ملاحقة ذوي البشرة السمراء في البصرة بسبب "الزيران" و"النوبان".. هل يجرم الدستور ممارسة الطقوس؟ 

5 قراءة دقيقة
ملاحقة ذوي البشرة السمراء في البصرة بسبب "الزيران" و"النوبان".. هل يجرم الدستور ممارسة الطقوس؟  (تعبيرية)

في مناطق متفرقة من البصرة وتحديداً في قضاء الزبير و"الفاو" تتردد أصوات الطبول والدفوف في طقوس تعرف محلياً باسم "الزيران" و"النوبان" يمارسها عراقيون من أصول أفريقية منذ قرون ويعتبرونها جزءاً من تقاليد روحية متجذرة تستخدم في الشفاء والعلاج النفسي لكنها اليوم تواجه تضييقًا أمنياً واتهامات قانونية بوصفها نوعاً من السحر والشعوذة، ما أثار جدلًا واسعاً حول حدود الحريات الثقافية والدينية للأقليات في العراق. 

 

ميثم محمد رئيس تجمع البشرة السمراء في البصرة تحدث لـ"الجبال" عن "تعرض ممارسي هذه الطقوس لحملات اعتقال متكررة استندت إلى بلاغات كيدية"، موضحاً أن "البيوت التي تقام فيها الطقوس وتعرف بالمكايد باتت عرضة للمداهمات رغم أنها لا تخالف نصاً قانونياً مباشراً".

 

وأشار محمد إلى أن "طقوس الزيران والنوبان جاءت مع أجدادهم من إفريقيا حين جرى استقدامهم إلى البصرة سنة 255 هجرياً في عهد الدولة العباسية للعمل في حفر الأنهار ضمن ما عرف لاحقاً بثورة الزنج".

 

وتبدأ الطقوس بعزف الآلات التقليدية وتتدرج من القادري والرفاعي إلى طقس البحر وهو تسلسل رمزي يعكس مراحل روحية تتعلق بطرد المرض والضيق. 

 

ويرى محمد أن "ما يحدث مؤخراً يعود إلى خلط متعمد أو جهل من بعض الجهات الأمنية التي لا تميز بين من يمارس الطقس لأغراض علاجية أو روحية وبين من يستغل التراث لأغراض تجارية أو دجل"، مشيراً إلى أن "بعض رموز الطقس تعرضوا لما سماه بالمكايد من خلال إرسال شهود سريين للإيقاع بهم بدعوى ممارسة الشعوذة". 

 

وأوضح أن "المكيد ليس مكاناً مغلقاً أو سرياً، بل يفتح أبوابه لأي شخص يشعر بضيق نفسي أو روحي"، مضيفاً: "نحن لا نميز ولا نطلب مقابلاً مالياً وإنما نحاول تخفيف الألم بما نستطيع"، مؤكداً أن "البعض يستغل هذه الطقوس لجني الأموال وهو ما أضر بالمجتمع الحقيقي لممارسيها".

 

ولمواجهة ذلك "أنشأت جمعية أنصار الحرية وهي منظمة تهدف إلى توحيد المكايد وتنظيم الطقوس ضمن إطار قانوني يحمي الحقوق الثقافية للسود العراقيين ويمنع الانتحال والاستغلال"، مؤكداً أن "الطقوس لا تتعارض مع الدين، بل تستند إلى مفاهيم روحية تتقاطع مع طرق معالجة الأذى الروحي وتخفيف المعاناة". 

 

وأوضح ميثم أن "هذه الطقوس لا تقتصر على الزبير فقط بل تمتد إلى مختلف مناطق البصرة من الفاو إلى أم قصر والخور حيث توجد مكائد نشطة تمارس هذه الطقوس"، مبيناً: "لكنها طقوس لم تلق اهتماماً من أي حكومة متعاقبة ولا من المؤسستين الدينيتين الوقف السني أو الوقف الشيعي رغم أنها جزء من معتقد راسخ لدى جماعة عريقة".

 

وأكد أن "الدستور العراقي يكفل حرية المعتقد كما تنص المادة 42، إلا أن غياب تشريعات واضحة تتعلق بالمعتقدات الشعبية والطقوس الروحية يفتح الباب لاجتهادات أمنية قد تكون مفرطة أو قمعية".

 

ويدعو محمد الحكومة العراقية إلى "ضرورة التمييز بين من يستغل الطقوس ومن يمارسها كحق ثقافي مشروع قائلاً لسنا تهديداً نحن امتداد وهوية هذه الطقوس ليست خرافة إنها ذاكرة وهوية نطالب بالاعتراف لا بالتجريم".

 

"تحمل أبعاداً فلكلورية"

 

وفي الأثناء، قال عقيل الفريجي رئيس اللجنة الأمنية في مجلس البصرة، إن "بعض الأنشطة المرتبطة بهذه الطقوس تثير تحفظاً أمنياً بسبب غموضها والتباسها في فهم بعض الضباط الميدانيين".

 

وأشار إلى أن "التعامل الأمني يجب أن يكون دقيقاً ومبنياً على أدلة وليس على افتراضات"، داعياً إلى "حوار مفتوح مع ممثلي أصحاب هذه الطقوس لوضع حدود واضحة بين المسموح والمخالف".

 

الباحث في التراث الشعبي الدكتور سعد اللامي، يرى أن "طقوس الزيران والنوبان تحمل أبعاداً فولكلورية وروحية وليست أعمالًا سحرية بل هي طقوس شفائية لها عمق تاريخي وجذور اجتماعية وتمثل حاجة نفسية وإنسانية لمجتمع يعيش على هامش الاعتراف الرسمي".

 

لا يوجد تنظيم تشريعي

 

أما الباحث في القانون الدستوري وحقوق الإنسان حسن طاهر، فيؤكد أن "الأصل في الدستور هو ضمان الحرية لا العقوبة ما لم تتوفر أدلة واضحة على الإيذاء أو النصب"، لافتاً إلى أن "غياب التنظيم التشريعي لهذه الطقوس يخلق مساحات رمادية تستغل أحياناً ضد الأقليات".

 

دينياً، يتحدث الشيخ مصطفى العقيلي إمام وخطيب في أحد جوامع البصرة، عن أن "الدين لا يمانع ممارسة الطقوس المتوارثة إذا لم تشتمل على ادعاء علم الغيب أو الاستغلال المادي"، مؤكداً أن "على السلطات التمييز بين طقس موروث وبين حالة تدليس وأن الأصل في الناس البراءة لا الاتهام".

الجبال

نُشرت في الثلاثاء 15 يوليو 2025 03:50 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.