في ظل تصاعد التوترات الأمنية في إقليم كوردستان، تتزايد المخاوف من التداعيات الخطيرة لاستهداف الحقول والمنشآت النفطية والغازية، التي تمثّل شرياناً اقتصادياً حيوياً للإقليم والعراق على حد سواء، حيث يشير مراقبون ومحللون سياسيّون واقتصاديون، إلى تورّط ميليشيات مرتبطة بجهات خارجية تسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية عبر زعزعة استقرار قطاع الطاقة، إلى جانب أطراف داخلية توظف هذه الهجمات لخدمة أجندات سياسية معقدة، وفي وقت تحذر فيه الجهات المختصة من الآثار المباشرة على صادرات النفط والغاز، تتجه الأنظار إلى المخاطر الأوسع التي قد تطال الأمن الاقتصادي ومستقبل الاستثمار في المنطقة.
وكان القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني هوشيار زيباري، اتهم "فصائل ميليشياوية"، بتنفيذ الهجوم على حقل كورمور الغازي في السليمانية، قائلاً إن "الحكومة لا تسيطر عليها"، بينما أشار إلى أنه "أمام حكومة السوداني فرصة ذهبية لمعاقبة المذنبين، وتعزيز فرص ترشحه لولاية ثانية".
وفي هذا السياق، يصف الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية سيف رعد، استهداف حقل كورمور الغازي في السليمانية، بأنه "جزءاً من نمط ضغوط متعددة الأبعاد، تهدف لإعادة تشكيل للتوازنات الطاقوية والسياسية".
رعد وفي تصريح لمنصّة "الجبال"، قال إنه يرى أن "استهداف حقل كورمور للغاز في إقليم كردستان العراق ليس مجرد عمل إرهابي عشوائي بل هو جزء من نمط أعمق من الضغوط المتعددة الأبعاد التي تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات الطاقوية والسياسية في المنطقة، ولابد من الإشارة بأن هناك رابطاً استراتيجياً واضحاً بأن إيران هي المستفيد الأكبر".
ورأى أن "الهجمات على كورمور تتناسب مع استراتيجية إيرانية طويلة الأمد لتعزيز هيمنتها على سوق الغاز العراقي. حقل كورمور جزء من المشروع الكوردي الذي يهدف إلى إنتاج 20 مليار متر مكعب سنوياً لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا بحلول 2026 مما يقلّل الاعتماد على إيران ويفتح أبواب الاستثمارات الغربية (مثل الإمارات والولايات المتحدة)، وفي السياق الإقليمي إيران تواجه منافسة من قطر (التي تزيد صادراتها من الحقل المشترك)، وتركيا (التي تسعى لخط أنابيب كوردي)".
وأعلن المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى، في أعقاب استهداف حقل كورمور الغازي في السليمانية، عن "خسارة منظومة الطاقة الكهربائية 1200 ميغاواط؛ بسبب توقف عقود شراء الطاقة من المحطات الاستثمارية في إقليم كوردستان".
ويقول الخبير الأمني بهذا الشأن، إن "الهجوم ممكن أن نعتبره يعزز الورقة الطاقوية الإيرانية كأداة ابتزاز اقتصادي خاصة مع تراجع صادراتها إلى العراق بنسبة 30% في 2025 بسبب الضغوط الأمريكية، اما التوقيت هو باعتباره مزيج من الفرص السياسية والإقليمية بعد أقل من أسبوعين من الانتخابات ليس صدفة، فالانتخابات أنتجت استقراراً نسبياً للقوى السياسية، لكنها فتحت جبهة مفاوضات معقدة لتوزيع المناصب بين السُنة والكورد، مع التركيز على الإقليم الذي حقق مكاسب انتخابية كبيرة".
وأضاف أن "الهجوم يأتي في لحظة ضعف مؤقت للقوى الأمنية، وقد يكون رداً من أحد أذرع إيران في العراق بعد التصعيد الإسرائيلي في اليمن واغتيال الطبطبائي رئيس أركان حزب الله اللبناني، كما أن الولايات المتحدة تحت ضغط إسرائيلي حيث هددت بضربات تستهدف الفصائل العراقية إذا استمرت الهجمات على قواعدها مما يجعل التوقيت مثالياً لإيران لاختبار ردود الفعل دون تصعيد عسكري، بالإضافة إلى ذلك يتزامن مع أزمة الطاقة الشتوية في العراق حيث يعاني 70% من السكان من انقطاعات فالهجوم يفاقم الأزمة ويضغط على حكومة بغداد للعودة إلى الغاز الإيراني كحل فوري".
وفي وقت سابق اليوم، أعلنت وزارة كهرباء إقليم كوردستان، عن توقف ضخّ الغاز نحو محطات توليد الطاقة الكهربائية في إقليم كوردستان، بنسبة 75%، فيما حذّرت من "التوقف التام" للكهرباء في الإقليم، من جراء استهداف حقل كومور الغازي في السليمانية، ليل الأربعاء/ الخميس.
وفي ظل مفاوضات تشكيل الحكومة، فإن "الهجوم يحمل رسائل سياسية متعددة أولها لحكومة أربيل، بأن إنذار الاستقلال الطاقوي لن يمرّ دون عقاب"، بحسب رعد الذي أشار إلى أنّ "ذلك يضعف موقفها في المفاوضات حول حصة الإيرادات النفطية، وثانيها إلى حكومة بغداد الاتحادية وكتلها السياسية، كتذكير بأن أي حكومة جديدة يجب أن تحافظ على مبدأ التوازن مع إيران خاصة مع نفوذ تحالف الإطار التنسيقي، وثالثها لإسرائيل وأمريكا، رسالة من فصائل المقاومة، بأن الردّ على الضربات في اليمن ولبنان (أكثر من 200 هجوم إسرائيلي في 2025) سيمتد إلى العراق لكن بشكل غير مباشر لتجنب حرب شاملة".
وأوضح رعد، أنه "بالنتيجة، اعتقد بأن مثل هذا الهجوم قد يجعل حقل كورمور حلقة وصل في حرب الوكالة، حيث تستخدم إيران الهجمات الطاقوية للردّ دون مواجهة مباشرة، بينما يرى الغرب وأمريكا وإسرائيل فيه تهديداً للاستقرار الإقليمي الذي يعتمد على تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن طهران، هذا الهجوم ليس النهاية بل بداية لدورة تصعيد قد تؤثر على استقرار الحكومة الجديدة وتدفع العراق نحو خيارات طاقوية أكثر تبعية".
كان مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، أدان الهجوم على حقل "كورمور" الغازي في السليمانية، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستتعقّب "كل جماعة مسلحة غير شرعية، وكل داعم لها"، وستقوم مواجهتها ومحاسبتها، على حد تعبيره.
سافايا ذكر في بيان نشره عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "جماعات مسلحة تعمل بشكل غير قانوني وتدفعها أجندات أجنبية معادية، قامت بتنفيذ هجوم يوم أمس على حقل كورمور الغازي"، مشدّداً أنه "يجب على حكومة العراق تحديد المسؤولين عن هذا الاعتداء وتقديمهم للعدالة".
وأضاف سافايا "يجب أن يكون الأمر واضحاً ولا لبس فيه: لا مكان لمثل هذه الجماعات المسلحة في عراق يتمتع بالسيادة الكاملة"، وأن "الولايات المتحدة ستدعم هذه الجهود بالكامل، وسيتم تعقب ومواجهة ومحاسبة كل جماعة مسلحة غير قانونية وكل من يدعمها".
وفي الأثناء، رجّح الخبير في الشؤون النفطية والطاقة أحمد عسكر، أن استهداف حقل كورمور، سيؤدي إلى تراجع إمدادات الغاز، الذي بدوره سيؤدي إلى انخفاض إنتاج الكهرباء بين 1000– 2000 ميغاواط، ما سينعكس على برامج التجهيز للمواطنين.
وقال عسكر في تصريح لمنصّة "الجبال"، إنه "يجب الحذر من تداعيات خطيرة بعد الاستهداف الأخير الذي تعرض له حقل كورمور الغازي في إقليم كوردستان. الحقل يعد الركيزة الأساسية لإمداد عدد من محطات إنتاج الكهرباء بالغاز المحلي، وأن أي تعطل في الإنتاج سينعكس فوراً على واقع الكهرباء والاقتصاد الوطني".
وبيّن عسكر أن "حقل كورمور، ينتج الغاز المغذي لمحطات كهربائية رئيسية، وأن عمليات الضخ غالباً ما تنخفض أو تتوقف بشكل مؤقت عقب أي حادث أمني أو هجوم صاروخي، وهو ما يؤدي إلى فجوة مفاجئة في الوقود المستخدم لتشغيل التوربينات الغازية".
وأضاف، أن "الغاز المنتج من كورمور يعد بديلاً رخيصاً ونظيفاً مقارنة بالوقود السائل المستورد، ولذلك فإن توقفه يعني لجوء وزارة الكهرباء إلى زيادة الاعتماد على الوقود البديل عالي الكلفة مثل زيت الغاز (الديزل) أو النفط الخام، مما يرفع نفقات التشغيل بشكل كبير".
وتابع، أن "استمرار الهجمات على الحقول الغازية لا يمثّل فقط تهديداً للبنية التحتية للطاقة، بل يضع القطاع النفطي أمام مخاطر أوسع تتمثل في انخفاض استثمارات الشركات الأجنبية، وتباطؤ مشاريع التوسعة في إنتاج الغاز المحلي، ما يعمّق اعتماد العراق على الاستيراد".
وأكد أن "أي تراجع في إمدادات الغاز سيؤدي أيضاً إلى انخفاض إنتاج الكهرباء بين 1000– 2000 ميغاواط بحسب مدة التوقف، وهو ما سينعكس على برامج التجهيز للمواطنين، ويضع ضغطًا مضاعفًا على المنظومة الوطنية".
وشدّد عسكر، أنه "على الجهات المعنية بتعزيز إجراءات حماية المنشآت الحيوية ولا سيما الحقول الغازية، وتسريع مشاريع تطوير حقول الغاز المصاحب في الجنوب، لتقليل الهشاشة الحالية في منظومة الإمداد الطاقي، فأمن الطاقة أصبح جزءاً من أمن العراق الاقتصادي والاجتماعي".
وختم الخبير في الشؤون النفطية والطاقة، حديثه بالقول إن "معالجة هذه التحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً – أمنياً – فنياً؛ لضمان استقرار الإمدادات، لأن أي اضطراب في إنتاج الغاز سيترجم مباشرة إلى خسائر مالية، وتراجع في مستوى الخدمات، وتأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني".
وأدان رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، "بشدّة" استهداف حقل كورمور الغازي في السليمانية، داعياً الحكومة العراقية الاتحادية إلى ضبط منفذي الهجوم وإحالتهم إلى القضاء.
وقال مسرور بارزاني في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس"، إنه "لا يمكن السماح للإرهابيين أو لأي شخص يقف وراء هجمات هذه الليلة أن يكرروا هذه الجريمة، أو أن يتم كما حدث في السابق إطلاق سراحهم بكفالة".
ودعا مسرور بارزاني في تدوينته "الشركاء الأميركيين والدوليين إلى تأمين منظومة الدفاع المطلوبة من أجل حماية بُنانا التحتية المدنية، كذلك دعمنا في اتخاذ إجراءات جدّية لمنع هذه الهجمات على شعبنا وتقدّمنا".
استهداف حقل كورمور (أرشيف)