وسط أجواء من القلق الاجتماعي والضغوط المتفاقمة تتصاعد حالات الانتحار في ذي قار بشكل مقلق، كاشفة عن عمق الأزمات الاقتصادية والنفسية التي يعيشها أبناء المحافظة، خصوصاً فئة الشباب والنساء، حيث مع بلوغ منتصف العام الحالي 2025 سجلت المحافظة 31 حالة انتحار، شكلت النساء منها نسبة 67%.
وكشف مدير مكتب حقوق الإنسان في ذي قار كريم جبار الغزي عن أرقام تتعلق بواقع حقوق الإنسان في المحافظة، مشيراً إلى "تسجيل 31 حالة انتحار خلال النصف الأول من عام 2025 بينها 21 حالة لنساء و9 حالات لرجال، في مؤشر يعكس تصاعد الضغوط النفسية والاقتصادية التي يعاني منها السكان".
وفي تصريح لمنصة "الجبال" أكد الغزي أن "كوادر المكتب تواصل جهودها في رصد الظواهر السلبية وتوعية المجتمع بخطورتها في محاولة للحد من تفاقمها".
وأضاف أن "أدوات الانتحار تنوعت بين الشنق والحرق، في حين تراوحت الدوافع بين الضغوط المعيشية القاسية والأزمات النفسية والضغوط الدراسية خاصة لدى طلبة المراحل المنتهية".
كما لفت الغزي إلى "ارتفاع لافت في حالات العنف ضد الرجال والتي بلغت 192 حالة، شملت اعتداءات من الزوجات أو الأبناء أو أطراف أخرى، في مقابل 85 حالة عنف ضد النساء، ما يستدعي تحركاً عاجلاً من الجهات المختصة لمعالجة هذه الظواهر المتفاقمة".
وكشفت إحصائية رسمية صادرة عن شرطة ذي قار تابعتها منصة "الجبال"، عن اتجاه تصاعدي مقلق لحالات الانتحار في المحافظة خلال السنوات العشر الأخيرة دون مؤشرات حقيقية للتراجع.
ووفق الإحصائية، فقد سجّلت المحافظة 35 حالة انتحار في عام 2015 لترتفع إلى 45 حالة في 2016 ثم 59 حالة في 2017 وصولًا إلى 67 حالة في 2018 وعلى الرغم من انخفاض طفيف في عام 2019 إلى 64 حالة، إلا أن الأرقام بدأت تأخذ منحى مختلفاً في السنوات التالية نحو الارتفاع، حيث ارتفعت الحالات إلى 80 في 2020 ثم 83 حالة في 2021 تلتها قفزة مقلقة إلى 105 حالات في 2022 وفي عام 2023 سُجّل انخفاض نسبي إلى 87 حالة، لكن سرعان ما عاد المنحنى للارتفاع مجدداً ليصل إلى 117 حالة في عام 2024 في أعلى حصيلة خلال العقد الأخير.
ويقول مدير مكتب الصحة النفسية الحكومي في ذي قار، إبراهيم صفاء الصائغ، إن "حالات الانتحار تعود إلى أسباب متعددة، أبرزها الاجتماعية والعائلية والعشائرية، إلى جانب الضغوط الدراسية المتزايدة وانتشار المخدرات في أوساط الشباب".
وأكد أن "ضعف التواصل الأسري مع الأبناء يمثل أحد المحركات الأساسية للظاهرة حيث يترك فراغاً نفسياً يُملأ غالباً بتأثير مواقع التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو التي تروّج للتمرد والانتحار ورفض القيم المجتمعية".
الى ذلك، كشف الدكتور علي الناشي مسؤول منظمة التواصل والإخاء الإنسانية عن تسجيل ما بين 40 إلى 45 حالة انتحار في محافظة ذي قار خلال النصف الأول من العام الحالي، وفقاً لعمليات الرصد والمتابعة التي تنفذها المنظمة.
وأشار الناشي لمنصة "الجبال"، إلى أن "الظاهرة باتت تأخذ أبعاداً مقلقة"، مؤكداً أن "البطالة والتفكك الأسري وتعاطي المخدرات تمثل أبرز الأسباب التي تدفع الشباب نحو الانتحار إلى جانب العلاقات العاطفية المضطربة والابتزاز الإلكتروني الذي شهد انتشاراً متزايداً في الآونة الأخيرة".
وأضاف أن "هناك ضغوطاً غير مباشرة تساهم في تدهور الصحة النفسية منها غياب الحدائق والمتنزهات والبيئة الترفيهية الآمنة، فضلًا عن تصاعد العنف الأسري، الذي أصبح من العوامل الواضحة في تحفيز السلوكيات الانتحارية".
وأكد الناشي على "ضرورة إطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي تستهدف فئة الشباب والمراهقين، محذراً من أن "استمرار هذا التدهور دون تدخل فعلي قد يؤدي إلى تفاقم الظاهرة في السنوات المقبلة".