دعاوى قضائية ضد "تلويث" الفرات.. كيف تساهم سلطات ذي قار بتدمير الإنسان والحيوان والنبات؟

6 قراءة دقيقة
دعاوى قضائية ضد "تلويث" الفرات.. كيف تساهم سلطات ذي قار بتدمير الإنسان والحيوان والنبات؟ بلا رقيب.. مياه المجاري إلى الفرات

مستشفيات ومعامل تلقي مخلفاتها مباشرة إلى النهر

في جنوب بمحافظة ذي قار، يعيش محمد حسين )30 عاماً) حكاية مؤلمة مع نهر الفرات، الشريان الذي كان يوماً ما، رمزاً للحياة والخصوبة، وتحول اليوم إلى مستنقع للروائح الكريهة إثر الإهمال ورمي الملوثات من قبل مؤسسات حكومية وغيرها. 

 

تصب محطة مجاري التي لا تبعد عن منزل حسين، سوى عشرات الأمتار، حمولتها الثقيلة مباشرة في النهر، فتطلق رائحة تفسد الهواء وحياة السكان.

 

توجه حسين ورفاقه مراراً إلى الجهات المعنية، طالبين إنقاذ نهرهم وحمايتهم من هذا التلوث، وحاولوا لفت الانتباه إلى معاناتهم، لكن دون جدوى، بقي صراخهم يصدح في الفراغ.

 

المنطقة التي يسكنها حسين، ما زالت منطقة خضراء، تضم عشرات من بساتين النخيل، ولكنها تسقى من مياه النهر التي أصبحت ملوثة حالياً، وبدأت التربة والثمر تتحول إلى تهديد لصحة الأهالي.

 

حسين، ليس الفرد الوحيد الذي يواجه هذه المشكلة، فهناك عدة منافذ لمحطات المجاري ومحطات الكهرباء التي ترمي بمخالفاتها في الأنهر دون أي معالجة أو إيجاد حلول.

 

مصادر التلوث

 

محافظة ذي قار الجنوبية، التي يقطنها أكثر من مليوني و380 ألف نسمة، تواجه تحديات بيئية خطيرة، أبرزها تلوث مصادر المياه، حيث تكشف الدوائر الرقابية عن وجود عدة مصادر لرمي المخلفات مباشرةً في نهر الفرات، سواء من مشاريع حكومية أو مؤسسات أهلية.

 

هذه الملوثات في العديد منها لا تخضع لعملية المعالجة مما يؤثر على صحة السكان وجودة حياتهم.

 

يكشف صلاح فيصل، مسؤول الشعبة الحضرية في دائرة البيئة بمحافظة ذي قار لـ منصة "الجبال" عن "رصد 15 موقعاً لرمي مخلفات مياه الصرف الصحي بشكل مباشر من المحطات التابعة لمديرية المجاري إلى نهر الفرات"، بالإضافة إلى ذلك، تم تحديد 3 مواقع أخرى تتعلق بمحطة الطاقة الكهربائية ومعمل النسيج، التي تساهم أيضاً في تلويث النهر بمخلفاتها"، على حد وصف المسؤول.

 

وعلى الرغم من الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها من قبل عدة دوائر حكومية منها هيئة النزاهة، بما في ذلك فرض غرامات مالية وإقامة دعاوى قضائية، إلا أن هذه المؤسسات ما زالت مستمرة برمي مخلفاتها.

 

أمراض خطيرة 

 

وتعكس هذه الممارسات تأثيرات خطيرة على جودة المياه، حيث تتسبب في ترسب العناصر الثقيلة، مما يؤدي إلى انتشار أمراض متعددة مثل السرطان والفشل الكلوي، وبالإضافة إلى ذلك، تؤثر هذه الملوثات على التنوع الإحيائي، حيث تضر الحياة السمكية والنباتات، خاصة في المساحات الكبيرة التي تعتمد على مياه الفرات في الري.

 

وتعمل دائرة البيئة إلى التحرك سريعاً لوضع حلول جذرية لهذه الأزمة البيئية، لضمان سلامة السكان والحفاظ على الموارد المائية في المحافظة.

 

ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء لعام 2023، تعاني محافظة ذي قار من أزمة حادة في معالجة مياه الصرف الصحي، حيث تضم المحافظة ثلاث محطات معالجة مركزية ووحدة معالجة متوسطة وصغيرة، إلا أن جميع هذه المحطات تُنتج كميات هائلة من المخلفات تصل إلى 350 ألف متر مكعب يومياً. 

 

المفاجئ في الأمر، هو أن الكمية التي يتم معالجتها لا تتجاوز الصفر متر مكعب يومياً، مما يعني أن عمليات المعالجة متوقفة تماماً هذه الحالة الحرجة تضع المحافظة في مواجهة تحديات بيئية وصحية خطيرة، حيث تتسبب المخلفات المتراكمة في تلوث نهر الفرات والمصادر المائية الأخرى.

 

ملاحقات قانونية

 

وتعمل الشرطة البيئية في محافظة ذي قار على الكشف الميداني ومتابعة مصادر التلوث، بحسب قولها.

 

وفي تصريح خاص لـمنصة "الجبال"، أوضح مدير الشرطة البيئية، العميد رشيد جاسم، أن "دائرته أقامت دعاوى قضائية ضد دائرة صحة المحافظة، بسبب قيام بعض المستشفيات بربط شبكاتها لتصريف المخلفات السائلة بشبكة المجاري".

 

وأضاف أن ذلك "يؤدي إلى تدفق المخلفات مباشرةً إلى نهر الفرات دون معالجة وبالتالي رمي العناصر الثقيلة والمواد الكيميائية في النهر، مما يغير من خصائص المياه"، موضحاً: "كما تساهم دائرة المجاري في التلوث برمي المخلفات الثقيلة والخطرة في النهر، بالإضافة إلى عدة مشاريع أهلية، مثل محطات غسيل السيارات ومراكز تبديل الزيوت، التي تسيء استخدام الموارد المائية". 

 

وأكد العميد أن "الدائرة اتخذت إجراءات قانونية صارمة لردع هذه الأخطاء"، مبيناً أنه  "منذ عام 2011 وحتى 2023، تجاوزت الدعاوى القضائية ضد المتسببين بالتلوث بشتى أنواعه أكثر من 1300 دعوى، حيث تم حسم عدد منها، بينما ما يزال البعض الآخر قيد الإجراءات القانونية".

 

انحسار مياه الأنهر

 

وفي ظل هذه الملوثات تواجه المحافظة انخفاضاً واضحاً بمناسيب مياه الأنهر نتيجة قلة الإطلاقات المائية، وبالتالي تزداد نسب التراكيز الملحية والملوثات الملقاة في النهر.

 

الناشط البيئي جاسم الأسدي  يشير لـمنصة "الجبال"، إلى أن الكميات المائية التي تصل إلى المدينة، وتحديداً إلى نهر الفرات، "لا تتجاوز 60 متر مكعب في الثانية في أفضل الأحوال وهذا الرقم المقلق يعكس أزمة حقيقية في إدارة الموارد المائية، لا سيما مع تدفق كميات كبيرة من الملوثات الناتجة عن الصرف الصحي والمياه الصناعية".

 

والأمر الأكثر خطورة، هو وجود محطات صرف صحي في مناطق الأهوار، مثل قضاء الجبايش، التي تلقي مخلفاتها دون معالجة حيث توجد أربع محطات في هذا القضاء واثنتان في ناحية المنار، مما يساهم في تفاقم تلوث المياه.

 

وهذه المخلفات تحتوي على عناصر ثقيلة تتركز في المياه، مما يؤثر سلباً على النباتات والموارد الحيوانية، حيث تشرب المواشي، مثل الجاموس، من هذه المياه، مما يؤدي إلى انتقال الملوثات عبر الحليب والمنتجات الحيوانية.

 

الأسدي يدعو إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حقيقية للحفاظ على البيئة والمياه العذبة، مشدداً على أن "الحلول لا يمكن أن تقتصر على الدعاوى القضائية فقط بل يجب أن تشمل استراتيجيات شاملة تتضمن معالجة المخلفات وتحسين إدارة الموارد المائية، لضمان صحة وسلامة المجتمع والبيئة".

 

 

 

الجبال

نُشرت في الأربعاء 23 أكتوبر 2024 12:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.