراقي، تملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة، فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ولديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة.
وعقب انتهاء عملية الاقتراع الخاصة بمجالس المحافظات العام الماضي، تمنى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على منصة "إكس"، أن تفاعل "حكومات محلية مع خططنا في التنمية والإعمار وتقديم الخدمات"، وأن "تمارس دورها القانوني والدستوري، وستجد منّا كل العون والإسناد، بما يلبي طموحات كل العراقيين".
رأي الجمهور
وانتقد مواطنون أداء عمل مجالس المحافظات رغم توفر البيئة المناسبة لنجاحها على صعيد الاستقرار السياسي النسبي والدعم المالي من قبل مجلس النواب الذي خصص لهم أموالاً كافية في الموازنة المالية.
ويقول "أبو مازن"، وهو من سكنة محافظة بغداد، لمنصة "الجبال"، إن "المواطن العراقي لم ير من مجالس المحافظات إلا الوعود الكاذبة والمشاريع المتوقفة"، مبيناً أن "المشكلة لا تكمن في المجالس نفسها، المشكلة تكمن في السياسة العراقية، الجميع ينظر إلى مصلحته الحزبية والمحاصصة".
ويضيف "أبو مازن" أن "أغلب أعضاء المجالس ليس لديهم خبرة بالعمل الإداري ولا القدرة على إدارة المشاريع الخدمية التي يتطلع لها المواطن العراقي منذ 21 عاماً"، مشيراً إلى أن "هناك اشكالية اخرى تقف عائقاً أمام المجالس وهي التوزيع غير العادل للموارد اذ ان المحافظات لا تأخذ استحقاقها المالي".
في حين، يرى أبو جاسم، وهو مواطن يسكن في ديالى، أنّ "حل مشكلة مجالس المحافظات يمر بإصلاح النظام السياسي ككل، ولا بد من تغيير قانون الانتخابات وتقوية الرقابة على عمل المجالس".
والحل الأفضل، والكلام ـ لأبو جاسم ـ "يكمن في الغاء مجالس المحافظات، كونها حلقة زائدة وتكلف الدولة ملايين الدولارات، ومن الأوجه صرف تلك الأموال على قطاع التعليم والصحة والدوائر الحكومية المركزية".
وتعد مجالس المحافظات في العراق بمثابة السلطة التشريعية والرقابية في كل محافظة، حيث لهذه المجالس المنتخبة الحق في إصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات.
ملاحظات مجلس النواب
في الأثناء، يقول مرتضى علي الساعدي، عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي، إن "الخدمات التي قدمتها مجالس المحافظات بعد البدء في عملها بشكل رسمي، يختلف من محافظة إلى أخرى".
ويضيف الساعدي، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، أن "مجلس النواب واللجنة القانونية تحديداً سجلت ملاحظات حول اداء عمل هذه المجالس، إذ أن الخدمات التي تقدم من قبلهم لا ترتقي للمستوى المطلوب".
ووفقاً للساعدي فإن الدور الرقابي الذي يمارسه كل مجلس، من ناحية مراقبة السلطات التنفيذية في المحافظات، "ضعيف جداً ويحتاج إلى تفعيل بشكل أكثر".
وتمتد الدورة الانتخابية لمجالس المحافظات 4 سنوات تبدأ مع أول جلسة لها، وفقاً لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصادر عام 2008.
أسئلة حول دور مجالس المحافظات
في غضون ذلك، يقول ياسين عزيز، وهو محلل سياسي لمنصة "الجبال"، أن "على الرغم من مرور 9 أشهر على انتخاب مجالس المحافظات إلا أنها لم تقم بما يكفي لخدمة المحافظات التي تم تأسيس مجالسها لتقديم الخدمات إليها ولم تصل إلى مستوى الجيد".
وتساءل الباحث السياسي قائلاً: "هل من الضروري أن تكون هناك مجالساً للمحافظات، ويخص لها اموال من أجل تنظيم الانتخابات، وصرف الملايين كرواتب لأعضائها في وقت لم تقدم ما هو ما متوقع منها؟".
واعتبر عزيز أن مجالس المحافظات "أصبحت بوابة جديدة للصراع والمحاصصة بين الاحزاب والكتل السياسية في الوقت الذي لم تقدم هذه المجالس من خدمات للمواطن والبنى التحتية وتطوير المحافظات".
"ليس هناك أي شك بأن الاستغناء عنها ودعم الدوائر و المؤسسات المحلية المرتبطة بالوزارات في الدولة افضل واوفر واضمن لتقديم المشاريع الخدمية"، حسب ما قاله عزيز خلال حديثه.
وفي العام 2019، صوّت مجلس النواب العراقي على مجالس المحافظات وإنهاء عملها، إثر الضغوط الشعبية التي رافقت تظاهرات تشرين، الأمر الذي أجبر البرلمان على الرضوخ لمطالب المتظاهرين في ذاك الوقت.
صلاحيات قانونية
وأعطى القانون العراقي مجالس المحافظة صلاحية استجواب المحافظ أو أحد نائبيه لعدة أسباب، من بينها هدر المال العام أو الإهمال والتقصير في أداء الواجب، أو عدم النزاهة والاستغلال الوظيفي، فضلاً عن مراقبة جميع أنشطة دوائر الدولة في المحافظة، باستثناء المحاكم والوحدات العسكرية والكليات والمعاهد والدوائر التابعة للحكومة الاتحادية.
وبهذا الصدد، يقول الخبير القانوني علي التميمي، لمنصة "الجبال"، إن "مجلس النواب العراقي يمتلك صلاحية الرقابة على مجالس المحافظات وفق المواد 20 و21 من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم 21 لسنة 2008"
ويضيف الخبير القانوني: "لمجلس النواب صلاحية حل المجالس المخالفة للدستور والقانون بالأغلبية المطلقة بطلب من ثلث أعضاء البرلمان، ثم يدعو المحافظ إلى انتخابات جديدة في المحافظة".