انشقاقات تعصف بـ"تقدم" وتمرّد غير معلن.. كيف خسر الحلبوسي ثقة أقرب رجاله؟

انشقاقات تعصف بـ"تقدم" وتمرّد غير معلن.. كيف خسر الحلبوسي ثقة أقرب رجاله؟ رئيس حزب "تقدّم" محمد الحلبوسي خلال إلقائه كلمة

منذ تأسيسه عام 2019، استطاع حزب "تقدم" بقيادة رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، أن يكون لاعباً محورياً على الساحة السياسية العراقية، محاطاً بقاعدة جماهيرية ووعود بالإصلاح والبناء، إلا أن السنوات الماضية كشفت عن هشاشة في الولاءات السياسية، واهتزاز في المشهد الداخلي للحزب، فالانشقاقات المتتالية عن الحزب - الذي كان يُشار إليه مجازياً بالباص البرتقالي - بدأت تُفقده ركّابه حتى بات السؤال: هل بدأ هذا الباص بالتعطل؟

 

تذكير بالتصدّع 

في يونيو 2024، أعلن النائب زياد الجنابي مع 10 نواب آخرين انسحابهم من حزب "تقدم" لتشكيل كتلة جديدة باسم "المبادرة" مبررين ذلك بـ"كسر حالة الجمود السياسي" وفشل الحزب - أي تقدم - في انتخاب رئيس جديد للبرلمان آنذاك.

 

هذه الخطوة مثّلت ضربة قوية للحلبوسي وأعادت أزمة البرلمان إلى المربع الأول، لكن هذه الانشقاقات لم تكن الأولية، بل سبقتها إقالات واستقالات أخرى على المستويين المحلي والمركزي، أكّدت وجود انقسام داخلي واضح داخله وفقاً لما أورده الباحث محمد التميمي الذي أكد أن ذاك يعكس وجود "تمرد غير معلن".

 

ولم تقتصر الانشقاقات على النواب فقط، ففي الأنبار وعدة محافظات أخرى، شهد حزب "تقدم" انسحابات متكررة حيث انضم عدد من المرشحين إلى صفوف أحزاب أخرى واختاروا ترك "الباص البرتقالي".

 

وما بين انشقاقات "تقدم" وتأسيس "المبادرة"، تحولت التوازنات داخل المكون السني تدريجياً، إذ رحبت أحزاب مثل "السيادة" وتحالف "العزم" بالمنشقين، ما عكست تغيّراً في التزامات الأغلبية.

 

تسلسل تاريخي مبسّط للانشقاقات

14 كانون الأول 2023: في منزل خميس الخنجر، وقعت مشاجرة كلامية تحولت إلى اشتباك بالأيدي بين محمد الحلبوسي والنائب سالم مطر، بحسب رواية مشعان الجبوري اللاحقة، هذا الحدث مثل بداية مفتوحة للصراعات داخل التحالف السني وجاء تعبيراً عن عمق التوترات داخله.

 

شباط 2023: أعلن أربعة نواب انسحابهم من حزب "تقدم": فلاح الزيدان، لطيف الورشان، عادل المحلاوي، ويوسف السبعاوي، وكانت مبرراتهم عدم وجود شراكة حقيقية وعدم مقابلة آراءهم ضمن اتخاذ القرار.

 

وفي نفس تلك الفترة، أعلن النائب رعد الدهلكي انسحابه، كما أثار النائب ليث الدليمي قضية الاستقالات المسبقة التي أدّى توقيعها – حسبه - إلى انتهاكات تستهدف حريته، حيث وجّه اتهامات للحلبوسي بمحاولة فرض الولاءات عبر ضغط سياسي داخلي.

 

في الربع الأول من 2024، تصاعدت الانشقاقات محلياًً، وفي أذار من العام المذكور، أعلن أربعة من أعضاء الحزب الذين فازوا في انتخابات مجالس المحافظة تشكيل تحالف خارجي، بعد شعورهم بتنصل الحلبوسي عن التعهدات تجاه الولاية المحلية.

 

وفي 15 نيسان 2024، استقال رئيس الكتلة البرلمانية، شعلان الكريم، من حزب "تقدم" ورشّح نفسه لرئاسة البرلمان كمرشح مستقل، وجاءت هذه الخطوة تعبيراً عن تصاعد الاحتقان الداخلي واتساع دائرة الانقسام.

 

وفي 19 نيسان 2024، فقد انسحب في الأنبار ومحافظات أخرى، عدد من الشخصيات البارزة مثل أحمد الكريم وعضو مجلس محافظة الانبار الشيخ علي الكريم، احتجاجاً على ما وصفوه بـ "صنع الطبقية والتمييز" داخل حزب تقدم.

 

إما في منتصف 2024 إلى آواخر 2025، فقد بدأ الانفصال الجماعي، إذ وفي تاريخ  6 حزيران 2024 شهدت اللحظة الأبرز، حيث أعلن 11 نائباً برلمانياً وعضوان في مجلس محافظة بغداد انشقاقهم عن "تقدم" وتأسيس كتلة "المبادرة" في خطوة شكّلت ضربة قوية مؤسساتياً، وفقد الحزب بذلك ثلث عضويته البرلمانية تقريباً.

 

وفي 27 نيسان 2025: أعلنت رفاه الزوبعي، عضو مجلس محافظة بغداد، انسحابها من كتلة "تقدم" احتجاجاً على الإقصاء ومحاربة العمل الجماعي، بعد محاولات متعددة لتصحيح المسار داخل الحزب لم تجد استجابة له بحسب تعبيرها.

 

تمرد غير معلن 

يرى الباحث في الشأن السياسي، محمد التميمي، أن ما يجري داخل حزب تقدم لا يقتصر على الانسحابات المعلنة في وسائل الإعلام، بل هناك "انشقاقات غير معلنة وتمرد داخلي متنامٍ" ضد قيادة رئيس الحزب محمد الحلبوسي. 

 

وقال التميمي في حديث لمنصة "الجبال"، إن "الحزب يمر منذ فترة طويلة بمرحلة تصدع داخلي"، مشيراً إلى أن استمرار هذا النزيف قد يؤدي إلى انهيار بنيته التنظيمية وفقدانه القدرة على الصمود في وجه التحديات المقبلة.

 

وأكد أن قوة الحزب وتماسكه في السابق كانت مرتبطة بموقع الحلبوسي على رأس البرلمان، إذ وفّر هذا المنصب نفوذاً سياسياً ودعماً مالياً مكن الحزب من استقطاب قيادات وأعضاء، إلا أن خروجه من رئاسة المجلس أفقد "تقدم" الكثير من وزنه، لتبدأ موجة انشقاقات متتالية وصلت إلى حد انسحاب قيادات بارزة، مثل شعلان الكريم، الذي كان يشغل منصب رئيس الكتلة النيابية ومرشح الحزب لرئاسة البرلمان.

 

وفي السياق ذاته، كشف أمين عام حزب الانتماء الوطني، حكمت الدليمي، أن أسباب الاستقالات المتتالية داخل تقدم تعود إلى طبيعة الانتماء للحزب منذ البداية، موضحاً أن العديد من الشخصيات التحقت به بدافع النفوذ والسلطة والمال، لا على أساس مشروع سياسي واضح أو رؤية فكرية جامعة. 

 

وقال الدليمي لـ"الجبال" إن "ما إن فقد الحزب عنصر القوة المتمثل بالمنصب والموارد، حتى بدأ يتداعى ويتعرض لانهيارات متتالية".

 

وأشار الدليمي أيضاً إلى أن "الأزمة داخل الحزب تجاوزت الانشقاقات لتتحول إلى عداوات علنية، إذ باتت القيادة تهاجم أي قيادي يستقيل وتكيل له الاتهامات، وهو ما حدث مع شعلان الكريم، الذي تحول من شخصية قيادية محورية إلى هدف لحملة تشويه بعد انسحابه".

 

وبحسب مراقبين، فإن هذه الانشقاقات المستمرة تعني أن تقدم مقبل على مرحلة حرجة، قد تشهد انسحابات جماعية أوسع تفقده نفوذه داخل البرلمان وتضعف حظوظه في الانتخابات المقبلة. فالحزب، الذي كان يطمح لتصدر المشهد السني عبر حصد ما يقارب 40 مقعداً في البرلمان المقبل، قد يجد نفسه في موقع الدفاع عن البقاء، وسط تمدد منافسيه مثل تحالفي السيادة والعزم.

 

وتكشف مصادر سياسية من داخل الأنبار أن حزب "تقدم" يواجه مؤخراً أسوأ مراحله التنظيمية مع تصاعد موجة الانشقاقات في صفوف قياداته، والتي لم تعد مجرد حالات فردية، بل تحولت إلى ظاهرة تهدد بنية الحزب من الداخل.

 

فبحسب مصدر مسؤول تحدث لـ"الجبال"، فإن القيادي فوزي الدليمي عن تنظيمات قضاء أبو غريب أعلن انسحابه رسمياً من الحزب، وذلك بعد وقت قليل من انسحاب القيادي البارز بشير الدليمي، نتيجة خلافات سياسية عميقة مع الحلبوسي، الذي رفض مقترحات قيادات حزبية كانت تطالب بتصحيح مسار الحزب وإبعاده عن القرارات الفردية.

 

المصدر أكد أن عدداً آخر من القيادات يعتزمون ترك الحزب خلال الأيام المقبلة والانضمام إلى تحالفات سياسية منافسة، وهو ما قد يضع الحلبوسي في مأزق انتخابي صعب، خصوصاً مع عجزه عن إيجاد بدائل تحمل نفس الثقل العشائري والسياسي في محافظات مثل الأنبار وصلاح الدين وكركوك.

 

وتشير الكواليس إلى أن السبب الجوهري وراء هذه الانشقاقات يعود إلى اتهام الحلبوسي باستخدام الحزب كأداة لتحقيق مصالح شخصية ومادية، بدلاً من تبنيه مشروعاً سياسياً وطنياً جامعاً، حيث ولّد هذا السلوك حالة استياء متصاعد داخل قواعد الحزب وقياداته، ودفع الكثير منهم للتفكير الجدي بالانسحاب.

 

ارتباط الانشقاقات بالانتخابات المقبلة

وفق متابعة دقيقة من منصة "الجبال" فإن هذه التطورات تأتي في وقت حساس للغاية، حيث لم يتبق سوى شهرين على الانتخابات النيابية المقررة في تشرين الثاني 2025، بينما يحاول الحلبوسي تصوير "تقدم" كخيار سني أول، فإن الواقع على الأرض يشير إلى تصدع داخلي غير مسبوق.

 

ووفق متابعتنا، فإن الانسحابات الأخيرة تقوض قدرة الحزب على خوض المعركة الانتخابية بزخم موحد، وتضعف موقفه أمام منافسيه مثل تحالف "السيادة" بزعامة خميس الخنجر و"العزم" بقيادة مثنى السامرائي.

 

وقد تعيد هذه الانشقاقات تشكيل الخريطة السياسية السنية، عبر إضعاف موقع الحلبوسي داخل الأنبار، التي لطالما اعتبرها "منصته السياسية"، وتحويلها إلى ساحة مفتوحة أمام قوى أخرى لاستقطاب القيادات المنشقة.

 

قيادات محلية تعتبر أن الحلبوسي فقد القدرة على ضبط إيقاع الحزب، وأن الانشقاقات ستستمر بوتيرة متصاعدة كلما اقترب موعد الانتخابات، ما يجعل مشروعه السياسي مهدداً بالانهيار التدريجي.

 

في النهاية، تكشف هذه المعطيات أن حزب "تقدم" لم يعد الكتلة الصلبة التي دخل بها الحلبوسي انتخابات 2021، بل تحوّل إلى حزب مأزوم ومفتت "بفعل الانقسامات الداخلية وسوء الإدارة"، وإذا استمرت موجة الانشقاقات بنفس الوتيرة، فإن الحلبوسي قد يواجه أسوأ نتائجه الانتخابية منذ دخوله المعترك السياسي، لتكون الانتخابات المقبلة بمثابة استفتاء شعبي على تراجع نفوذه وفشل مشروعه القيادي. 

الجبال

نُشرت في الأربعاء 17 سبتمبر 2025 12:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.