عاد الحديث مرة أخرى عن امكانية حذف الأصفار من العملة المحلية، حيث تدرس الحكومة خياراً جريئاً يتمثل في تغيير الدينار العراقي لجلده، هذه الخطوة وإن كانت تحمل وعوداً بتبسيط المعاملات المالية، إلا أنها تثير المخاوف بشأن آثارها على الاقتصاد والمواطنين، خصوصاً في ظل التضخم الذي تشهده الأسواق منذ فترة طويلة.
وخلال الشهر الجاري، كشف محافظ البنك المركزي العراقي، علي محسن العلاق، عن معلومات جديدة تخص مشروع حذف الأصفار في العراق، مشيراً إلى أن "المشروع يحظى بمراجعة ودراسة مستمرة مع الأخذ بعين الاعتبار وجود حجم عملة مصدرة تجاوزت الـ 100 تريليون دينار بعد أن كانت 6 تريليونات في عام 2004".
وتتخذ العديد من الدول خطوة حذف الأصفار من عملتها لإعادة تقييم العملة الوطنية الخاصة بها، وتسهيل المعاملات المالية من خلال إزالة عدد معين من الأصفار من القيمة الاسمية للعملة، مما يجعلها تبدو أقل تضخماً وأكثر استقراراً.
تجربة 60 دولة
يقول مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، إن "حذف الأصفار من العملة المحلية هو سياق جرى في أكثر من 60 دولة خلال السنوات الماضية"، موضحاً أن "هذه الخطوة تأتي بعد حصول تضخم اقتصادي في الدول وبالتالي تلجأ إلى حذف الأصفار من أجل مجارات الأسعار في الأسواق".
وفي حديث لـ "الجبال"، يتابع صالح قائلاً إن "كثرة الأصفار ضاعفت من القيمة النقدية للنقود الآن"، مضيفاً أن "لابد تحقيق استقرار سياسي و اقتصادي قبل اللجوء إلى حذف الأصفار".
وبحسب صالح، فإن عملية حذف الأصفار سيسهل عملية التداول المالي، فضلاً عن تسهيل العمليات الحسابية، لا يؤثر على قيمة العملة وجميع السلع في السوق، مشيراً إلى أن هذه العملية ستتيح أيضاً قضية تداول العملات الصغيرة في الأسواق ما يدعم الطبقة الفقيرة من المجتمع.
وصادق مجلس الوزراء العراقي (7 شباط 2023)، على قرار مجلس إدارة البنك المركزي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، بما يعادل 1300 دينار للدولار الواحد بعد أن كان 1480 دينارا لكل دولار، الأمر الذي تسبب بحسب المراقبين بتراجع قيمة الدينار العراقي في الأسواق بشكل ملحوظ.
ماذا عن قيمة الدينار؟
إلى ذلك يقول الخبير المالي، محمود داغر لـ "الجبال"، إن "هناك لجنة عليا مشكلة داخل البنك المركزي تواصل مباحثات ودراسة حذف الأصفار من العملة المحلية للعراق"، مبيناً أن "الأرقام الموجودة على العملة أصبحت كبيرة جداً وهو السبب الرئيس وراء هذه العملية".
ويضيف داغر، وهو مرشح لشغل منصب كبير في البنك المركزي، أن "أبرز النقاط الإيجابية جراء حذف الأصفار من العملة هو تعزيز الجانب النفسي للعملة من خلال تقليل حجم التحاسب"، مستطرداً بالقول "حذف الأصفار لا يغير من قيمة النقود ولا يؤثر على حجم الطلب والكتلة النقدية".
"العراق حالياً لديه أصدار نقدي يفوق الـ 100 تريليون دينار"، والكلام لداغر، الذي أشار إلى أن "هناك نقطة سلبية مترتبة على هذه العملية وهي التكاليف المالية الكبيرة لتغطية هذه العملية، وبالتالي اللجنة بحاجة إلى دراسة جميع الجوانب الاقتصادية قبيل اتخاذ القرار النهائي".
ووفقاً لحديث داغر، فإن تغيير العملة سيؤدي إلى سيطرة البنك المركزي على حجم السيولة النقدية الموجودة خارج النظام المصرفي ومعرفة حجم العملة الموجودة، مؤكداً أن هذه العملية ستعمل على كشف التلاعب والسرقات المالية وغيرها.
وبحسب البيانات المتداولة فإن الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي العراقي تغطي 83.62% من عرض النقد بمفهومه الواسع، مما يكفي لتغطية تكلفة استيراد لمدة 15 شهراً، بينما النسبة المعيارية العالمية تبلغ 20%.
الآثار المتوقعة
وبحسب رؤية المختصين فإن عملية حذف الأصفار من العملة المحلية العراقية لها العديد من الإيجابيات، كما لها سلبيات ويمكن تلخيصها بالآتي :
وتتضمن الإيجابيات؛ أولاً: تبسيط الحسابات حيث سيساهم حذف الأصفار في تبسيط العمليات الحسابية وتسهيل التعامل مع الأموال.
ثانياً: تحسين صورة العملة حيث أن حذف الأصفار قد يعطي انطباعاً بأن العملة العراقية أصبحت أكثر استقراراً وقوة.
ثالثاً: جذب الاستثمارات كون هذه العملية قد تشجع المستثمرين على ضخ أموالهم في الاقتصاد العراقي.
اما السلبيات:
أولاً: تكاليف عالية حيث يتطلب تنفيذ هذا المشروع تكاليف كبيرة لتغيير الأوراق النقدية والمعدنية، وتحديث أنظمة الدفع الإلكتروني.
ثانياً: ارتباك مؤقت اذ أن المواطنين قد يواجهون بعض الارتباك في الفترة الأولى بعد تطبيق القرار.
ثالثاً: عدم كفاية الإصلاح حيث أن حذف الأصفار ليس سوى إجراء واحد من العديد من الإجراءات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
خطوات لتقوية الدينار
وفي هذا الصدد، يقول دريد الشاكر العنزي، وهو خبير اقتصادي لـ "الجبال"، إن "محاولات البنك المركزي كثيرة جداً تجاه تحسين واقع العملة المحلية إلا أنها دائماً ما تأتي دون فائدة".
ويمتلك البنك المركزي نحو 115 مليار دولار، و140 طناً من الذهب، بالإضافة إلى 43 مليار دولار كسندات الخزينة المركزية، و36 مليار دولار متراكم في الادخارات في الفدرالي المودعة في (جي بي موركان)، إلا أنها "لم ولن تؤثر على قوة العملة العراقية"، بحسب الخبير الاقتصادي.
ويرى العنزي، أن "ربط تقييم العملة العراقية بشكل كامل مع الدولار من خلال التفاوض مع الفدرالي الأميركي، سيسمح بتحسين قوة الدينار العراقي"، مؤكداً أن هذه الخطوة ستجعل من الدينار العراقي "أقوى من الأردني".
ويشير العنزي، إلى أن "خطوة حذف الأصفار غير مفيدة لتحسين قيمة الدينار العراقي مقارنة بدول المنطقة"، معتبرا أنها "خطوة ستعمل على تغيير التعاملات الرقمية فقط وليس لديها أي قيمة ايجابية".