الاستفتاء وصوت الملايين.. وميديا ئاڤا الكلمة التي كسرت الصمت

الاستفتاء وصوت الملايين.. وميديا ئاڤا الكلمة التي كسرت الصمت الاستفتاء في الإقليم (مواقع التواصل)

هناك محطات في حياة الشعوب لا تُقاس بميزان الزمن العادي، بل تُقاس بعمق أثرها في الوجدان الجمعي، وبما تتركه من علامات فارقة في مسار التاريخ. ولعل الشعب الكوردي عاش في العقد الأخير مناسبتين تندرجان في هذا الإطار: الأولى هي الاستفتاء التاريخي الذي أجري في كوردستان، والثانية هي ولادة ميديا ئاڤا، القناة الإعلامية التي تحولت في ظرف قياسي إلى صوت مسموع ورمز للجرأة في قول الحقيقة.

 

هاتان المناسبتان على اختلاف طبيعتهما – إحداهما سياسية شعبية والأخرى إعلامية ثقافية – تلتقيان في الجوهر، لأنهما تنبعان من إرادة الشعب وصوت الشعب.

 

أولاً: الاستفتاء… حلم تحول إلى واقع

كان يوم الاستفتاء في كوردستان أكثر من مجرد استفتاء سياسي على حق تقرير المصير؛ كان لحظة وعي جماعي، يومًا اجتمع فيه الشعب الكوردي لأول مرة في تاريخه الحديث على كلمة واحدة. الملايين خرجوا من المدن والقرى والجبال، الكبار قبل الصغار، النساء قبل الرجال، ليقولوا بصوت واحد: نعم للاستفتاء.

 

لم يكن ذلك اليوم عادياً، بل كان يوماً ارتفعت فيه الهوية الوطنية فوق الخلافات الحزبية والاصطفافات السياسية. كان مشهداً مهيباً يختزل قروناً من النضال، وصراعاً طويلاً مع سياسات الإلغاء والتهميش. كانت الحشود وهي تردد نعم لا تعلن مجرد موقف سياسي، بل كانت تقول للعالم: نحن هنا، موجودون، ونستحق أن نحيا بكرامة على أرضنا.

 

ورغم الضغوطات الإقليمية والدولية، ورغم الانقسامات الداخلية ومحاولات إفشال المسار، فإن الاستفتاء ترك بصمته كـ وثيقة تاريخية في يد الكورد، يمكن أن تُستثمر في أي لحظة كـ (ورقة رابحة) في مستقبل التفاوض والسياسة. فقد أثبت أن حق تقرير المصير لم يعد شعاراً نخبوياً، بل أصبح إرادة شعبية موثقة بأصوات الملايين.

 

لقد مثّل الاستفتاء تثبيتاً للهوية الوطنية الكوردية في مواجهة كل محاولات الطمس، وكان بمثابة قبض حق الحياة كما عبّر الكثيرون. وبهذا المعنى، فإن ذلك اليوم لم يكن مجرد إجراء انتخابي، بل كان إعلاناً عن أن الحلم الذي راود الأجيال أصبح حقيقة ملموسة، حتى وإن تعثر في طريق التنفيذ.

 

ثانياً: ميديا ئاڤا… صوت جاء متأخراً لكنه كان ضرورياً

بعد سنوات من المشهد الإعلامي الكوردي الذي غلبت عليه إما الحزبية الضيقة أو الخطاب التقليدي، جاءت ميديا ئاڤا لتكسر القالب. ولدت في ظرف صعب وزمن قصير للغاية، لكنها خلال عام واحد فقط استطاعت أن تتحول إلى القناة الأولى في نظر كثير من المشاهدين.

 

ما يميز (ئاڤا) لم يكن فقط جودة صورتها أو برامجها، بل الجرأة في الطرح. منذ أيامها الأولى، اختارت أن تدخل المناطق المحظورة في النقاش العام: قضايا حساسة، ملفات سياسية ملتهبة، أسئلة طالما تجنبتها القنوات الأخرى. هذه الجرأة لم تكن مجرد خيار مهني، بل كانت قراراً استراتيجياً من القائمين عليها، الذين أدركوا أن الشعب بحاجة إلى منبر يعكس صوته الحقيقي بلا تزييف ولا خوف.

 

النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تكاتف فريق متنوع: مدراء، محررون، مراسلون، مقدمو برامج، مذيعون، جميعهم اجتمعوا على هدف واحد: جعل المواطن يجد نفسه على الشاشة. ومن هنا تحولت (ميديا ئاڤا) إلى شاشة الناس، القناة التي يمر عليها المشاهد قبل غيرها ليعرف ماذا يجري.

 

أصبح المواطن حين يتنقل بين الفضائيات يتوقف عند (ئاڤا) لأنها لا تنقل الحدث فقط، بل تبحث عن خلفياته، تناقش أسبابه، وتفتح المجال للحوار الجريء. لا حدث يمر من دون أن يكون لـ(ئاڤا) موقف منه، ولا قضية تثار من دون أن تجد مكانها في برامجها.

 

ومن اللافت أن (ئاڤا) لم تكتف بتقديم نشرات أخبار أو برامج حوارية تقليدية، بل خلقت جوًّا تفاعلياً حيّاً، جعلت المواطن شريكاً لا متفرجاً. في عامها الأول فقط، رسخت لنفسها مكانة جعلتها ضرورة إعلامية وليست مجرد قناة جديدة.

 

بين الحلم والإعلام: لقاء الإرادة بالصوت

قد يبدو للبعض أن الاستفتاء وميلاد "ميديا ئاڤا" مناسبتان منفصلتان، لكن إذا نظرنا بعمق نجد أنهما وجهان لعملة واحدة: الإرادة الشعبية.

 

في الاستفتاء، عبّر الشعب عن إرادته بالتصويت والوقوف في طوابير طويلة ليقول للعالم: نعم، نحن نريد أن نقرر مصيرنا.

 

وفي (ميديا ئاڤا) عبّر الشعب عن حاجته لصوت إعلامي يجرؤ على طرح ما لا يقال، ووجد نفسه على الشاشة، فارتبط بها واعتبرها مرآته.

 

كلا المناسبتين تعكسان الحقيقة نفسها: أن الشعب الكوردي لا يرضى بالصمت، ولا يقبل التهميش، سواء على مستوى الحقوق السياسية أو على مستوى حرية الكلمة.

 

التوقيت… والدلالة

ربما جاء الاستفتاء في لحظة صعبة، وربما جاءت (ميديا ئاڤا) متأخرة، لكن كلاهما جاء في الوقت المناسب. الاستفتاء كشف عن وحدة الصف الشعبي رغم الخلافات، و(ئاڤا) كشفت عن أن الإعلام يمكن أن يكون مدرسة جديدة في مواجهة التحديات.

 

تأخرت (ميديا ئاڤا) لكن حين جاءت، ملأت فراغاً كان يضغط على الساحة الإعلامية الكوردية. ولعل هذه القناة، بما أثبتته في عامها الأول، قادرة على أن تكون منبراً طويل النفس، رافعة لصوت الناس، وشريكًا في صناعة المستقبل.

 

خاتمة: من الاستفتاء إلى الإعلام… الطريق مستمر

اليوم، ونحن نستذكر هاتين المناسبتين – الاستفتاء وميلاد (ميديا ئاڤا) – فإننا نحتفي بالمعنى الأعمق لهما: الإرادة الحرة للشعب الكوردي.

 

الاستفتاء كان وثيقة الشعب السياسية، و(ميديا ئاڤا) أصبحت وثيقته الإعلامية. وبين الوثيقتين، يمتد الطريق الطويل نحو المستقبل. قد يكون مليئاً بالصعوبات والتحديات، لكنه محفوفٌ بالأمل، لأن شعباً يجرؤ على قول نعم في وجه العالم، ويجرؤ على تأسيس إعلام حرّ في أصعب الظروف، هو شعب يعرف كيف يمضي إلى الأمام مهما كانت العوائق.

 

وهكذا، يبقى صوت الشعب هو البوصلة، سواء في صناديق الاقتراع أو على شاشات الإعلام. وما دامت هذه البوصلة حاضرة، فإن الحلم الكوردي لن يموت، بل سيتجدد مع كل جيل، ومع كل كلمة صادقة تخرج من القلب لتصل إلى قلوب الملايين.

 

وبذلك، فإن مرور عام على (ميديا ئاڤا) ليس مجرد مناسبة إعلامية، بل هو تجديد للعهد بأن الكلمة الحرة باقية، تمامًا كما بقيت ذكرى الاستفتاء شاهدًا على أن إرادة الشعب لا تُكسر.

 

 

ابراهيم احمد سمو

نُشرت في الاثنين 15 سبتمبر 2025 09:33 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.