أخذت أزمة المياه في العراق تتفاقم بشكل متزايد خلال الأشهر القليلة الماضية، ولكن ليس في إطار الشحّ فحسب، بل وصلت إلى تزويد منازل المواطنين بمياه تفتقر لمقومات النقاوة وصلاحية الشرب بالإضافة إلى ارتفاع نسب الملوحة فيها، حيث وردت شكاوى عديدة لدوائر متخصصة، بدأت في النجف، وامتدت لعدة محافظات جنوبية، منها البصرة وذي قار، فضلاً عن كربلاء، وكلها تتحدث عن مياه بروائح وحاملة للشوائب.
وفي البصرة، وصف الخبير البيئي جاسم الأسدي، الوضع المائي في المحافظة، بـ"الحرج".
وقال في تصريح لمنصّة "الجبال"، إن "الوضع المائي في البصرة دخل مرحلة حرجة للغاية. فالمياه التي تصل عبر شبكة الإسالة لم تعد صالحة للشرب إطلاقاً بل أنها باتت غير قابلة حتى للاستخدام في الغسل والتنظيف بسبب ارتفاع نسب الملوحة إلى مستويات غير مسبوقة".
وأوضح الأسدي، أن "معدل الملوحة في شطّ العرب وصل حالياً إلى نحو 28 ألف ppm، فيما سجلت محطات القياس في شمال البصرة أرقاماً خطيرة تجاوزت 5700 ppm، وهي نسب تقترب من ملوحة مياه البحر، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً على حياة السكان وصحتهم وأمنهم الغذائي فضلاً عن تأثيره على الزراعة والثروة السمكية".
وأضاف، أن "الكميات العذبة الواردة من نهر الغراف عبر الناصرية لا تتجاوز ثلاثة أمتار مكعبة في الثانية، وهو معدل هزيل لا يتناسب مع حاجة أكثر من أربعة ملايين نسمة في المحافظة. ما يعني أن البصرة لا يمكنها الاستمرار بالاعتماد على مياه الإسالة الحالية إذ أن البنية المائية القائمة باتت عاجزة تماماً عن مواجهة التغيرات المناخية وتراجع الإطلاقات المائية من أعالي دجلة والفرات".
وبيّن الأسدي، أن "هذا العجز في الإمدادات أجبر المواطنين على اللجوء إلى شراء المياه المعبأة من المحطات الأهلية كمصدر رئيسي للشرب والاستهلاك المنزلي، ما خلق أعباء اقتصادية إضافية على العائلات في وقت يفترض أن الدولة توفر الماء العذب كأبسط حق إنساني"، لافتاً إلى أن "استمرار هذا الوضع من دون حلول جذرية قد يقود إلى أزمة إنسانية واسعة لا تقل خطورة عن أزمات النزوح والتلوث التي شهدتها البصرة في السنوات الماضية".
من جانبه، قال معاون محافظ البصرة حسن النجار، إن البصرة تعاني منذ تسعينيات القرن الماضي من أزمة مياه الشرب.
وبيّن في حديث لمنصّة "الجبال"، أن "المحافظة تعاني منذ تسعينيات القرن الماضي من أزمة متفاقمة في قطاع المياه، إذ لم يشرب المواطنون طوال تلك العقود من مياه الإسالة لكونها غير صالحة للاستخدام البشري ما اضطر الأهالي للاعتماد على منظومات التحلية المنزلية (RO) التي تُغذى أساساً عبر تناكر المياه الأهلية التي يشترونها بشكل يومي لتأمين حاجتهم".
ولفت إلى أن "المياه التي تصل عبر الشبكات الحكومية لا تزال تعاني من مستويات عالية من الملوحة والتلوث وهو ما جعلها خارج نطاق الاستهلاك البشري الأمر الذي فرض على السلطات المحلية البحث عن معالجات عاجلة للتخفيف من الأزمة"، موضحاً أن "من بين تلك الإجراءات اعتماد نظام المراشنة لتوزيع المياه على المناطق السكنية وفق جدول زمني يضمن الحد الأدنى من التغطية".
وأضاف أن "الحكومة المحلية وبعد دراسة مستفيضة لواقع البصرة المائي أقرت إنشاء 6 محطات جديدة لتحلية المياه كخيار استراتيجي لمعالجة جذور المشكلة باعتبار أن الحلول الترقيعية لم تعد كافية أمام النمو السكاني وارتفاع معدلات الاستهلاك"، مؤكداً أن "تنفيذ هذه المشاريع يمثل خطوة أولى نحو إعادة التوازن لمنظومة المياه في المحافظة والتقليل من اعتماد المواطنين على مصادر أهلية قد لا تكون مضمونة من حيث النوعية والصحة العامة".
إلى ذي قار، كشفت لجنة الصحة في مجلس المحافظة، عن افتقار المياه الواصلة إلى منازل المواطنين، للجودة الفيزيائية.
وقال رئيس اللجنة أحمد الخفاجي، إن "مياه الشرب الواصلة إلى الدور السكنية في ذي قار رديئة"، مؤكدا أنها "تعاني من اختلاف في اللون والطعم والرائحة، فضلا عن احتوائها على شوائب واضحة".
وأوضح الخفاجي في حديث لمنصّة "الجبال"، أن المياه في ذي قار "ليست ملوثة كيمياويا، لكنها تُعد رديئة من الناحية الفيزيائية نتيجة نقص الفلاتر والمواد اللازمة لتنقيتها، بسبب محدودية الموازنة المالية، وهو ما انعكس سلباً على نوعية المياه المقدمة للمواطنين".
وأضاف، أن "مياه الإسالة الحالية يُفضل استخدامها للتنظيف المنزلي فقط"، مشدداً على "الحاجة الماسة لإطلاق الموازنات المالية من أجل توفير مواد التنقية".
وفي كربلاء، كشفت مديرية ماء المحافظة، عن اتخاذ إجراءات مؤخراً، بشأن الوضع المائي في المحافظة.
وقالت المديرية في بيان تلقت "الجبال" نسخة منه، "تنفيذاً لتوجيهات محافظ كربلاء، عُقد في قسم الرقابة الصحية التابع لدائرة صحة كربلاء اجتماع موسّع ضم مدير دائرة صحة كربلاء والكوادر الصحية في الأقسام المعنية، ومدير ماء كربلاء والكوادر الفنية في أقسام التشغيل والصيانة ومسؤول السيطرة النوعية، ومدير بيئة كربلاء، ومدير الموارد المائية في كربلاء، وذلك بحضور عضو مجلس محافظة كربلاء محسن الكناني".
واضاف البيان، "جرى خلال الاجتماع مناقشة الوضع المائي في المحافظة وتقييمه، واتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة لضمان استقرار نوعية المياه وسلامتها، أبرزها: زيادة الإطلاقات المائية من قبل وزارة الموارد المائية في حوض نهر الفرات، ورفع نسب مواد التصفية والتعقيم (الشب والكلور) في المشاريع والمجمعات لتأمين التراكيز المطلوبة في الشبكة، واستمرار أعمال الصيانة الدورية ومضاعفة عمليات الغسيل العكسي للفلاتر، وتكثيف الفحوصات الدورية من قبل مديرية البيئة للمياه الخام في الأنهر، بالإضافة إلى تشكيل فريق عمل مشترك من الجهات المعنية (الصحة، الماء، البيئة، الموارد المائية) لسحب عينات من المياه الخام والمياه المنتجة ومتابعتها بشكل مستمر".
وتابع البيان، "وعليه، تود الجهات المعنية التوضيح بأن اللون والرائحة التي قد يلاحظها المواطنون في المياه، تعود إلى وجود طحالب خضراء ناجمة عن استخدام الخزين المائي الميت في بعض السدود".
وأكدت المديرية، أن "جميع المياه المنتجة تخضع للفحوصات المختبرية اليومية وعلى مدار الساعة، وأن أي مؤشر غير مطابق يتم التعامل معه فوراً وبإجراءات سريعة تضمن سلامة المياه وجودتها".
وكانت دائرة صحة محافظة النجف، قد أعلنت تلقيها شكاوى عديدة من المواطنين، حول تلوّث مياه الشرب في منازلهم، بالإضافة إلى شكاوى أخرى في إطار شحّ المياه وقلتها.
وقالت الدائرة في بيان تلقت "الجبال" نسخة منه، إنها "شكّلت لجنة خاصة لمتابعة مأمونية المياه في المحافظة، وذلك بعد ظهور شكاوى عديدة من جهات رسمية ومواطنين حول تلوّث مياه المحافظة والافتقاد إلى مياه الشرب".
وأضافت الدائرة، أن "فريق عمل برئاسة مدير قسم الصحة العامة وعضوية معاون مدير القسم ومدير شعبة الرقابة الصحية ومسؤول لجنة سلامة البيئة، وبمشاركة مدراء القطاعات الصحية، تشكّل لمتابعة مأمونية ونقاوة المياه في المحافظة".
وتابعت الدائرة، "وأجرت اللجنة حملة قامت خلالها بزيارة عدد من مشاريع المياه والمجمعات في مختلف القطاعات، مع استنفار كوادر مختبر الصحة العامة لسحب النماذج وإجراء الفحوص المختبرية وزراعة العينات لمعرفة النتائج، إضافة لمتابعة نسب الكلور في المياه المجهزة".
وكانت مديرية ماء النجف، قد وجهت رسالة إلى مجلس المحافظة، أمس الأربعاء، تحذر فيها من "تفاقم مشكلة المياه بالنجف"، مشيرة إلى "تسجيل حالات تلوث، وأن المياه الواصلة إلى المنازل أشبه بمياه المستنقعات الآسنة".
وجاء في كتاب وجهته المديرية إلى مكتب المحافظ: "نود إعلامكم بأنه قد تم إبلاغنا من قبل مسؤولي مشاريعنا المائية بظهور حالات تلوث طرأت على مياه نهر الفرات، تسببت بانحرافات بالمسارات المعتمدة في عمليتي التصفية والتعقيم منها حصول انسدادات في فلاتر التصفية العاملة ضمن المشاريع والمجمعات الضغطية (by pressure) منها والعاملة بالجاذبية (by gravity) تسببت بها طحالب عشبية خيطية ومواد عضوية أخرى ظهرت بالآونة الأخيرة في نهر الفرات، يعتقد أن مصدرها إطلاقات المياه الرديئة جداً والأسنة من المخزون الوطني القديم".
وأشار إلى "تأثر لون ورائحة المياه للأسباب الوارد ذكرها، وبالتالي على مسار عملية التعقيم حيث تتم إضافة مرحلة كلورة ابتدائية، ومضاعفة كميات مواد التعقيم المستخدمة التي تساهم بمعالجة جزئية للظاهرة".
وبينت المديرية في كتابها إن "مشاريعنا ومجمعاتنا المائية غير مصممة لمعالجة مثل هكذا حالات تلوث، ومن الجدير بالذكر أنه تتم معالجة حالات الانسداد الحاصلة بالفلاتر والتي سبق ذكرها أعلاه بزيادة أوقات ودورات الغسيل العكسي وكذلك عمليات تنظيف احواض الترسيب والموازنة والتجميع، الذي سيؤدي بالنتيجة إلى انخفاض وقلة بكميات المياه المجهزة للخطوط الناقلة والشبكات العاملة في عموم المحافظة".