أكبر كارثة دبلوماسية يشهدها العراق

أكبر كارثة دبلوماسية يشهدها العراق مجلس النواب العراقي

لم يعرف العراق منذ سنواته الحديثة أزمة دبلوماسية بهذا الحجم، كما هو الحال مع تعيين مجموعة من السفراء الجدد الذين صوّت عليهم البرلمان مؤخراً. ما جرى لم يكن سوى إعادة إنتاج لنهج المحاصصة والمحسوبية، بعيداً كل البعد عن المهنية، بل وأقرب ما يكون إلى صفقة سياسية مشبوهة أُبرمت على حساب صورة العراق ومصالحه العليا.

 

فبدلاً من أن يكون منصب السفير تتويجاً لمسيرة مهنية طويلة في السلك الدبلوماسي، وجد العراقيون أنفسهم أمام أسماء لا تمت للدبلوماسية بصلة، بل إن بعضهم لم يعمل يوماً واحداً في وزارة الخارجية، وآخرون بالكاد تجاوزوا رتبة سكرتير أول، في حين أن السياق الطبيعي يقتضي أن يصل المرشح إلى درجة مستشار قبل أن يتسلم منصب السفير.

 

الأخطر أن هذه التعيينات لم تكن خياراً حراً لا لرئيس الوزراء ولا لوزير الخارجية، بل فُرضت عليهما قسراً من قبل الأحزاب النافذة التي تعاملت مع المناصب الدبلوماسية كغنائم سياسية توزع على الأقارب والموالين. صحيح أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بارك التصويت على قائمة السفراء في البرلمان، لكن تلك المباركة جاءت أقرب إلى واجب بروتوكولي فرضته طبيعة المنصب، فيما يعلم الجميع أن الأسماء فُرضت عليه فرضاً من قبل الكتل السياسية، ولم تكن نتاج قناعة شخصية أو اختيار حر.

 

ولا تقف الإشكالات عند حدود غياب الكفاءة، بل تتجاوزها إلى شبهات واتهامات خطيرة تلاحق بعض المرشحين الذين وردت أسماؤهم في القائمة. فقد أثيرت حول عدد منهم ملفات تتعلق بالتسليب، واتهامات جنائية، وقيود قضائية على خلفيات مختلفة تصل إلى قضايا إرهاب، فضلاً عن مخالفات إدارية وإهمال وظيفي جسيم. إن تمرير مثل هذه الأسماء لتتولى أرفع المناصب الدبلوماسية، لا يمثل فقط استخفافاً بالقانون والدستور، بل يضرب سمعة العراق ومصالحه في العمق.

 

وقد انبرت مجموعة من موظفي وزارة الخارجية للدفاع عن نزاهة وشفافية عملية تعيين السفراء، برفع دعاوى لدى المحكمة الاتحادية العليا للطعن بعملية الترشيح التي جرت من قبل لجنة الأمر الديواني. فالقانون ينص بوضوح على أن الترشيح يجب أن يقتصر على موظفي السلك الدبلوماسي من حملة درجة “مستشار” و”وزير مفوّض”، لكن اللجنة لم تلتزم بذلك، ولم تفاضل بين المرشحين البالغ عددهم نحو 500 موظف في الوزارة، ولم تعتمد معايير واضحة أو شفافة، بل رفعت أسماء محددة إلى مجلس الوزراء خلف الأبواب المغلقة، بما يثير مزيداً من الشبهات حول شرعية العملية برمتها.

 

إن تمرير هذا القانون في البرلمان جاء وسط غياب النصاب القانوني، كما أكدت بعض المصادر، ما يجعل العملية برمتها موضع طعن وشكوك جدية. وقد لجأ عدد من النواب وموظفي الوزارة إلى المحكمة الاتحادية للطعن في القرار، والجميع بانتظار حكم عادل ومنصف يضع حداً لهذه المهزلة.

 

إن الدبلوماسية العراقية تُختطف اليوم أمام أعيننا، والكارثة ليست في تعيين فلان أو علان، بل في تكريس مبدأ أن المناصب العليا تُمنح كغنائم حزبية لا كاستحقاق لمهنية وكفاءة وتجربة. فإذا استمر هذا النهج، فكيف سنطالب العالم باحترام العراق ومؤسساته، ونحن أول من يفرّط بها داخلياً؟.

 

لقد آن الأوان أن يقول العراقيون كلمتهم، وأن يقفوا بوجه هذه الكارثة الدبلوماسية، قبل أن يجدوا أنفسهم غرباء عن العالم، ممثلين بسفراء لا يعرفون من الدبلوماسية سوى لقبها.

عمر علي كاتب وصحفي

نُشرت في الأربعاء 3 سبتمبر 2025 11:13 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.