ثلاثة أسابيع تفصل عن تطبيق الرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على البضائع العراقية المُرسلة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وسط توقعات بـ"محدودية تأثير القرار" على الاقتصاد العراقي، واعتباره "قراراً رمزياً"، إلا أن متخصصين تحدّثوا عما وصفوه بـ"الرسالة السياسية الضمنية" في القرار، والتي تفيد بأن العراق لم يعد ضمن قائمة الدول المستثناة من السياسات التجارية الأميركية المتشددة، فيما دعوا الحكومة العراقية إلى اعتبار الأمر "فرصة لإعادة النظر في سياسة التصدير".
اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، أشارت إلى أن "إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، زيادة الرسوم الجمركية على العراق بنسبة 30%، لن يؤثر على وضع العراق الاقتصادي".
وقال عضو اللجنة معين الكاظمي في تصريح لمنصّة "الجبال"، إن "التجارة ما بين العراق والولايات المتحدة الأميركية محدودة جداً، والعراق لا يعتمد على هذه التجارة كحال باقي الدول في الشرق الأوسط او في أوروبا، ولهذا زيادة الرسوم الجمركية على العراق من قبل واشنطن لن تكون له تداعيات على وضعه الاقتصادي الداخلي".
وبين الكاظمي أن "العراق يمتلك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الزيادة هي لا تشمل العراق فقط بل أغلب دول العربية والعالم، وهكذا خطوة لن تؤثر على العلاقات الاقتصادية والتجارية وحتى الدبلوماسية والأمنية ما بين بغداد وواشنطن، ونحن أيضاً مع بداية جلسات البرلمان الأسبوع المقبل، وسنبحث هذا الملف مع الجهات الحكومية التنفيذية المختصة".
رسالة ضمنية وجرس إنذار.. والنفط خارج المعادلة
من جانبه، وصف أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، فرض رسوم جمركية على البضائع العراقية المصدّرة إلى الولايات المتحدة، بأنه "يحمل طابعاً رمزياً".
وقال السعدي في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "القرار الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على البضائع العراقية المصدّرة إلى الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 30% يحمل طابعاً رمزياً أكثر من كونه فعلياً من حيث التأثير الاقتصادي المباشر، فالعراق ليس من الدول التي لديها حجم صادرات كبير باتجاه السوق الأميركية، وبالتالي فإن التبعات المالية المباشرة ستكون محدودة للغاية، ونحن أساساً نعتمد على تصدير النفط، وهو مستثنى من هذه الرسوم بضغط من المصافي الأميركية، أما غير النفط، فالصادرات العراقية نحو أميركا تكاد تكون هامشية، وتقتصر على بعض المنتجات الأولية، أو البتروكيمياويات المحدودة، أو مواد بسيطة ذات طابع صناعي أولي أو زراعي محدود".
وأضاف، "رغم هامشية الأثر المالي، لكن لا يمكن التقليل من الانعكاسات غير المباشرة لهذا القرار، أولاً: هناك رسالة سياسية ضمنية تفيد بأن العراق لم يعد ضمن قائمة الدول المستثناة من السياسات التجارية المتشددة الأميركية، وهذا قد يؤثر على نظرة المستثمرين والشركات الأميركية لأي شراكة تجارية أو صناعية مستقبلية في العراق، ثانياً: هذا القرار قد يُضعف أي محاولة مستقبلية لتوسيع قاعدة الصادرات العراقية إلى الأسواق العالمية، خصوصاً إذا بدأت الدول الأخرى تتبنى سياسات حماية مماثلة، ثالثاً: نحن الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التفكير في خارطة بديلة للتجارة الخارجية، والبحث عن أسواق بديلة لتصريف منتجاتنا، لأن الاعتماد على سوق واحدة أو مسار واحد لم يعد مضموناً في ظل هذه التقلّبات".
وختم بالقول: "بالمجمل، اعتقد أن هذا القرار يجب أن يُقرأ كفرصة للحكومة العراقية كي تعيد النظر بسياسة التصدير ودعم المنتج المحلي، إذا أردنا فعلاً أن يكون للعراق دور تجاري متنوع، فعلينا أن نبدأ بإصلاح منظومة الصناعة، وتشجيع الإنتاج، وخفض كلف التصدير، وتوفير الحوافز للشركات العراقية التي تريد أن تخترق الأسواق الدولية، والرسوم الأميركية ليست أزمة، لكنها جرس إنذار يدعونا إلى التفكير الجدي بإعادة بناء اقتصاد متوازن ومتنوع لا يرتجف أمام أي قرار خارجي".
ويوم أمس، أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، فرض تعريفة جمركية بنسبة 30% على جميع المنتجات العراقية المُرسلة إلى الولايات المتحدة، ابتداء من الشهر المقبل.
وجاء في نصّ رسالة للرئيس الأميركي دونالد ترامب موجهة إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اطلعت عليها "الجبال": "رئيس وزراء جمهورية العراق، يُشرفني أن أرسل إليكم هذه الرسالة، فهي تُبرز متانة علاقاتنا التجارية والتزامنا بها، وموافقة الولايات المتحدة الأميركية على مواصلة العمل مع العراق، على الرغم من وجود عجز تجاري كبير مع بلدكم العظيم. ومع ذلك، فقد قررنا المضي قدماً معكم، ولكن فقط بتجارة أكثر توازناً وعدالة. لذلك، ندعوكم للمشاركة في الاقتصاد الاستثنائي للولايات المتحدة، السوق الأولى في العالم بلا منازع".
وتابعت الرسالة: "لقد ناقشنا لسنوات طويلة علاقاتنا التجارية مع العراق، وخلصنا إلى ضرورة تجاوز هذه المشاكل التجارية طويلة الأمد والمستمرة نتيجة سياسات العراق الجمركية وغير الجمركية والحواجز التجارية. وابتداءً من 1 أغسطس [آب] 2025، سنفرض على العراق تعريفة جمركية بنسبة 30% فقط على جميع المنتجات العراقية المرسلة إلى الولايات المتحدة، منفصلة عن جميع التعريفات القطاعية".
وأضاف، "يرجى تفهم أن نسبة 30% أقل بكثير مما هو مطلوب لسد عجز الموازنة التجارية مع بلدكم. كما تعلمون، لن تُفرض تعريفة جمركية إذا قرر العراق أو الشركات في بلدكم تصنيع أو إنتاج منتجات داخل الولايات المتحدة، وسنبذل قصارى جهدنا للحصول على الموافقات بسرعة واحترافية وبشكل دوري. بعبارة أخرى، في غضون أسابيع. إذا قررتم، لأي سبب من الأسباب، رفع تعريفاتكم الجمركية، فسيتم إضافتها، أياً كان المبلغ الذي تختارونه، إلى نسبة الـ30% التي نفرضها".
وأشار إلى أنه "يُرجى تفهم أن هذه التعريفات ضرورية لتصحيح سنوات طويلة من سياسات العراق الجمركية وغير الجمركية والحواجز التجارية، والتي تسببت في عجز تجاري غير مستدام ضد الولايات المتحدة. يُشكل هذا العجز تهديداً كبيراً لاقتصادنا، بل ولأمننا القومي".
وختم، بالقول: "نتطلع إلى العمل معكم كشريك تجاري لسنوات عديدة قادمة. إذا رغبتم في فتح أسواقكم التجارية المغلقة حتى الآن أمام الولايات المتحدة، وإلغاء سياساتكم الجمركية وغير الجمركية والحواجز التجارية، فربما ندرس تعديل هذه الرسالة. قد يتم تعديل هذه التعريفات، بالزيادة أو النقصان، حسب علاقتنا ببلدكم. لن يخيب ظنكم أبداً في الولايات المتحدة الأميركية".