كشف خبير اقتصادي عن أسباب الهبوط المفاجئ في سعر صرف الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي، خلال الأيام الماضية، لافتاً إلى إمكانية استمرار انخفاض العملة الأميركية.
وشهدت الأسواق العراقية خلال الأيام الماضية انخفاضاً ملحوظاً في سعر صرف الدولار أمام الدينار في السوق الموازي، ليقترب من حاجز 1420 ديناراً للدولار، وهو مستوى قريب جداً من السعر الرسمي بعد احتساب التكاليف المصاحبة. وبحسب الخبير الاقتصادي فإن "هذا التراجع يعكس تغيرات متعددة في الطلب والعرض داخل السوق المحلي، ويثير التساؤلات حول العوامل التي تقف خلفه".
وأشار الخبير الاقتصادي العراقي منار العبيدي إلى تسعة أسباب شكلت عوامل دفعت إلى نزول قيمة العملة الأميركية في الأسواق العراقية، وهي:
أولا: تراجع الطلب مقابل وفرة العرض
السبب الأساس لهذا الهبوط يعود إلى انخفاض الطلب على الدولار في السوق الموازي، بالتوازي مع زيادة ملحوظة في عرض العملة الصعبة داخل السوق. و"هذا التوازن الجديد ساهم في تقليص الفجوة بين السعر الموازي والسعر الرسمي"، وفق العبيدي.
ثانياً: تحول المستثمرين نحو الذهب
أشار الخبير الاقتصادي إلى تراجع في ثقة بعض المستثمرين المحليين بالدولار كأداة إدخار، خاصة مع تزايد التوقعات بانخفاض قيمته مقابل الذهب. هذا الاتجاه دفع العديد منهم إلى تصريف ما بحوزتهم من الدولار وتحويله إلى الذهب كملاذ آمن، مما زاد من عرض الدولار في السوق.
ثالثاً: تدفق الدولار من مصادر غير نفطية
ارتفعت كميات الدولار القادمة من خارج العراق، بحسب قول العبيدي، "خصوصاً من الاستثمارات الأجنبية والتحويلات المالية للشركات الدولية العاملة داخل البلاد، وهو ما عزز من حجم المعروض من الدولار دون ارتباط بمبيعات النفط".
رابعاً: تقلص الكتلة النقدية من الدينار
قام البنك المركزي العراقي بخفض الكتلة النقدية من الدينار المصدرة بأكثر من 6 تريليونات دينار خلال الأشهر الستة الماضية، لتنخفض من 104 تريليونات إلى نحو 98 تريليون دينار، هذا الانكماش أدى إلى ارتفاع قيمة الدينار بشكل نسبي، ما ضغط على سعر الدولار نحو الأسفل، والكلام للعبيدي.
خامساً: تراجع الاستيراد والانكماش التجاري
رغم ارتفاع الواردات من الصين بنسبة 6%، إلا أن الصادرات من دول رئيسية كالهند، تركيا، والولايات المتحدة شهدت انخفاضاً. ويُنتظر وصول بيانات الاستيراد من الإمارات – الشريك التجاري الأكبر للعراق – والتي تمثل 30% من إجمالي وارداته، وفقاً لقول العبيدي، "من المرجح أن تكشف الأرقام عن تراجع، مما يعكس انكماشاً اقتصادياً وانخفاضاً في الطلب العام، بالتالي تراجع الحاجة للدولار".
سادساً: تنوع قنوات الحصول على الدولار بالسعر الرسمي
وشهدت الفترة الأخيرة توسعاً في قنوات الوصول إلى الدولار بالسعر الرسمي، من خلال الحوالات المصرفية، البطاقات، والتحويلات المباشرة. وقد تكيف العديد من التجار مع هذه القنوات، مما قلّل من لجوئهم للسوق الموازي.
سابعاً: تأثير الأوضاع الإقليمية
أوضح العبيدي أن تدهور الوضع الاقتصادي في إيران أدّى إلى انخفاض الطلب على السلع المستوردة من العراق، خصوصاً أن نسبة من هذه السلع كان يعاد تصديرها إلى إيران. كذلك، إن توقف النشاط التجاري مع سوريا – التي كانت تستقبل أيضاً جزءاً من السلع العراقية عبر إعادة التصدير – ساهم في تقليل الطلب على الاستيراد، وبالتالي على الدولار.
ثامناً: الضغط على تجارة النفط المهرب
وشهدت الأسواق أيضاً تضييقاً على قنوات تهريب النفط الإيراني، التي كانت تستخدم السوق العراقي للحصول على الدولار. وهذا التضييق قلص من حجم الدولارات المطلوبة لهذه الأنشطة، وأسهم بالتالي في تخفيف الضغط على العملة الأجنبية.
تاسعاً: تراجع تجارة الممنوعات
تراجعت التجارة غير القانونية نتيجة توقف مصادرها، ومنها تجارة المخدرات وما شابهها التي كان جزء كبير منها يتم مع سوريا والتي كانت تضغط بشكل كبير على سعر الدولار في السوق الموازي، إذ كانت تغطية هذه التجارة تتم عبر السوق الموازي.
أكد الخبير الاقتصادي أن جميع هذه العوامل مجتمعة خلقت بيئة دفعت بسعر صرف الدولار إلى الانخفاض، ومن المتوقع، في ظل استمرار هذه المؤشرات، أن تواصل العملة الأميركية تراجعها لتقترب من مستويات 1395 ديناراً للدولار في الفترة المقبلة، ما لم تحدث تغييرات جوهرية في السياسة النقدية أو الوضعين الإقليمي والدولي.