في منطقة محاطة بالأزمات السياسية والتجاذبات الإقليمية والدولية، إجرى إقليم كوردستان العراق ما يمكن تسميته بـ"العرس الانتخابي الأبيض"، حيث شهدت له جميع الأطراف بالنزاهة والنجاح، ومرحباً به من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة، لذلك فإن أي ادعاءات أخرى داخلية من قبل الخاسرين والطفوليين بتزوير الانتخابات ما هي الا أقاويل باطلة وتفريغات طفولية واستهلاكات داخلية لتلك القوائم، هذا إذا لم تكن أجندات خارجية لتأزيم الوضع الداخلي وتأخير تشكيل الحكومة المقبلة، وهذا ما اتوقعه وأحذر منه.
ورغم أن الفترة الانتخابية شهدت مشادات خطابية وتحديات بين المرشحين والأحزاب المشاركة، خاصة بين الحزبين الرئيسيين، إلا أن العملية تمت من دون أية عراقيل أو مواجهات مسلحة بين الجهات المشاركة، ومع صدور النتائج بعد يوم واحد من إجرائها، والتي طابقت النتائج التي حصلت عليها الأحزاب والقوائم من مراقبيها في الدوائر الانتخابية، بادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني الفائز الأول في الانتخابات إلى دعوة جميع الأطراف الفائزة لتشكيل الحكومة المقبلة في أسرع وقت ممكن، آخذة الوضع الحالي في المنطقة والمشاكل العالقة بين الإقليم والمركز بالحسبان لا سيما المشاكل التي تحتاج إلى حلول سريعة، مثل مسألة الرواتب والخدمات التي وعد بحلها رئيس الوزراء مسرور بارزاني في التشكيلة الوزارية المقبلة، كما ودعا مسرور بارزاني جميع الأطراف إلى فتح صفحة جديدة والتطلّع إلى المرحلة المقبلة بمسؤولية وأخلاقيات سياسية رفيعة.
لقد تأخرت انتخابات إقليم كوردستان مدة سنتين بسبب خلافات بين الأحزاب، رغم أن الحزب الديمقراطي الذي يترأس الحكومة ورئاسة الأقليم والمتمتع بأغلبية برلمانية في الدورة السابقة دعا إلى إجراء الانتخابات في وقتها المحدد، وتحت إشراف المفوضية المستقلة للانتخابات في الإقليم، وقبل أن تنتهي صلاحية المؤسسات التشريعية والتنفيذية فيه، لكن الاتحاد الوطني الذي لم يكن على استعداد حينها لإجراء الانتخابات بسبب مشاكله الداخلية رفض المشاركة، وهدّد بعدم السماح بإجرائها في المناطق التابعة له، واحتج بأن النظام الانتخابي في الإقليم غير محايد ويصب في صالح الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فعمل على إنهاء كوتا المكونات وتحويل النظام الانتخابي من نظام الدائرة الواحدة إلى نظام الدوائر المتعددة، كل هذا أدى إلى تأجيج الوضع الداخلي في الإقليم وإيجاد حالة عدم ثقة بين الأطراف والتشكيك بإجراء العملية أصلاً، ومخاوف من تدخل جهات خارجية في العملية. رغم ذلك؛ أبدى الحزب الديمقراطي استعداده بتحفظ لإجراء الانتخابات متى دعت إلى ذلك رئاسة الإقليم.
باختصار، فإن الانتخابات أجريت على هوى الأحزاب المنافسة للحزب الديمقراطي وتحت إشراف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية وبمراقبة دولية ورقابة داخلية من قبل الأحزاب والمنظمات وبنظام الدوائر المتعددة. لذلك، فإن أية طعون وادعاءات بتزوير الانتخابات ليست إلا كلاماً فارغاً واستهلاكاً محلياً داخل القوائم المشاركة، هذا إذا لم تكن أجندات خارجية تدفع باتجاه تأخير تشكيل الحكومة، وتأزيم الوضع في الإقليم وتخريب العملية بعد أن نجحت بنسبة مئة بالمئة. ورغم أن هذه الدعوات ليست لها أي تأثير على النتائج التي أعلن عنها، إلا أنها تؤدي إلى خلق حالة نفسية متشائمة لدى المواطنين ما ينعكس على حجم مشاركتهم في أية انتخابات أخرى.
وكمراقب للوضع السياسي والاجتماعي في الإقليم، إننا على يقين بأن انتخابات (20/ 10/ 2024) في إقليم كوردستان، كانت بيضاء، بيضاء لعدم سقوط قطرة دم حمراء على الأرض رغم المنافسة الحامية، بيضاء في أوراقها الانتخابية التي خلت من الغش والتزوير، رغم الادعاءات الباطلة التي أثبتت المفوضية بطلانها جميعاً، وبيضاء في موعد إعلان نتائجها الأولية الذي جاء مع تساقط أولى حبات الثلج على جبال ومدن كوردستان، لتزف إلى العالم خبر نجاح عرس كوردستان الانتخابي، ولتكون خبراً ساراً في منطقة تكاد جميع أخبارها تنبعث منها رائحة الموت والدم، فليحفظ الله كوردستان وأهلها.