سلّطت منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان، الأربعاء 15 تشرين الأول 2025، الضوء على مدونة قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الجديدة في العراق، وتأثيرها على المرأة العراقية، فيما نقلت عن متخصصين قولهم إن "المدونة تعكس آراء الأحزاب الإسلامية حول حقوق المرأة ومكانتها في الأسرة والمجتمع".
وصوّت البرلمان العراقي، في 27 آب الماضي 2025، على مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية الجديدة.
وقالت المنظمة في تقرير اطلعت عليه "الجبال"،إن "السلطات الدينية صاغت المدونة عقب تعديل على قانون الأحوال الشخصية العراقي أُقر في فبراير/شباط 2025. يسمح التعديل للزوجين عند إبرام عقد الزواج بالاختيار بين أن يحكم زواجهما وطلاقهما وحضانة أطفالهما ورعايتهم وميراثهم قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 أو مدونة الأحوال الشخصية التي وضعها الفقه الجعفري الشيعي".
ونقلت المنظمة عن الباحثة سارة سنبر، قولها: "تزيد مدونة الأحوال الشخصية الجديدة من مأسسة التمييز ضد المرأة، وتُنزلها قانونياً إلى مرتبة مواطنة من الدرجة الثانية. إنها تسلب النساء والفتيات القدرة على التحكم في حياتهن وتمنحها للرجال بدلاً من ذلك. يجب إلغاؤها فوراً".
وأوضحت سنبر، أن "المشاكل التي خلقتها مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية ليست قضايا نسائية فحسب، بل هي قضايا عراقية. إذا لم يتم إلغاؤها، فستولد مشاكل اجتماعية ستتجلى لسنوات وأجيال قادمة".
وسردت المنظمة، مضامين المدوّنة، قائلة: "تتضمن المدونة أحكاماً متعددة تتراجع عن حقوق المرأة التي ناضلت طويلاً من أجلها. على سبيل المثال، المدونة: تسمح للزوج بتحويل عقد زواجه ليخضع للمدونة بدلاً من قانون الأحوال الشخصية دون موافقة زوجته أو علمها، كما تسمح للزوج بتطليق زوجته دون إبلاغها أو الحصول على موافقتها، وتنقل مسؤولية ورعاية الأطفال تلقائياً إلى الأب بعد سن السابعة، بغض النظر عن المصلحة الفضلى للطفل، وتسمح للزوجة بأن تشترط في عقد الزواج عدم تعدد الزوجات أو الطلاق دون موافقتها، ولكن إذا أخل الزوج بهذه الالتزامات، يبقى الزواج/ الطلاق صحيحاً، حتى لو كان آثماً شرعاً".
واستذكرت المنظمة، حراك ما قبل تمرير المدوّنة والتصويت عليها في مجلس النواب العراقي، مشيرة إلى أنه "عندما قُدّم التعديل على قانون الأحوال الشخصية لأول مرة إلى البرلمان في أغسطس/آب 2024، قوبل بمعارضة شعبية واسعة وغضب من قبل جماعات حقوق المرأة. ونتيجة لحملاتهم الدؤوبة، تم إلغاء بعض أكثر الأحكام ضرراً في التعديل الأصلي، بما في ذلك بند كان من شأنه خفض الحد الأدنى لسن زواج الفتيات إلى 9 سنوات".
الشريكة المؤسسة لـ "تحالف أمان للمرأة" نادية محمود، وفي حديث لـ"هيومن رايتس ووتش"، قائلة: "نحن كمنظمات نسوية، نعارض المدونة برمتها وندعو البرلمان إلى إلغاء هذا القانون"، مشيرة إلى أن "هذه المدونة تعكس آراء الأحزاب الإسلامية حول حقوق المرأة ومكانتها في الأسرة والمجتمع. توضح المدونة أنهم لا ينظرون إلى المرأة على أنها مساوية للرجل، بل كملحق للرجل، مسؤولة عن تلبية كل رغباته".
وسردت المنظمة، قصّة سيّدة عراقية مطلّقة، تلقت بلاغاً برفع دعوى من قبل طليقها بعد تطبيق قانون الأحوال الشخصية الجعفري، بهدف إنهاء حضانتها لابنهما البالغ من العمر 10 سنوات.
وقالت المنظمة، إنه "في 11 سبتمبر/أيلول 2025، بعد عقد من طلاقها، تلقت غزل هـ. استدعاءً من المحكمة يخطرها بأن زوجها السابق قد رفع دعوى قضائية لتطبيق مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية بأثر رجعي على عقد زواجهما ولإنهاء حضانتها لابنهما البالغ من العمر 10 سنوات. وقالت إنه فعل ذلك دون علمها أو موافقتها".
وقالت غزل في حديث للمنظمة، إن "من غير المقبول أن يتزوج شخص بموجب قانون يحمي حقوق المرأة والطفل، ثم بعد أكثر من عقد من الزمان، يتلاعب بالقانون لتجريدهم من تلك الحقوق".
وأضافت غزل، أن "زوجها أصبح عنيفاً بعد فترة وجيزة من زواجهما، وأدى ضربه لها إلى إجهاض حملها الأول. في عام 2015، بعد وقت قصير من ولادة غزل لطفلهما الأول، اكتشفت أنه يخونها، وازداد العنف".
وتابعت غزل: "بدأ يهددني بالطلاق ما لم أخفض مهري المؤجل من 100 مليون دينار عراقي (76,000 دولار أميركي) إلى 10 ملايين دينار عراقي (7,600 دولار أميركي). في البداية، رفضت، لكنني وافقت في النهاية على تخفيضه إلى 50 مليون دينار عراقي (38,100 دولار أميركي) لأنني أردت الحفاظ على أسرتي وحماية ابني حديث الولادة".
وأضافت غزل: "في 16 أغسطس/آب 2015، بعد خلاف حول خيانته، اعتدى عليّ زوجي السابق بوحشية، وضربني بعقب مسدسه على رأسي وفي جميع أنحاء جسدي. تعرضت لكدمات وإصابات بالغة، بما في ذلك كسر في الضلع، وكسر في الجمجمة أثر على عصب أذني، وجروح متعددة".
بعد هذه الحادثة، قدمت غزل شكوى عنف أسري ضد زوجها. أُحيلت القضية إلى محكمة الجنح، التي أدانته بالاعتداء العمدي وحكمت عليه بالسجن لمدة أربعة أشهر، بحسب "هيومن رايتس ووتش".
وسردت المنظمة، موقف الدستور العراقي من العنف الأسري والتعسّف ضد المرأة، قائلة: "بينما يحظر الدستور العراقي صراحة كافة أشكال العنف والتعسف في الأسرة، فإن إقليم كردستان العراق فقط لديه قانون بشأن العنف الأسري. ولا يزال مشروع قانون مكافحة العنف الأسري معطّلاً في البرلمان العراقي منذ عام 2019. بدلاً من ذلك، تمنح المادة 41 (1) من قانون العقوبات العراقي الزوج سلطة قانونية لتأديب زوجته، والوالدين سلطة تأديب أطفالهما في الحدود التي يقررها القانون أو العرف. وينص قانون العقوبات على عقوبات مخففة لأعمال العنف، بما في ذلك القتل، المرتكبة بـ "دوافع شريفة" أو عند مفاجأة الزوجة أو إحدى القريبات في حالة تلبس بالزنا أو ممارسة الجنس خارج إطار الزواج".
وتابعت المنظمة في تقريرها، "في ديسمبر/كانون الأول 2015، منحت محكمة في بغداد غزل الطلاق لكنها خفضت مهرها المؤجل من 50 مليون دينار عراقي (38,100 دولار أميركي) إلى 25 مليون دينار عراقي (19,500 دولار أميركي) بحجة أن غزل تسببت في ضرر لزوجها برفعها قضية عنف أسري ضده".
وقالت غزل وفق المنظمة، إنها "منذ أن تلقت الإخطار بتحويل عقد زواجهما إلى مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية في سبتمبر/أيلول، تعيش في خوف دائم من أن يؤخذ ابنها منها".
وتساءلت غزل في حديثها للمنظمة: "كيف يمكن لأب، أُدين في قضية جنائية بالعنف الأسري، أن يُمنح الحق في أخذ حضانة طفل من الأم التي ضحت بكل شيء من أجله؟ لقد فتح القانون الجديد ثغرة تسمح له باستغلال النظام، على الرغم من أن زواجنا تم بموجب القانون رقم 188".