كوردستان الملاذ الآمن للنازحين.. رواية النزوح الملتهبة التي أخمد نيرانها برد الجبال الشامخة

7 قراءة دقيقة
كوردستان الملاذ الآمن للنازحين.. رواية النزوح الملتهبة التي أخمد نيرانها برد الجبال الشامخة

على وقع أزيز الرصاص ودوي المدافع وصوت الطائرات، انطلقت أكبر هجرة في تاريخ العراق المعاصر من نحو5 محافظات بعد سقوطها بيد تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، حيث اندلعت معارك ضارية هناك فوق رؤوسهم، كان الموت يحيط بهم من كل جانب، لم يكن هناك أي مفر سوى بعض منافذ هربوا منها متجهين إلى حيث الملاذ الآمن الوحيد في العراق، نحو إقليم كوردستان شمالي البلاد، هناك حيث لا فصائل، ولا دواعش، ولا انفلات أمني، هناك حيث الأمن والاستقرار والقانون الذي يخضع له الجميع.

 

كان الكورد يقفون في المنافذ الحدودية للإقليم لاستقبال إخوتهم الفارين من الموت رجالاً ونساءً شيباً وشباباً وأطفالاً، فاحتضنوهم وأدخلوهم في كنفهم ليتنفسوا شيئاً من الصعداء، بعد أن كانت رئاتهم تتحسر على بعض هواء نقي خال من رائحة البارود.

 

"كان الموت يحيط بالنازحين من كل جانب حتى وصلوا كوردستان"، رئيس منظمة أمل والناشط الإنساني عامر الدليمي تحدث عن تلك الساعات المريرة التي عايش فيها رحلة النزوح لأهالي الأنبار، مبيناً أن" أهالي محافظة الأنبار كانوا أول النازحين عام 2014 نحو إقليم كوردستان بعد احتلال مناطقهم من قبل العصابات الظلامية واندلاع الحرب".

 

وقال: "ألموت كان يحيط بالجميع من كل جانب، نساء وأطفال وشيوخ ماتوا في الطرق الصحراوي خلال رحلة الهرب من الموت الذي يلاحقهم، كانت هجرة عظيمة لم يشهدها تاريخ العراق الحديث، تلتها هجرات أخرى من نينوى وصلاح الدين وديالى وحزام بغداد وكركوك، كلهم اتجهوا نحو كوردستان حيث الأمن والأمان هناك".

 

ويرى الدليمي أنه لولا وجود إقليم كوردستان الآمن المتمتع بحكم ذاتي وإدارة حكيمة غير خاضعة كلياً لسلطة بغداد، لوقعت حينها أكبرمذبحة في تاريخ العراق القديم والحديث ولتعرض النازحون لأضعاف أضعاف ما وقع عليهم من إجراء عصابات تنظيم داعش والميليشيات، لكن كان وجود الإقليم علامة فارقة أسفرت عن تأمين ملايين النازحين الأبرياء وحفظ دمائهم وأعراضهم وأرواحهم وأموالهم".

 

ضغط هائل تعرض له إقليم كوردستان

 

"موجات النازحين بدأت بالتدفق تباعاً من المحافظات التي احتلها تنظيم داعش الإرهابي منذ مطلع عام 2014، مئات آلاف تلو أخرى دخلت الإقليم حتى فاق عدد النازحين إليه ثلاثة ملايين شخص، وهو رقم كبير يشكل ضغطاً اقتصادياً على قدرات الإقليم. لكن الحكومة والإدارة السياسية والأمنية هناك، تمكنت من إمساك زمام الأمور بروية وحكمة منقطعة النظير" حسب قول الناشط الإنساني عبد الودود الحديدي.

 

ويضيف الحديدي أن" ما يشكل فارقة تاريخية لإقليم كوردستان أنه حينما حاول النازحون من محافظة الأنبار دخول العاصمة بغداد منعتهم السلطات الحكومية واشترطت إدخالهم بكفيل وتركتهم يموتون حراً وجوعاً ومرضاً وعطشاً عند معبر بزيبز المشؤوم" لكنهم بعد تدخلات دولية وإقليمية توجهوا إلى الإقليم الذي استقبلهم بالأحضان وأزال عن قلوبهم لهيب الخوف".

 

علاقات اجتماعية وثيقة بين العرب والكورد

 

قائممقام مدينة الرمادي إبراهيم العوسج قال في تصريح خاص لمنصة "الجبال" إن "موقف الإقليم كان كبيراً جداً ومشرفاً للغاية فيما يتعلق باستقبال النازحين منذ بدء عملية النزوح نهاية عام 2013 ومطلع 2014 حتى العودة إلى مناطقهم، وقد كانت وما زالت العلاقات أخوية مع الإقليم وهناك روابط قوية جداً بين أهلنا في المحافظات الغربية مع أهلنا في إقليم كوردستان والحمد لله".

 

وأضاف: "موقف حكومة إقليم كوردستان تجاه النازحين ترفع له القبعة، مشرف جداً، وقطعاً كان الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي الذي يشهده الإقليم من أهم أسباب الاستيعاب الكبير للنازحين من المحافظات الغربية. فالإدارة الذاتية الناجحة لإقليم كوردستان جعلت الإخوة الكورد يمتلكون حرية كبيرة في اتخاذ قرار استيعاب أهلهم من المحافظات الجنوبية سابقاً دون مشاكل، وهذا الأمر كان عاملاً مساعداً لأبناء المحافظات الغربية للسكن في محافظات إقليم كوردستان لسنوات طويلة بلا مشاكل، وهو ما دفع كثيرين منهم إلى الاستقرار بشكل دائم هناك".

 

اليوم أصبحت العلاقة العربية الكوردية في أوج عظمتها وكان النزوح من أهم عوامل النجاح في دعم هذه العلاقات وتطويرها، وقد استوعب إقليم كورستان أكثر من 3 ملايين نازح من عدة محافظات، وقامت حكومة الإقليم بأدء عمل كبير جداً تستحق الشكر والثناء عليه.

 

لا يزالون يعيشون في إقليم كوردستان

 

كثير من النازحين بعد تحرير مدنهم لم يعودوا إليها لأسباب عديدة، فمنهم من لم يبق له ما يعود إليه، الدمار كبير، والتعويضات غائبة حتى الآن، ومنازل مدمرة بالكامل، ومنهم من تأقلم ووجد عملاً أو أسّس أسرة أو أصبح إقليم كوردستان جزءاً لا يتجزأ من روحه وتركيبته الاجتماعية، حسب قول رامي العلواني، معتبراً أن إقليم كوردستان ترك اثراً جميلاً جداً في نفس وقلب وعقل كل نازح عربي من كل المحافظات المنكوبة.

 

ويشير العلواني إلى أن "بدايات النزوح ولحظات الوصول إلى منافذ إقليم كوردستان كانت لاتنسى فهي أشبه بالخروج من النار والتوجه إلى دخول الجنة، لا أحد يفهم كم كان الألم كبيراً خلال رحلة النزوح فالأطفال تصرخ والنساء تبكي والقصف ووابل الرصاص ينهال من كل مكان، كان الجميع يريدون النجاة بحياتهم وكأنه يوم القيامة".

 

ويتابع العلواني: "هناك الكثيرمن النازحين لم يعودوا بعد تحرير مناطقهم،  إما بسبب الدمار الكبير الذي لحق بمنازلهم وممتلكاتهم وعدم قدرتهم على إعادة بنائها لعدم وجود تعويضات حتى الآن، أو لأنهم تأقلموا في كوردستان وأسسوا أعمالهم الخاصة وتزوجوا وتصاهروا مع الإخوة الكورد، ففضلوا البقاء في الإقليم حيث القانون والأمن والأمان والاحترام والحرية الحقيقية".

 

وهو ذات ما تراه "أم سامي" التي نزحت مع أولادها وبناتها من مدينة الرمادي إلى إقليم كوردستان في منتصف عام 2014. تقول أم سامي: "ضاقت بنا الأرض ولم يبقَ لنا متسع فتوجهنا إلى طرق صحراوية للوصول إلى منفذ بزيبز عسى ولعل أن نستطيع المرور إلى العاصمة بغداد، ولكن للأسف تفاجأنا بإغلاق المعبر في وجوهنا بعد رحلة طويلة عبر الصحراء لأيام وطلبوا منا كفيلاً للسماح لنا بدخول بغداد".

 

تتابع أم سامي قصتها "بعد أيام وأسابيع، ونحن عشرات الآلاف من النازحين في العراء أمام المعبر، سمح لنا بالمرور ولكننا قررنا أن نتوجه إلى إقليم كوردستان لأننا فقدنا الثقة بالحكومة المركزية في بغداد بعد ما فعلته بنا، وحينما وصلنا إلى أبواب الإقليم وجدنا الأهل والإخوة والأحبة هناك فاستقبلونا ورحبوا بنا وفتحوا لنا أبوابهم وقلوبهم. وما نزال نعيش بينهم معززين مكرمين ولم أعد أستطيع مفارقتهم ولا مفارقة كوردستان الحبيبة".

نُشرت في الاثنين 8 يوليو 2024 11:11 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.