خاص| مواطنون يكشفون عن تهديدات من قبل موظفي وزارة الكهرباء.. ما القصة؟

8 قراءة دقيقة
خاص| مواطنون يكشفون عن تهديدات من قبل موظفي وزارة الكهرباء.. ما القصة؟ مواطن يتعامل مع خط كهربائي (أسوشيتد برس/هادي مزبان)

في تطور مثير للجدل، عبّر مواطنون من مناطق متفرقة في العاصمة بغداد عن استيائهم مما وصفوه بـ "تهديدات مباشرة" من قبل بعض عناصر جباية الكهرباء، الذين لوّحوا برفع دعاوى قضائية ضد المتخلفين عن الدفع تحت تهمة "سرقة أموال الدولة".

 

هذه التهديدات التي يراها مختصون فاقدة للسند القانوني، أثارت حالة من الخوف والاستغراب بين المواطنين، خاصة أن تأخير دفع الفواتير لا يُصنّف جنائياً وفق القوانين العراقية، بل يُعد مخالفة مدنية قابلة للتسوية.

 

ومع تزايد الضغوط الاقتصادية على شريحة واسعة من السكان، يرى كثيرون أن الأسلوب المعتمد من قبل بعض الجباة يتجاوز حدود القانون، ويشكل انتهاكاً للكرامة والحقوق المدنية، ما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول الرقابة على عمل شركات الجباية وآلية تعاملها مع المواطنين.

 

مواطنون في بغداد يشتكون من تهديدات الجباة

 

ويعرب عدد من المواطنين في العاصمة بغداد عن استيائهم وقلقهم المتزايد إزاء ما وصفوه بـ "التهديدات الصريحة" التي يتعرضون لها من قبل بعض عناصر الجباية المكلفة بتحصيل أجور الكهرباء الوطنية، مؤكدين أن "بعضهم لوّح بإقامة دعاوى قضائية ضدهم بتهمة سرقة أموال الدولة في حال عدم التسديد الفوري".

 

وقال المواطن أحمد سليم، من منطقة حي العامل (غربي بغداد)، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، إن "موظفاً يعمل في جباية الكهرباء وهدد المواطنين برفع دعوى ضدي إذا لم أسدد فوراً، متهماً إيّاي بسرقة أموال الدولة"، مبيناً أن "هذه تهمة كبيرة ومخيفة ونحن مجرد مواطنين يعانون من ظروف معيشية صعبة ولم أتهرب من الدفع".

 

ويضيف سليم الذي يملك محلاً لبيع المواد الإنشائية، قائلاً إن "موظفي الجباية هددوا بتحويل جميع أصحاب المحال في المنطقة إلى القضاء خلال ساعات، بتهمة (سرقة المال العام)".

 

وفي منطقة البياع، يصف عدنان محمد، وهو مواطن آخر، الوضع بأنه "مرعب"، قائلاً إن "الجباة يتعاملون مع الجميع وكأنهم لصوص، وهذا يحتاج إلى تدخل حكومي عاجل لأن هذه التصرفات تُرهب المواطن وتخرجه من إطار الحقوق المدنية إلى اتهامات جنائية بلا أساس قانوني".

 

كما يؤكد المواطن، أن "الناس تعيش تحت ضغط نفسي، مجرد تأخر في الدفع يتحول إلى تهديد بالسجن، هذا تجاوز قانوني، وينبغي أن تتدخل الجهات الرقابية للحد من هذه الممارسات".

 

وفي العام الماضي، أعلنت وزارة الكهرباء بدء تنفيذ مشروع الجباية الإلكترونية بعد تأخر محدود في تطبيقه، مؤكدة أن "المشروع يُعد خطوة محورية لضبط واردات الوزارة وتعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، إلا أن الجباية لا تزال مستمرة بشكل يومي".

 

وقال أحمد مرتضى، رئيس اللجنة الوزارية للإشراف على المشروع، في وقتها إن الجباية الإلكترونية ستسهم في تسهيل تسديد الرسوم، وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وإنهاء مشاكل التحصيل التقليدي.

 

كما شدد على أهمية الالتزام بالدفع الإلكتروني، نافياً وجود أي نية لرفع أسعار الجباية، ومؤكداً أن التحول الرقمي يمثل نقلة نوعية في إدارة ملف الطاقة، تمهيداً لتجهيز كهربائي مستقر على مدار الساعة.

 

الكهرباء تتبرأ من الموضوع

 

وحاول فريق منصة "الجبال"، على مدار أيام التواصل مع المتحدث الرسمي لوزارة الكهرباء أحمد العبادي، إلا أن اتصالاتهم لم تتلق أي رد، إلا أن مصدراً رفيعاً في وزارة الكهرباء تحدث لكن رفض الكشف عن نفسه، قائلاً إن "الوزير والمدراء العامين في الوزارة لا علم لديهم بوجود حالات تهديد ضد المواطنين من قبل فرق الجباية، تتعلق بتوجيه تهم سرقة أموال الدولة بسبب تأخرهم في تسديد أجور الكهرباء".

 

ويضيف المصدر خلال حديثه لمنصة "الجبال"، أن "الوزارة ستقوم بالتحقق من الموضوع"، مشيراً إلى أن "هذا النوع من التصرفات في حال ثبت لا يمثل التوجهات الرسمية للوزارة".

 

ويشهد العراق منذ أيام تراجعاً ملحوظاً في تجهيز الطاقة الكهربائية، ما تسبب بزيادة ساعات القطع في عدد من المحافظات، وسط درجات حرارة مرتفعة تقترب من معدلات الصيف المعتادة.

 

ويعزو مسؤولون في قطاع الكهرباء هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها ارتفاع الأحمال نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى تأخر وصول وقود محطات الإنتاج، وتعطل عدد من الوحدات التوليدية لأسباب فنية، فضلاً عن تراجع تجهيز إيران بالغاز.

 

ووفقاً للمراقبين، فإنه رغم الوعود الحكومية المتكررة بتحقيق استقرار في ملف الكهرباء، لا تزال هذه الأزمة تتصدر اهتمامات المواطنين مع كل موسم صيف، ما يستدعي حلولاً جذرية ومستدامة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.

 

تعليق من البرلمان

 

علّقت اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي، على هذه الشكاوى متكررة من مواطنين بشأن تهديدهم من قبل بعض عناصر جباية الكهرباء برفع دعاوى قضائية ضدهم بتهمة "سرقة أموال الدولة".

 

ويقول عضو اللجنة مرتضى الساعدي، في حديث مقتضب لمنصة "الجبال"، إن "عناصر جباية الكهرباء يمتلكون صلاحيات قانونية ضمن مهامهم في تحصيل الأجور".

 

ويتوقع الساعدي، عدم قيام الجباة برفع دعاوى على المواطنين، وأن التهديد يعتبر جزءاً من التخويف بغية تسديد الأجور المتعلقة بالكهرباء الحكومية "الوطنية".

 

ويواصل النائب حديثه بالقول إن "الإجراء القانوني المتعارف يكون عادة من خلال التنبيه أو قطع التيار الكهربائي في حال الامتناع عن الدفع".

 

وتعاقدت وزارة الكهرباء العراقية، خلال الأشهر القليلة الماضية، مع شركات أهلية للجباية تهدف إلى تقديم خدمات مساندة وليست مجرد تحصيل أجور، مشيرة إلى أن هذه العقود تتضمن تشغيل 80% من موظفي الوزارة ضمن الكوادر العاملة، مع تأمين رواتبهم من نسبة 12.9% من الإيرادات.

 

المتحدث باسم الوزارة، أحمد موسى، أوضح في بيان سابق أطلعت عليه منصة "الجبال"، أن العقود تتضمن التزامات متبادلة بين الوزارة والشركات، نافياً الاستغناء عن الكوادر الحكومية، ومؤكداً أن المتبقي من الإيرادات يذهب لصالح الوزارة.

 

خبراء قانونيون: لا سند قانوني للتهديدات 

 

وفي هذا السياق، يقول مختصون قانونيون، إن القانون العراقي لا يتضمن نصاً يجيز توجيه تهمة "سرقة أموال الدولة"، إلى المواطنين في حال تأخرهم عن تسديد أجور الكهرباء، مشيرين إلى أن هذا النوع من القضايا يدخل ضمن المخالفات الإدارية أو المالية، ويمكن معالجته بطرق قانونية مدنية دون اللجوء إلى التهديد بالعقوبات الجنائية.

 

ويطالب المختصون، الجهات المعنية إلى "وضع ضوابط واضحة لعمل شركات الجباية ومحاسبة من يمارس الابتزاز أو يسيء استخدام الصلاحيات، حفاظاً على كرامة المواطن واحتراماً للقانون".

 

ويقول الخبير القانوني علاء شون، إن "تهديد المواطنين بتوجيه تهمة سرقة أموال الدولة بسبب تأخرهم في تسديد أجور الكهرباء يُعد إجراءً غير قانوني"، مشيراً إلى أن "هذا السلوك قد يرقى إلى الابتزاز أو التهديد ويستوجب المساءلة القانونية بحق الجهة التي تقوم به".

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف شون، أن "تهمة سرقة أموال الدولة تُبنى على أدلة جنائية واضحة، وتتعلق بسلوكيات تمس المال العام بصورة مباشرة من قبل موظفين أو أشخاص مكلفين بخدمة عامة"، مبيناً أنه "لا يمكن اعتبار تأخير المواطن عن تسديد أجور الكهرباء، سواء أكان سكنياً أو تجارياً، سرقةً للمال العام، لأن القانون يُصنف هذه الحالات ضمن النزاعات المالية المدنية وليس القضايا الجزائية".

 

ووفقاً لشون، فإن الجهة المخولة بجباية الأموال سواء كانت دائرة حكومية أو شركة متعاقدة، لا تملك الحق في تهديد المواطن بعقوبات جنائية، وإنما يحق لها إصدار إنذار للمواطن المتخلف عن الدفع، ومن ثم اللجوء إلى المحاكم المدنية للمطالبة بالمبالغ المستحقة.

 

وتابع الخبير القانوني، قائلاً: "إذا امتنعت الجهة المعنية عن السداد بعد صدور حكم قضائي، يمكن أن تنتقل القضية إلى دائرة التنفيذ، التي تتولى تحصيل المبالغ من خلال الحجز أو الإجراء التنفيذي المناسب وفق القانون، وقد تصل العقوبة حينها إلى الحبس التنفيذي في حال تعذر استيفاء المبلغ، لكن ذلك يتم ضمن مسار قانوني واضح وتحت إشراف القضاء، وليس عبر تهديد شفهي أو تعسفي".

 

ويشير شون إلى أن "وزارة الكهرباء تملك أيضاً خيار قطع التيار الكهربائي كإجراء إداري في حال استمرار التخلف عن الدفع، وبشرط أن يتم ذلك ضمن الأطر القانونية ووفق التعليمات الصادرة من الوزارة"، مضيفاً أن "التعامل مع المواطنين يجب أن يكون ضمن احترام القانون وكرامة الإنسان، وأي تهديد باستخدام تهم جنائية في غير محلها يُعد تجاوزاً على القانون ويجب محاسبة من يقوم به، سواء كانوا من موظفي الدولة أو شركات الجباية المتعاقدة".

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الخميس 29 مايو 2025 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.