بالتزامن مع وقف إطلاق النار بين الجمهورية الإيرانية و"إسرائيل" بعد حرب دامت 12 يوماً، تنامت في العراق ظاهرة يصفها المراقبون بـ"حرب المسيّرات"، حيث استهدفت عدة طائرات مسيّرة وصواريخ موجهّة مجهولة النسب، قواعد عسكرية ومناطق متفرقة في بغداد وذي قار والسليمانية وكركوك وأربيل.
تلك الاستهدافات باتت تُربك الوضع الأمني في العراق، وتثير حفيظة الشارع، مع استغراب إزاء "الصمت الحكومي"، وسط توقعات بأن تلك الهجمات قد تعتبر تمهيداً لـ"جولة حرب جديدة ما بين ايران وإسرائيل"، وترجيحات بـ"وقوف جهات داخلية تعمل بمؤثرات خارجية وراء تنفيذها".
في السياق، يشير متخصصون في المجال الأمني والعسكري، إلى أن غياب التحرّك الحكومي إزاء تلك الهجمات المسيّرة، يخبئ خلفه "دراية حكومية تامة بالجهة التي تقف وراء تلك الهجمات"، إلا أن "التخوّف الحكومي" يحول دون تشكيل لجان خاصة للتحقيق فيها، خشية من "تصعيد كارثي".
الخبير في القضايا العسكرية أحمد الشريفي، وصف موقف الحكومة العراقية إزاء "حرب المسيّرات"، بـ"الحرج"، فيما أشار إلى أنها "لا تستطيع مواجهة الجهة المسؤولة عن تلك المسيّرات والضربات التي تنفذ داخل الأراضي العراقية".
وفي تصريح لمنصّة "الجبال"، قال الشريفي إن "الحكومة العراقية في موقف حرج، ولهذا هي ملتزمة الصمت لما يتعرض له العراق من حرب عبر المسيّرات، فالحكومة لا تستطيع الكشف عن الجهة التي تقف خلف تلك الهجمات، ولا تستطيع مواجهة تلك الجهة، ولهذا هي تلتزم الصمت".
في السياق: حديث عن "رسالة سياسية".. تفاصيل جديدة حول هجوم المسيّرتين في السليمانية
وبيّن أن "الحكومة العراقية تعرف جيداً من يقف خلف الهجمات بالطيران المسيّر بنسبة 100%، وهذه الجهة هي داخلية تعمل بمؤثرات خارجية، والهدف من ذلك هناك توقع بأن هناك جولة حرب جديدة ما بين ايران وإسرائيل".
وأضاف أن "الحكومة العراقية، بلا أي موقف تجاه تلك الهجمات والتي أصبحت بشكل شبه يومي، فالحكومة حتى لم تشكّل أي لجان تحقيقية كباقي اللجان التي تشكّل بعد أي خروقات أمنية وعسكرية، وهذا بسبب الحرج الكبير، كما أن العراق ليس له أي إمكانية يستطيع من خلال صدّ هكذا هجمات، وربما تلك الهجمات سوف تستمر وتتصاعد وهذا الأمر مرتبط بالتوتر الإقليمي".
من جانبه، تحدّث الخبير الأمني والاستراتيجي سيف رعد، عن أسباب ما وصفه بـ"التعتيم الحكومي"، إزاء قصف المسيّرات المتواصل للمدن العراقية.
إقرأ/ ي أيضاً: مسيرات وصواريخ تستهدف 3 محافظات عراقية.. ماذا حدث ليلة أمس؟
وقال رعد، في تصريح لمنصّة "الجبال"، إنه "في وجهة نظري أهم أسباب التعتيم الحكومي، هو معرفة الجهة، والخشية من المواجهة، فمن المحتمل أن الحكومة العراقية تدرك أو تشتبه في أن إسرائيل أو جهة متحالفة معها تقف وراء هذه الهجمات"، مدّعياً "العثور يوم أمس على حطام إحدى الطائرات في أربيل حسب الرقم التسلسلي والشكل العام قد تكون طائرة مسيّرة من نوع (هاروب) الإسرائيلية"، حسب زعمه.
وقد يكون "التعتيم" ناتجاً عن الخوف من التصعيد مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، وفق رعد، وذلك لأن "نتائج التصعيد ستكون كارثية على النظام السياسي والاقتصادي العراقي، وقد يكون التعتيم من أجل الحفاظ على التوازن السياسي الداخلي. فالعراق يواجه ضغوطاً من فصائل مسلحة التي تدعو دائماً إلى طرد القوات الأميركية وتتهم الولايات المتحدة بتسهيل الهجمات الإسرائيلية ، فالتعتيم قد يكون محاولة لتجنب استفزاز هذه الفصائل التي تملك نفوذاً سياسياً وعسكرياً كبيراً ضمن إطار هيئة الحشد الشعبي، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الحكومة، بالإضافة غياب منظومة دفاع جوي فعّالة"، على حد تعبير رعد.
ولفت إلى أن "الحكومة لا تريد إعلان هذا العجز التقني لتفادي إبراز ضعفها الأمني، وآخر أسباب الصمت الحكومي هو تجنب تأجيج الرأي العام في ظل وجود خطاب شحن طائفي مستمر ومتزامن قبل وخلال الهجمات، والكشف عن جهة مثل إسرائيل قد يثير غضب الشارع العراقي خاصة في ظل التوترات الإقليمية بعد حرب 12 يوماً بين الكيان وإيران، فالتعتيم يهدف إلى الحد من التوترات الداخلية والاحتجاجات التي قد تستهدف الحكومة نفسها بسبب فشلها في حماية الأراضي العراقية".
وتابع، أن "تشكيل لجنة تحقيق قد يضع الحكومة في موقف حرج حيث أن الكشف عن إسرائيل كجهة مسؤولة قد يتطلب استجابة علنية أو عسكرية وهو أمر قد لا تكون الحكومة مستعدة له سياسياً أو عسكرياً كما أن الفصائل المسلّحة قد تعارض أي تحقيق يُظهر تورط الموساد الإسرائيلي دون أن يتبعه ردّ فعل قوي ضده، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تكون حكومة السوداني تحت ضغط من الولايات المتحدة أو حلفاء آخرين؛ لعدم تصعيد الوضع خاصة مع وجود خطط لسحب القوات الأميركية تدريجياً بحلول عام 2026".
وأكد، أن "التحقيق العلني قد يكشف عن معلومات حسّاسة تؤثر على هذه العلاقات مع الأخذ بنظر الاعتبار بأن تشكيل لجان تحقيق فعّالة يتطلب قدرات استخباراتية وتقنية متقدمة، وهو ما قد يكون محدوداً في العراق بسبب ضعف البنية التكنولوجية الأمنية مع وجود قيادات بعيدين عن المهنية والخبرة وحتى لو تم تشكيل لجان فإن الفساد المؤسسي وسيطرة بعض الشخصيات السياسية على الأداء الحكومي قد تعيق كشف الحقائق بالإضافة إلى مخاطر التلاعب بالنتائج لصالح أجندات سياسية داخلية أو خارجية".
وكشف، عن أنه "إذا تم تشكيل لجان مستقلة ومجهزة بالموارد المناسبة مثل: خبراء، وتقنيين واستخباراتيين، فقد تتمكن من تحديد مصدر الهجمات؛ خاصة إذا كانت الطائرات المسيرة مثل (هاروب) تحمل بصمات تقنية إسرائيلية. تحليل الحطام، تتبع مسارات الطائرات، والتنسيق مع أجهزة استخبارات دولية؛ يمكن أن يساعد في تحديد الجهة المسؤولة، لكن يجب الإشارة بأن اهم التحديات أمام اللجان هي الضغوط السياسية من فصائل موالية لإيران أو من حلفاء دوليين مثل الولايات المتحدة التي قد تحدّ من شفافية النتائج، كما أن إعلان تورّط الكيان الصهيوني قد يؤدي إلى تداعيات دبلوماسية أو عسكرية مما قد يدفع الحكومة لتغطية النتائج أو تقديم رواية مخففة".
وختم الخبير الأمني والاستراتيجي، بالقول إنه "بالنتيجة النهائية فإن التعتيم الحكومي على هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ ومن يقف خلفها، هو بسبب التخوّف الحكومي من ردود الفعل الداخلية وعدم قدرتها على التصعيد العسكري والدبلوماسي، لكن يجب أن تعي الحكومة والكتل السياسية والنظام السياسي بأننا في حالة حرب هجينة عسكرية وسيبرانية يقف خلفها عملاء من الموساد الإسرائيلي تسعى لتحييد التهديدات الإيرانية في العراق، مستغلّة الفوضى الأمنية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية".