يجري رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ثالث زيارة إلى تركيا خلال ترؤسه الحكومة العراقية، بعد أن زارها سابقاً في آذار 2024 وفي تشرين الثاني 2024، بينما أجرى أردوغان زيارة رسمية للعراق في نيسان 2024 هي الأولى له منذ 13 عاماً.
والزيارات التي أجراها السوداني إلى تركيا، والتي أجرها اردوغان إلى العراق، "عززت أواصر العلاقة بين البلدين، وهذه العلاقة أصبحت هي الأفضل منذ حوالي 10 سنوات"، كما يقول مسؤولون.
وفي وقت سابق من اليوم، وصل رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني إلى أنقرة، في وقت تمر فيه المنطقة بظروف أمنية معقدة، وسط استمرار التدخلات التركية في الشأن العراقي، لا سيما التواجد العسكري داخل الأراضي العراقية والتوغلات المتكررة في إقليم كردستان بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن شح المياه في البلاد.
وتتجه المسارات إلى أن السوداني سيحاول معالجة ملف المياه مع اقتراب فصل الصيف، فضلاً عن ملفات معقدة مع تركيا، بينها سوريا، بحسب مصدر سياسي.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول لأزمة المياه والتي باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
نفط كوردستان وملفات أخرى
وفي ظل تعقيد الملفات العالقة بين بغداد وأنقرة، تكتسب زيارة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تركيا أهمية سياسية واقتصادية وأمنية، لكنها تبقى محاطة بكثير من التحفظات بشأن النتائج المتوقعة، كما رأى سياسيون.
عضو مجلس النواب مختار الموسوي أكد أن "الزيارة ستتناول ملفات محورية أبرزها التواجد العسكري التركي في شمال العراق، والحصص المائية، بالإضافة إلى نفط إقليم كردستان"، داعياً إلى "ضرورة التفاهم الشامل بين الجانبين وتطوير العلاقات الثنائية على مختلف المستويات".
ورغم أهمية هذه الملفات، أشار الموسوي خلال حديثه لمنصة "الجبال" إلى أن "التجربة العراقية في مثل هذه الزيارات لا تبعث على التفاؤل، مبدياً قلقه "من تكرار سيناريو غياب المتابعة بعد انتهاء اللقاءات الرسمية، ما يؤدي إلى العودة إلى نقطة الصفر".
وأوضح: "في العراق، غالباً ما يتم طرح ملفات حساسة أثناء الزيارات الرسمية، لكنها تُترك من دون آلية واضحة للمتابعة أو التنفيذ".
العلاقات العراقية – التركية، ـ والكلام للموسوي ـ "ما تزال تعاني من هشاشة واضحة بسبب تراكم الأزمات، وفي مقدمتها الملف الأمني وهو ما يحتم على الحكومة العراقية العمل بجدية على تحسين هذه العلاقات وتعزيز حضور العراق في أي تفاوض مستقبلي".
الموسوي عبّر عن تشكيكه في مدى جدية بعض الدول في التعامل مع العراق، مستشهداً بموقف "دول الخليج من قضية خور عبد الله، حيث لم تُراعِ بعض الدول وجهة النظر العراقية، رغم الزيارات الدبلوماسية المكثفة التي أجراها السوداني خلال فترة رئاسته".
وختم النائب حديثه بالقول: "العراق اليوم لا يستطيع فرض شروطه على تركيا، لكن يمكنه اعتماد مقاربة جديدة أكثر توازناً بعد عودة السوداني من أنقرة، تقوم على المتابعة والتقييم الحقيقي لما تم الاتفاق عليه، كي لا تتحول هذه الزيارة إلى مجرد مناسبة بروتوكولية أخرى بلا نتائج ملموسة".
وقبل أيام، علم موقع "المونيتور" الأميركي أن تركيا أوقفت إمداد العراق بالكهرباء عبر خط كهرباء بقدرة 300 ميغاواط، وذلك بعد أن تخلفت بغداد عن سداد متأخرات مستحقة لأنقرة تُقدر بنحو 70 مليون دولار، بموجب الخطة التي بدأ العمل بها خريف العام الماضي.
وتسعى بغداد إلى مضاعفة كمية الكهرباء التي تشتريها من تركيا، وتُفيد التقارير بأنها تعمل على ترتيب خط ائتمان لضمان استئناف المبيعات التركية.
وتمر الكهرباء التركية إلى العراق عبر محطة فرعية في إقليم كوردستان مملوكة لحكومة الإقليم وتديرها مجموعة كار التي تمتلك حصة في خط أنابيب النفط.
"إرادة سياسية" لتطوير العلاقات
ومع ذلك، فإن تطور العلاقات العراقية – التركية ظهر واضحاً خلال فترة الحكومة الحالية، فأردوغان ولاول مرة يعتزم زيارة العراق خلال الفترة المقبلة، فبعد قطيعة دامت لاكثر من 13 عاماً، يشد الرحال وللمرة الثانية الى بغداد، وهو ما يشكل علامة فارقة في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، بحسب مستشار رئيس الوزراء، مظهر محمد صالح.
ويقول صالح في حديث لمنصة "الجبال"، إن "العلاقات العراقية – التركية تشهد بالفعل زخماً متزايداً من القدم مقارنة بالسنوات الماضية، بفضل تقارب المصالح الاقتصادية والتجارية وتوفر إرادة سياسية من الطرفين".
وأضاف أن "وجود ملفات استراتيجية مشتركة تعزز فرص بناء شراكة مستدامة والتي في مقدمتها (مشروع طريق التنمية) الذي يربط ميناء الفاو بتركيا وصولاً إلى أوروبا الذي سيكون حاضراً بقوة في المباحثات، باعتباره مشروعاً استراتيجياً للربط التجاري والاستثماري بلا شك ويخدم مصالح البلدين الصديقين والمنطقة".
وشدد صالح على "أهمية مناقشة ملف المياه، باعتباره أكثر الملفات إلحاحاً، نظراً لتأثير السدود التركية على حصة العراق المائية، خصوصاً في نهري دجلة والفرات".
وتوقع مستشار السوداني، أن "يطالب السوداني بحصة مائية عادلة، ضمن اتفاقات ملزمة، تتناسب وتطور العلاقات التجارية والاقتصادية المهمة بين البلدين، فضلاً عن موضوع جذب الاستثمارات التركية، في مجالات البنية التحتية في النقل، والزراعة، والطاقة".
ولفت إلى أن "العراق هو الشريك التجاري الثاني او الثالث لتركيا بين دول العالم ما لم يكون الاول، اذ تصل تلك التجارة بين الطرفين بين 14 و20 مليار دولار سنوياً، وان تركيا تجذب سنويا قرابة ثلاثة ارباع مليون سائح عراقي ولها مصالح في قطاع الاعمار والبناء في عموم البلاد، فضلاً عن وجود جالية عراقية ناجحة وكبيرة يقدر عددها بحوالي مليون عراقي تعيش في تلك البلاد الصديقة المجاورة".
الخلافات مستمرة بين البلدين
من جهته، يرى الباحث بالشأن السياسي مجاشع التميمي، الزيارات المتبادلة بين العراق وتركيا تفتح قنوات حوار أكثر جدية رغم استمرار الخلافات.
ويقول التميمي في حديث لمنصة "الجبال"، إن "زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تركيا تمثل تتويجاً لمرحلة جديدة من الانفتاح بين بغداد وأنقرة".
وأضاف أن "الزيارة تشير إلى تحسّن ملحوظ في العلاقات الثنائية، ربما هو الأفضل منذ سنوات".
وأشار التميمي إلى أن "الحكومة الحالية تبنّت مقاربة براغماتية توازن بين السيادة والمصالح المشتركة، خاصة في الملفات الحساسة كالمياه والوجود العسكري التركي في شمال العراق".
وتابع الباحث بالشأن السياسي، أنه "رغم استمرار الخلافات، فإن هذه الزيارات تفتح قنوات حوار أكثر جدية، خصوصاً بعد توقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية مهمة".
ولفت الى، أن "الملف المائي يظل معقداً لكنه قابل للحل إذا وُظفت التفاهمات الجديدة لمصلحة مشتركة، أما الوجود العسكري التركي، فيتطلب معالجة هادئة تحفظ السيادة دون تفجير الأزمة".
وفيما يخص الملف السوري، فإن "العراق بحاجة لتنسيق أكبر مع تركيا لضبط الحدود ومواجهة الإرهاب، ما يجعل من أنقرة شريكاً لا يمكن تجاوزه، يذكر التميمي ويضيف أن "زيارة السوداني تعكس نضجاً دبلوماسياً يمكن أن يثمر لاحقاً، شريطة تحويل النوايا إلى إجراءات ملموسة".