تحوّل سياسي دراماتيكي داخل البيت الشيعي، تُوّج بعودة "صاخبة" للفصائل المسلحة إلى قلب البرلمان العراقي، بعد سنوات من التراجع والتشتت، فعلى نحو غير مسبوق، تكشف نتائج انتخابات 2025 صعود "فصائل المقاومة العراقية" لتنتزع أكثر من 40 مقعداً في البرلمان السادس، متقدمةً بقوة على ما حققته في انتخابات 2021، ومكرّسة حضوراً سياسياً يوازي ثقلها العسكري والاجتماعي في الشارع الشيعي، حيث شكّل منتسبو الحشد الشعبي قاعدة انتخابية حاسمة في هذا الارتفاع.
في السياق: المفوضية تعلن النتائج النهائية لانتخابات البرلمان العراقي
وجرت الانتخابات وسط مشهد سياسي معقّد، تمثل بمقاطعة كاملة للتيار الصدري، وانهيار شبه تام لتمثيل القوى المدنية والتشرينية نتيجة الانقسامات، وحضور النظام الانتخابي المعدّل (سانت ليغو 1.7) الذي قضى على فرص القوائم الصغيرة.
في المقابل، استثمرت الفصائل المسلحة هذا الفراغ لتعيد إنتاج نفسها بواجهات سياسية متنوعة، وتدخل السباق الانتخابي الأكثر تنافساً منذ 2018، والذي شهد مشاركة شعبية مفاجئة وصلت إلى 56.11%..
ورصدت منصّة "الجبال"، أرقاماً تؤكد أن الفصائل المرتبطة بالحشد الشعبي حققت قفزات هائلة مقارنة بانتخابات 2021، من حركة "الصادقون" التي تضاعف تمثيلها، إلى منظمة "بدر" التي عززت حضورها، مروراً بالفصائل الصاعدة مثل "كتائب الإمام علي"، و"سيد الشهداء"، و"أنصار الله الأوفياء"، وصولًا إلى القوائم الجديدة التي برزت لأول مرة. وفي الوقت ذاته، حجز وزراء نافذون محسوبون على تلك القوى مقاعدهم البرلمانية بسهولة، ما يعزز نفوذهم السياسي داخل الحكومة المقبلة.
بهذه النتائج، تُظهر انتخابات 2025، أن الفصائل المسلحة لم تعد مجرد قوة عسكرية موازية للدولة، بل أصبحت أحد أعمدة التوازن السياسي في العراق، وصانعة رئيسية لشكل البرلمان وتحالفاته خلال السنوات الأربع المقبلة
خارطة المقاعد تغيرت بالكامل
وأجرت منصة "الجبال" مقارنة بين مقاعد الفصائل في انتخابات 2021 وكيف أصبحت في انتخابات 2025.
فبعد استقالة نواب "الكتلة الصدرية" في حزيران 2022، ارتفعت مقاعد الفصائل التي كانت منضوية ضمن تحالف "الفتح" الذي يجمع القوى الشيعية والفصائل التي رشحت بقوائم منفردة مثل تحالف "العقد الوطني" و"حركة بابليون".
فقد حصل تحالف "الفتح" في حينها، على 19 مقعداً قبل استقالة التيار الصدري، وبعد انسحاب "الكتلة الصدرية" من البرلمان، زاد عدد مقاعد تحالف "الفتح" 12 مقعداً، أي أصبح لديهم 31 مقعداً.
أما في انتخابات 2025، حصلت حركة "الصادقون"- الجناح السياسي لحركة "العصائب"- وحدها على 28 مقعداً بعد أن كان لديها 15 مقعداً ضمن تحالف "الفتح".
بالمقابل حصلت منظمة "بدر" برئاسة هادي العامري في انتخابات 2025 على 21 مقعداً بعد أن كانت 13 مقعداً في انتخابات 2021، أما حركة حقوق فقد حصلت على 6 مقاعد بعد أن كان لديها مقعداً واحداً في انتخابات 2021 قبل أن ينسحب التيار الصدري وتصبح 6 مقاعد.
بالمقابل حصل شبل الزيدي، زعيم "كتائب الإمام علي"، على 5 مقاعد ضمن قائمة "تحالف خدمات" التي تشارك لأول مرة، وبعد تحالفه مع قائمة "واسط أجمل" التي حصلت على 4 مقاعد يصبح إجمالي المقاعد 9.
أما كتلة "منتصرون" بقيادة أبو الآء الولائي، زعيم "كتائب سيد الشهداء"، فحصلت على 5 مقاعد ضمن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.
أما حركة "أنصار الله الأوفياء"، فقد حصلت على 9 مقاعد بعد أن كان لديها مقعدين في انتخابات 2021.
بينما حصل تحالف "العقد الوطني" على 10 مقاعد بعد أن كان لديه 4 في انتخابات 2021، تضاعفت إلى 8 بعد انسحاب الصدريين.
كما رفع تحالف "قوى الدولة" مقاعده من 4 إلى 18، ويضم "جبهة البناء والجهاد" برئاسة جواد الساعدي، مؤسس "سرايا الجهاد"/ اللواء 17 في الحشد الشعبي، ومحمد الباوي قائد حركة "اراك" وأحد قياديي "كتائب الإمام علي".
بينما حصل أحمد الأسدي، وزير العمل وزعيم "جند الإمام"، على 7 مقاعد عن "حركة بلاد سومر" ضمن ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء محمد السوداني، إضافةً إلى مقعد آخر عن كتلة "سومريون" التابعة له، بعد ان كان لديه مقعد في انتخابات 2021 ضمن "تجمع السند الوطني".
أما قائمة "ديالى أولاً"، التي تضم قوى شيعية أبرزها قائمة شبل الزيدي، حصلت على مقعد واحد، فيما حصلت حركة "بابليون" على 3 مقاعد (أحدها من كتلة صغيرة في الموصل تحت اسم "الهوية الوطنية") برئاسة ريان الكلداني، الذي يمثّل الجناح العسكري لـ"كتائب بابليون" اللواء 50 بقيادة أسامة الكلداني.
وزراء الفصائل عادوا للبرلمان
وخلال انتخابات 2025، نجح 10 وزراء من أصل 13 تقدموا للانتخابات، من ضمنهم وزير التعليم نعيم العبودي عن "العصائب"، ووزير العمل أحمد الأسدي عن قائمة السوداني، ووزير النقل رزاق محيبس عن "بدر"، ووزيرة الاتصالات هيام الياسري التابعة لتحالف "العقد الوطني"، وفالح الفياض عن تحالف السوداني، ووزيرة الهجرة إيفان فائق عن "حركة بابليون".
ما جرى في انتخابات 2025، لا يمكن اعتباره مجرد تغيير رقمي في عدد المقاعد، بل هو انعكاس لتحوّلات اجتماعية وسياسية عميقة داخل المجتمع الشيعي، وتحوّل واضح في هوية الناخب، وطبيعة التحالفات، وآليات إدارة السلطة.
وبذلك، يدخل العراق مرحلة سياسية جديدة تتقدّم فيها الفصائل المسلحة إلى قلب المشهد، وتصبح أحد الركائز الأساسية في تشكيل الحكومات المقبلة، وصناعة السياسات، وتحديد اتجاهات الدولة لسنوات قد تطول.
الخزعلي والعامري وأبو آلاء الولائي (تعبيرية/ مواقع التواصل)