رؤية مخالفة للمعتاد.. "الأغلبية الصامتة" قد لا تكون موقفاً سياسياً بل نساء لا يخرجن من المنزل!

رؤية مخالفة للمعتاد.. "الأغلبية الصامتة" قد لا تكون موقفاً سياسياً بل نساء لا يخرجن من المنزل! تعبيرية

طوال سنوات المواجهة بين القوى السياسية والجماهير الناقمة في العراق، كانت الجماهير والتجمعات السياسية التي تمثل الفئات المحتجة غالباً تراهن على "اغلبية"، تدعى الأغلبية الصامتة، وهي فئة مقاطعة للانتخابات تتسبب بجعل نسبة المشاركة لاتتجاوز الـ40 الى 30%، تتوزع أصواتهم بين مختلف القوى السياسية الشيعية والسنية والكوردية.

 

ومن هذه النسبة تنطلق الفئات المعارضة لوصف الفئات الحاكمة في العراق بأنها "أقليّة" لا سيما الإطار التنسيقي صاحب الكلمة الأكبر في إدارة البلاد، رغم ان الأصوات التي تحصل عليها قوى الإطار لا تتجاوز الـ2 مليون صوت من إجمالي أكثر من 25 مليون عراقي يحق له التصويت.

 

تختلف رؤية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في قياس نسبة المشاركة والمقاطعة مع الفئات المعارضة للعملية السياسية، ففي انتخابات 2021 كان عدد من يحق لهم التصويت يبلغ 25 مليون شخص، غير ان المفوضية احتسبت عدد الناخبين 22 مليون شخص فقط، حيث تحتسب المفوضية الناخب بأنه من يمتلك بطاقة انتخابية، وبنفس الطريقة في الانتخابات المقبلة هناك 29 مليون شخص يحق لهم التصويت، إلا ان المفوضية احتسبت عدد الناخبين يبلغ 21 مليون شخص لأن هناك 8 ملايين شخص لا يمتلك بطاقة بايومترية.

 

لذلك إذا شارك في الانتخابات المقبلة 9 ملايين شخص بالتصويت كما حدث في انتخابات 2021، فهذا يعني ان عدد المقاطعين بالنسبة لتعريف المفوضية سيبلغ 12 مليون مقاطع، بينما وفقا لتعريف الفئات المعارضة التي تعتبر ان حتى من لا يذهب لاستلام بطاقته يعتبر مقاطع، فهذا يعني ان عدد المقاطعين حينها سيكون 20 مليون شخص من إجمالي 29 مليون شخص، وهو فارق كبير بالرقم بين التعريفين، كما ان الـ20 مليون مقاطع، يعتبر خزين كبير للمعارضة في إحداث تغييرات كبيرة في المنظومة السياسية.

 

لكن النظرة المعتادة نحو المقاطعين بأنهم فئات لها رأي سياسي ناقم على العملية السياسية، قد يكون ليس كذلك بالضرورة، فالاعتقاد بأن هذه الفئة الكبيرة من العراقيين جميعهم يحملون "أفكاراً مدنية علمانية معارضة للأحزاب الإسلامية الحاكمة"، قد يصطدم بتفسير اخر للمقاطعة ينسف تماماً هذا التعويل من قبل المعارضين، وقد تكون الفئة الأكبر من المقاطعين لا يحملون رأياً سياسياً أساساً، وهم عبارة عن نساء لا يخرجن من المنزل فحسب.

 

لاحتساب نسبة "الإقبال النسوي" على الانخراط بالسياسة سواء من خلال الترشيح او التصويت، يمكن اعتبار أن كلا الفعلين يمثلان نسبة واحدة، فما ينطبق على إقبال المرأة على سوق العمل او المشاركة في الترشيح، ممكن أن ينطبق على انخراط المرأة في المشاركة بالتصويت بصفته فعل سياسي.

 

تبلغ نسبة انخراط المرأة بسوق العمل في العراق حوالي 15%، اما نسبة انخراط المرأة في الترشيح بالانتخابات الحالية حوالي 25% فقط، فهناك أكثر من 2200 مرشحة بالانتخابات من أصل حوالي 8 الاف مرشح، لذلك يمكن اسقاط نسبة الترشيح على نسبة المشاركة بالتصويت أيضاً، وبهذا فإن من إجمالي 9 ملايين مشارك بالتصويت في كل انتخابات هناك حوالي 2.5 مليون امرأة تصوت فقط، مقابل أكثر من 6.5 مليون رجل.

 

وبما أن هناك 29 مليون شخص يحق له التصويت، وبما ان الشعب العراقي مكون نصفه من النساء والنصف الاخر من الرجال بحسب بيانات وزارة التخطيط، هذا يعني ان 14.5 مليون امرأة يحق لها التصويت، لا يشارك منهن سوى 2.5 مليون امرأة، مقابل 12 مليون امرأة لا تشارك بالتصويت، وبذلك سيكون من أصل 20 مليون مقاطع هناك 12 مليون امرأة في الغالب لا يشاركن بالانتخابات لأسباب مجتمعية في الغالب، وليس لامتلاكها رأياً سياسياً ضد العملية السياسية والقوى الحاكمة، بالإضافة إلى 8 ملايين رجل مقاطع بين من يمتلك رأياً سياسياً وبين من يتكاسل أساساً وبين من هو لامبال بالعملية السياسية وليس يمتلك فكراً مخالفاً للأحزاب الإسلامية الحاكمة.

 

وبذلك فان حوالي 60% ‎ من المقاطعين ليسوا بالضرورة هم أغلبية صامتة معارضة أو ناقمة على العملية السياسية، بل ببساطة ممكن أنها أغلبية نسائية لا تخرج من المنزل لأسباب مجتمعية تمنع الرجال من السماح بانخراط نسائهن في هذا المجال أو أخذهن الى المراكز الانتخابية لأسباب تتعلق بالحرج أو عدم إعارة أهمية لرأيهن السياسي أساساً.

 

وفي استطلاع بسيط أجرته "الجبال" مع بعض العوائل المشاركة في الانتخابات أساساً، تبين أن رجل واحد في كل منزل يشارك بالانتخابات، يقابله نساء اثنين لا يذهبن للتصويت، بالرغم من أن العائلة "ليست مقاطعة" ومقتنعة بالمشاركة بالتصويت وراضية ربما نسبياً على العملية السياسية.

 

هذه الرؤية ربما تفسر لماذا تحشد القوى السياسية الكلاسيكية على المشاركة بالانتخابات، ولا تشعر هذه القوى اساساً بالخشية من المشاركة العالية بالانتخابات خلافاً للفكرة التي تقول أن المشاركة الواسعة بالانتخابات ستتسبب بإزاحة الأحزاب السياسية، فهذه الأحزاب ولا سيما قوى الإطار، تعلم يقيناً أن الكثير من الجماهير "اللامبالية" أو غير المشاركة بالانتخابات، ستتأثر بمن يشتركون بالانتخابات من أقاربهم ورجالهم، وسيصوتون لذات الأحزاب التي يصوت لها المشاركون.

 

هذه الرؤية تتطلب من مفوضية الانتخابات أن لا تقتصر على إعلان نسب النساء المرشحات فحسب، بل إعلان نسب النساء والرجال من إجمالي المصوتين والمشاركين بالانتخابات، للتوصل إلى فكرة شاملة عن اتجاهات المقاطعة، ونوع المقاطعين وأسباب مقاطعتهم.


علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في الأربعاء 22 أكتوبر 2025 02:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.