أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، أن "جبهة المقاومة" لا تزال قوية وباقية في العراق ولبنان، وأن إيران ستواصل دعمها لهذه الجبهة "دائماً".
جاء ذلك في مقابلة تلفزيونية أجراها لاريجاني، ونقلت فحواها وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" اليوم السبت 23 آب 2025، تطرق خلالها المسؤول إلى سرد أحداث مرحلة وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وما واجهته إيران من قضايا وتحديات في تلك الأيام، وكيفية إدارتها، مثل: المفاوضات النووية، مسألة جبهة المقاومة، قضية آلية الزناد، معالجة الثغرات الدفاعية وتعزيز القدرات الهجومية العسكرية، إضافة إلى أولوية البلاد الأساسية في حلّ مشكلات الإيرانيين.
وردّاً على سؤال حول أفق إيران تجاه "فصائل المقاومة" وجبهتها بعد حرب الاثني عشر يوماً مع إسرائيل زيارته الأخيرة للعراق ولبنان، والتعليق على التحليلات حول ضعف "الفصائل" التي تدعمها لإيران تحت مسمى "جبهة المقاومة"، قال لاريجاني: "إذا كانوا قد ضعفوا، فلماذا يصرون ويمارسون هذا الضغط كله؟ إذا ضعفوا، فقد ضعفوا وانتهى الأم".
وأضاف "عادةً ما يُمارس الضغط على نقطة القوة؛ عندما تكون ضعيفة، فهي ضعيفة. في رأيي، هذا من الأقوال العجيبة والغريبة. لو عدنا إلى وسائل الإعلام قبل أربع أو خمس سنوات مثلًا، وقبل هذه الأحداث، لم يكن الحديث عن الضعف مطروحاً آنذاك؛ أليس كذلك؟ لكن ماذا كانوا يقولون عن المقاومة وعلاقة إيران بها: كانوا يقولون إن إيران مخطئة، وإن هؤلاء لا قيمة لهم، وكلهم تكاليف تتحملها إيران! كانت أدبياتهم في الغالب أن هؤلاء ليسوا شيئاً مهماً، وأن إيران تهدر طاقاتها عليهم بلا طائل، وأنهم لا يُعتد بهم أصلًا! الآن يقولون إن جبهة المقاومة قد ضعفت، ولكن في ذلك الوقت الذي لم تكن فيه ضعيفة بزعمهم، كانوا يقولون الكلام نفسه ولكن بأدبيات مختلفة. الآن أيضاً يقولون إنهم ضعفاء؛ حسناً، إذا كانوا ضعفاء، فاتركوهم وشأنهم، دعوهم؛ لماذا تخططون ضدهم هذا التخطيط كله!".
وأردف: "لقد تسبب هؤلاء في العامين الأخيرين بكثير من المتاعب لأنفسهم ولشعوب المنطقة (الإسرائيليون)؛ لقد قتلوا الناس وجرحوهم وتسببوا في تجويعهم، ولكن هذه جرائم كيان لا خطوط حمراء لديه، يفعل كل شيء، وقد تقبّل العالم الغربي هذه الوحشية".
وتساءل: "أنتم الذين تقولون إنكم قضيتم على (حماس)، لماذا تخافون الآن من السيطرة على غزة؟ لقد قتلتم الناس واستشهدوا، وجوّعتموهم، ولكنكم لم تتمكنوا من القضاء على (حماس). لماذا لا يُقضى عليها؟ السبب يعود إليهم أنفسهم؛ عندما تقتلون الناس وتبيدونهم، فإن لهؤلاء عائلات وشباباً؛ أنتم تدفعونهم إلى موقف يجبرهم على مواجهتكم. متى نشأ (حزب الله)؟ نشأ عندما جاءت إسرائيل واحتلت بيروت بالكامل. عندما احتلت بيروت، فمن البديهي أن شعب أي بلد لن يكون مستعداً لقبول هيمنة دولة أخرى عن طريق الاحتلال. لذلك، قالت مجموعة من الشباب إنه علينا أن ندافع عن أنفسنا، وهذه كانت النواة الأساسية لـ(حزب الله). الآن يقولون إن إيران هي من أوجدت (حزب الله)! لا، هم أنفسهم من أوجدوا (حزب الله) بسلوكهم. نعم، نحن ساعدنا؛ نحن لا نكذب، نقول إننا ساعدنا، وسنستمر في المساعدة، ولكن أصل (حزب الله) أوجده الشعب اللبناني بنفسه، وأصبح هذا رصيداً لهم؛ أي إن بلداً صغيراً تمكّن من مقاومة إسرائيل".
وبحسب قوله، فإن "حماس كذلك تنشأ بهذه الطريقة"، و"الوضع نفسه نشأ في العراق، عندما جاء الأميركيون واحتلّوه، ظهرت حركات المقاومة، لأنكم احتليتم البلاد وظلمتم الناس، إضافة إلى السلوك الأحمق الذي أظهره جنودهم"، مبيّناً أن "المقاومة تنشأ عبر سلوكهم هم أنفسهم، وكلّما زادوا الضغط، ازدادت المقاومة عمقاً".
فقال: "يقولون مثلًا إنّنا وجّهنا ضربات؛ نعم، هذا صحيح، فقد وجّهوا ضربة إلى حزب الله، ولكن السؤال هو: هل أعاد حزب الله بناء نفسه أم لا؟ لقد كان في صفوفه من الشباب المجاهدين ما يكفي لينهضوا بعملية إعادة البناء".
ونوّه "عندما يمارس الأميركيون الضغط ويقولون إن نظريتنا هي (السلام عبر القوة)، ماذا يعني (السلام عبر القوة)؟ ترجموا هذا على أرض الواقع. أي الاستسلام. إمّا الاستسلام أو الحرب"، لافتاً أن "نتنياهو يكرّر الأمر نفسه ويريد أن يُقحم نفسه في تلك الساحة".
ووفق قول لاريجاني "هكذا تكون النتيجة نفسها، وتكون النتيجة الأخرى أنّه عندما يقول نتنياهو إنني بوصفي دولة صغيرة أريد أن أصنع السلام من طريق القوّة، فإنّ معنى ذلك أنّه يخاطب دول المنطقة مثل السعودية ومصر والأردن أو الكويت قائلاً: كلّكم يجب أن تُسلّموا لي أو تحاربوني! وبهذا يثير حساسية الجميع، ولذا إنّ وضع المنطقة اليوم هو أنّ الكلّ يقف في حالة مواجهة تجاه "إسرائيل". طبعًا، قد يختلفون معنا في الرأي ــ ولكنّهم يعترضون على سلوك إسرائيل ويدركون أنّ إيران تقف سداً في وجهها. هذه نقطة، لذلك أنا أعتقد أن المقاومة حيّة وتتحرّك باستمرار".
وفيما يتعلق بسياسة إيران تجاه "المقاومة"، أوضح لاريجاني أنه "لا شكّ في أنه يجب دائماً اتخاذ القرارات بما يتناسب مع الزمان، لكنّ الجمهورية الإسلامية تدعم المقاومة دائماً، لأنّها تعدّها تياراً أصيلاً ورصيداً (إستراتيجياً)"، قائلاً: "إذا لم تدعم إيران الطاقات المتاحة التي تقول إنّنا ندافع عن مصالح الإسلام ونحرص على إيران، فإن ذلك يُعدّ نوعاً من خفّة العقل على المستوى السياسي. لا بدّ لإيران أن تستفيد من إمكاناتها. عندما يوظّف العدوّ طاقاته كلّها صغيرها وكبيرها، ما الذي يجعلنا لا نوظّف نحن طاقاتنا؟"، مضيفاً أن "التفكير في أنّ حزب الله أو قوى المقاومة عبء علينا، فهو خطأ إستراتيجي. في رأيي، هم بحاجة إلى مساعدتنا، ونحن أيضاً يجب أن نستفيد من مساعدتهم؛ لأنّ خلق العزلة ليس في صالح الأمن القومي لإيران".
لاريجاني أوضح أن "نحن لم نفرض يوماً شيئاً على قوى المقاومة. الآن يقولون إنّهم مرتبطون بإيران؛ نعم، هم مرتبطون، لأنّهم إخوتنا، لا بمعنى أنّهم مأمورون منا. أسلوبنا ليس كذلك أصلاً، ونحن نعتقد أنّهم يملكون من النضج ما يمكّنهم من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم"، مشيراً إلى أن "لفرق بين سلوك إيران وسلوك الآخرين يكمن بالضبط في هذه النقطة؛ إستراتيجيتهم ترتكز على (إمّا أن تستسلموا لنا أو الحرب)، أمّا نحن، فنرى أنّه يجب احترام نضجهم العقلي".
وقال: "نحن نقول: ينبغي ألا نكون نحن الأقوياء فقط، بل يجب أن تكون المنطقة كلّها مستقلّة وقويّة، يجب أن تكون دولة لبنان قويّة، ودولة العراق قويّة، والدولة السعودية قويّة أيضاً. نحن لا نقول إنّ عليهم أن يكونوا في مرتبة أدنى ونحن مسيطرون عليهم؛ لسنا طلاب هيمنة، بل نقبل بسلوك أخويّ وتعاون عقلاني، ونؤمن بوجود دول مستقلّة وقويّة في المنطقة"، منبّهاً أنه "دائماً ندعم المقاومة، والإستراتيجية الثابتة للجمهورية الإسلامية هي دعم المقاومة".