"شقيق فنان ومقلّد لأصوات النساء".. هل تحولت الانتخابات إلى "مسابقة شعبية"؟

"شقيق فنان ومقلّد لأصوات النساء".. هل تحولت الانتخابات إلى "مسابقة شعبية"؟ (أرشيف)

في كل دورة انتخابية، تتجلى العديد من الصور المختلفة للتنافس على مقاعد البرلمان، وبينما يرفع البعض لافتات المشاريع والرؤى والبرامج التي قد تكون واعدة، يختار البعض الآخر طريقاً أكثر اختصاراً، وأقل كلفة بالنسبة له، لكنه أشد وطأة على مفهومي الديمقراطية والدولة.

 

ومفاجئات الانتخابات العراقية لا تنقطع أبداً من ناحية الدهشة والسخرية التي تقدمها في الآن نفسه، حيث يمكن أن ترى كل الغرائب مجتمعة في اللافتات التي تعلق في الشوارع، ومنها ظاهرة "الترشح بالاستعارة"، حيث يستبدل الاسم بالنسب، وتستغل الشهرة كبرنامج انتخابي، ومثال ذلك، أحد المرشحين الذي كتب على ملصقه الانتخابي "شقيق الممثل الراحل طيب الذكر رضا طارش"، وهي حركة فضلاً عن تضمنها نوعاً من الاستغلال في استثمار اسم ميّت، لا ندري ما هو رأيه بالانتخابات أصلاً، فهي تشير إلى أن الطريق إلى مقعد البرلمان تباح كل الخصوصيات أمامه.

 

يدرك هؤلاء المرشحون أن العاطفة الشعبية هي محرك أقوى من المنطق الانتخابي. الفنانون، تحديداً، يتمتعون بحب جماهيري عابر للولاءات السياسية والمناطقية، وعندما يضاف إلى اسم المرشح لقب "شقيق الراحل"، فإن الرسالة الانتخابية تتحول من "صوت لي لأنني كفؤ" إلى "صوت لي تخليداً لذكرى من أحببت".

 

ما الذي يجب أن يتسلح به هذا القائد ليكون قادراً على إيجاد حلول حقيقية للأزمات المترسخة في الجفاف، الجماعات المسلحة، تكميم الأفواه، أزمة النفط والكهرباء، الدولار، البطالة، رواتب الموظفين، تراجع الاقتصاد والنظام الصحي، وارتفاع نسبة التضخم؟

 

لم تعد حماسة المشاركة في الانتخابات حكراً على السياسيين المخضرمين أو أصحاب الاختصاص، ففي كل دورة انتخابية، نشهد ظاهرة تضخم أعداد المرشحين، وكأن السباق تحول من منافسة على إدارة دولة معقدة إلى بطاقة يانصيب مفتوحة للجميع. هذه الظاهرة تثير تساؤلاًت عن ما الذي يجب أن يبحث عنه الناخب في مرشحه؟ وهل تكفي "النية الطيبة" أو "الأخلاق الحسنة" لقيادة بلد يواجه تحديات وجودية؟

 

إن الرأي الشائع لدى عدد كبير من الناس، والذي يقارب فكرة اختيار شريك الحياة بناء على "الأخلاق والطيبة" فقط، ينتقل بشكل مؤسف إلى صناديق الاقتراع. يقال مثلاً: "نريد شخصاً نزيهاً، أخلاقه عالية، لا يسرق"، وكأن النزاهة هي المؤهل الوحيد لإدارة أزمة جفاف، أو التفاوض على سعر الصرف، أو إصلاح نظام صحي متدهور.

 

يجد المرشحون الذين لا يملكون أي تاريخ سياسي أو خبرة إدارية عملية، والاكتفاء بالشهادة الجامعية أو الشهرة على وسائل التواصل الاجتماعي، أرضاً خصبة في هذا الجو. نرى ممثلون وإعلاميون ومشاهير يتصدرون قوائم المرشحين، وكأن إدارة شؤون البلاد هي مجرد: "تمثيل دور" أو "موجز إخباري".

 

إن الشهادة الجامعية، مهما كان تخصصها، هي أساس للتعليم، وليست بالضرورة دليلاً على القدرة على التشريع، أو وضع سياسة اقتصادية، أو قيادة مؤسسات الدولة، لأن إدارة الدولة تتطلب فهماً عميقاً للقانون الدستوري، للاقتصاد الكلي، للعلاقات الدولية المعقدة، وللقدرة على صنع القرار تحت الضغط، خاصة في بلد ما زال يتأرجح بين الدولة والميليشيا!

 

مشاهير "التيك توك" في طريق السياسة

إن المثير للقلق هو ظهور أسماء لا تتعدى شهرتها حدود وسائل التواصل الاجتماعي، أو من اشتهروا بمحتوى ترفيهي أو غير جاد، مثل التقليد أو محتوى لا يضيف أي قيمة حقيقية للخطاب السياسي. أقول إن هذا التوجه يعكس خللاً في النظم الانتخابية التي تسمح بتسلق غير المؤهلين، مما يهدد بجعل المؤسسات التشريعية والتنفيذية مجرد منصات للشهرة أو تحقيق المصالح الشخصية، بدلاً من أن تكون ساحة لصناعة القرار الوطني. إن ظهور أفراد اشتهروا بأشياء مثل "تقليد أصوات النساء" في قوائم مرشحة يطرح علامة استفهام كبيرة حول مدى جدية واهتمام الكتل السياسية باختيار الكفاءات الحقيقية.

 

لا يمكن استبعاد الخشية من أن نشهد قريباً ترشح مشاهير "التيك توك" للانتخابات، حيث باتت الشهرة، أياً كان مصدرها، هي "رأس المال الانتخابي" الجديد.

 

هذا التحول ليس ظاهرة محلية معزولة، بل هو جزء من موجة عالمية تعكس تزايد تأثير المشاهير ومنصات التواصل الاجتماعي على الحياة العامة والسياسة.

 

أمثلة عالمية لترشح ودعم المشاهير في الانتخابات

إن دمج المشاهير في العملية الانتخابية سواء كمرشحين أو داعمين ليس بجديد، وقد أخذ أبعاداً أكبر في دول مختلفة، في تركيا حيث شهدت انتخاباتها ترشيح الأحزاب السياسية لمشاهير من عالم الفن والرياضة، فمثلاً، قام حزب العدالة والتنمية بترشيح الممثل "بهادير يني شهيرلي أوغلو"، واللاعب الشهير "مسعود أوزيل" (نجم كرة القدم السابق) كان اسمه مطروحاً كمرشح محتمل.

 

وغالباً ما تستخدم هذه الطرق، لاستقطاب شرائح واسعة من الناخبين والاعتماد على الشعبية الجارفة لهؤلاء النجوم، ففي الولايات المتحدة الأميركية، كان تأثير المشاهير واضحاً في الانتخابات الرئاسية، وإن كان يغلب عليه في الغالب دور الدعم والترويج بدلاً من الترشح المباشر لمشاهير "التيك توك" تحديداً.

 

نجمة البوب العالمية "تايلور سويفت" كان لتأييدها العلني للمرشحة كامالا هاريس تأثيراً كبيراً في تحفيز الشباب على التسجيل والتصويت، بفضل قاعدة متابعيها الهائلة على إنستغرام ومواقع التواصل الأخرى، كما حظي المرشحون بدعم من أسماء لامعة في هوليوود والموسيقى، مثل جورج كلوني وبيونسيه لدعم المرشحين الديمقراطيين، وفي المقابل، حظي دونالد ترامب بدعم شخصيات رياضية وفنية مثل مصارع المحترفين "هالك هوغان".

 

لم تعد السياسة مجرد صراع بين البرامج الاقتصادية والرؤى الأمنية، بل تحولت في عصرنا إلى مسابقة شعبية تعتمد بقوة على الكاريزما والقبول العاطفي للشخصية العامة.

 

 إن هذه الظاهرة تتجلى بوضوح في المشهد العراقي، حيث يتقاطع الإعجاب الشخصي بالشخصية القيادية مع التأثير على الرأي العام، وهو ما عكسته الإجابة لإحدى النساء في برنامج ميداني حين سألت عن "فتى أحلامها"، فكان الرد: "محمد السوداني... كلش أحبه، حلو إذا يجيني واحد أريده نفس محمد شياع السوداني". إن هذه الإجابة، بغض النظر عن سياقها الفكاهي أو العفوي، تكشف عن حقيقة في تفاعل الجمهور مع السلطة، إذ أن القبول العاطفي قد يسبق ويطغى على التقييم الموضوعي للأداء السياسي.

 

ما الذي يراه الجمهور في السوداني؟

ما الذي فعله السوداني ليحظى بهذا القدر من القبول الذي يتجاوز الإطار السياسي التقليدي ليدخل في حيز "الإعجاب الشخصي"؟ ربما لأن السوداني اشتغل على مساحة حرمان الناس من رؤية المشاريع لسنوات طويلة، وهو ما يفسر غياب الأسئلة عن جدوى هذه المشاريع، وهل ستحل فعلاً أزمة الاختناقات المرورية، أو تحل أزمات اخرى، أو لماذا لم يقترب السوداني من الأزمات السياسية الأعمق، ومنها السلاح والفساد ببنيته العميقة وقضايا أخرى كبرى. ربما أيضاً، هو ظهور صورة السوداني "المنقذ" الهادئ في بيئة سياسية تتسم بالصخب والنزاعات المستمرة، فقد يمثل السوداني "صورة القائد المستقر والمنجز بهدوء، الذي يركز على الخدمات المباشرة للناس (مثل الكهرباء والطرق) التي تلامس حياة المواطن اليومية"، مما يخلق رابطاً بينه وبين تحسن ملموس في حياتهم، خاصة وإن الناس البسطاء لا يعرفون عن السياسة شيئاً سوى أنهم يريدون الخدمات التي تلامس عيشهم، كما أنهم، وهذا الأهم، لا يدركون أسباب "الهدوء" الذي خلفته الاشتباكات على أبواب الخضراء كمثال!

 

وبغض النظر عن الموقف السياسي، غالباً ما يتبنى رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني خطاباً يركز على "البناء" والابتعاد عن لغة التخوين والصراع السياسي الحاد، مما يجعله أكثر قبولًا بالنسبة للناس، الذين ليسوا معنيين أيضاً بضريبة وجود شخص "غير سياسي" على رأس بلد ملتهب في جغرافية معقدة. شخص يعتقد أن الحديث بـ"التنمية" سيجلب التنمية وحسب.

 

وفي المقابل، تبرز مفارقة أخرى تؤكد على سيطرة معيار الشهرة على الساحة الانتخابية، ففي خضم الحديث عن قوة الشخصية القيادية، أثارت قوائم المرشحين التابعة للسوداني جدلاً واسعاً، خاصة بترشيح شخصية لم يكن يعرف عنها شيء سوى امتلاكها قاعدة متابعين بسبب تقليد أصوات النساء. هذا يكشف عن استخدام صريح لـ "مؤثري السوشيال ميديا" كوقود انتخابي، ولا عجب في الانتخابات القادمة، أن نرى بعض الأشخاص الذين أدوا العديد من الأدوار التي أقل ما يقال عنها سخيفة في "التيك توك" أو منصات أخرى، كبرلمانيين يقررون عن الشعب في هذه البلاد العجيبة.

إيناس فليب شاعرة وصحفية

نُشرت في الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 03:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.