في وقت تتكاثر فيه ملفات الفساد وتتعثر فيه عجلة الإعمار، يعود إلى الواجهة واحد من أكثر المشاريع السكنية إثارة للجدل في محافظة البصرة، مشروع “طلاع الحمزة” في قضاء أبو الخصيب، الذي تحوّل من حلم تنموي إلى ملف شائك تطارده شبهات التلاعب والتجاوزات المالية والإدارية.
المشروع الذي انطلق قبل أكثر من عقد، تحت غطاء الاستثمار والتطوير العمراني، بات اليوم شاهداً حياً على فوضى الإدارة، وسوء التخطيط، واستغلال النفوذ والامتيازات، ليكشف عن شبكة من العلاقات الغامضة التي ربطت بين شركات منفذة ومحافظين ومسؤولين سابقين، في واحدة من أكثر القضايا حساسية على طاولة النزاهة.
ووسط مطالبات شعبية بمحاسبة المسؤولين عن الهدر المالي وتعطيل المشاريع الحيوية، تكشف لجنة النزاهة في مجلس محافظة البصرة، عبر منصّة الجبال، عن تفاصيل جديدة قد تغيّر مسار التحقيقات الجارية، وتسلّط الضوء على حجم الانحرافات التي شهدها هذا المشروع الذي يفترض به أن يخدم آلاف المواطنين، لكنه عُلّق بين أروقة المحاكم وأكوام الأوراق الرسمية منذ سنوات.
وفي حديث خاص لمنصة “الجبال”، فتحت بيداء الناهي، رئيسة لجنة النزاهة في مجلس محافظة البصرة، ملفاً شائكاً يتعلق بمشروع “طلاع الحمزة” السكني، الذي انطلق في عام 2011 بهدف التوسع العمراني في قضاء أبو الخصيب، وتحسين واقع السكن في المحافظة. المشروع، الذي بدأ بإشراف شركة هندية، واجه سلسلة من العقبات بعد دخول شركتي “المرفأ” العراقية و”النور” المصرية كشركاء في التنفيذ، وهو ما اعتبرته الناهي نقطة التحول نحو التلكؤ والتعثر.
الناهي أوضحت أن المشروع لم يتوقف فقط بسبب ضعف الأداء أو سوء الإدارة، بل أن هناك اتهامات جدية بحدوث تجاوزات تتعلق بالإعفاءات الضريبية والجمركية التي حصلت عليها الشركات المنفذة، مشيرة إلى أن هذه الإعفاءات استُخدمت لأغراض تجارية بحتة، بعيداً عن الهدف الأساس الذي رُصدت من أجله، وهو تطوير البنية السكنية في المنطقة.
وأشارت إلى وجود دلائل ومعطيات واضحة تُظهر أن كميات من المواد تم استيرادها باسم المشروع، لكنها لم تُستخدم في مراحل التنفيذ الفعلي، الأمر الذي يثير شبهات حول استغلال اسم المشروع للحصول على امتيازات مالية دون إنجاز حقيقي على الأرض.
وأكدت أن هذه التجاوزات لم تمر دون رد، إذ شهد الملف تطورات قانونية، أبرزها توقيف مدير إحدى الشركات المتورطة لفترة طويلة، وفتح تحقيقات رسمية مع محافظ البصرة الأسبق، ماجد النصراوي، حول عقود تمويل مرتبطة بالمشروع.
الناهي بينت أن الملف ما يزال مفتوحاً في محكمة النزاهة، وأن لجنة النزاهة في المحافظة شكلت فريقاً رقابياً مشتركاً من ست جهات معنية، من بينها دوائر رقابية وإدارية، لمراجعة كل الوثائق والمستندات المتعلقة بالمشروع، والوقوف على المخالفات المرتكبة فيه.
وفي سياق متصل، رجّحت الناهي أن تأخر صرف السلف المالية المخصصة للمشروع خلال الفترة الماضية قد يكون نتيجة مباشرة لإحالة الملف إلى الجهات القضائية، ما دفع الدوائر التنفيذية إلى التريث في ضخ أي تمويل إضافي قبل حسم الموقف القانوني.
المواطن محمد علي، وهو أحد سكان منطقة طلاع الحمزة في قضاء أبي الخصيب جنوب البصرة، قال إن واقع المنطقة لا يزال يراوح مكانه منذ عقود، رغم مرور أكثر من 40 عاماً على توزيع أراضيها بموجب الطابو الصرف في عام 1980، ورغم أن مشروع الخدمات الخاص بها أُحيل منذ عام 2011، إلا أن شيئاً يذكر لم يتحقق على أرض الواقع حتى اليوم.
وفي حديثه لمنصة “الجبال”، عبّر محمد علي عن خيبة أمله من تعاقب الحكومات المحلية والحكومات المركزية، التي قال إنها "لم تنجح في إنهاء معاناة المواطنين في طلاع الحمزة، لا سيما في ظل هيمنة الأحزاب السياسية على القرار الإداري والخدمي، ما أدى إلى تفاقم الإهمال وتهميش هذه المنطقة التي تُعد واحدة من أقدم المناطق السكنية في القضاء".
وأوضح أن سكان المنطقة، الذين بنوا بيوتهم على أمل تحسن الواقع الخدمي بعد إدراج المشروع ضمن خطة عام 2011، "ما زالوا يعانون من غياب شبه تام للبنى التحتية، فلا شوارع معبّدة، ولا شبكات صرف صحي، ولا ماء صالح للشرب، في وقت تتوسع فيه المدن الأخرى وتُصرف عليها مليارات الدنانير تحت عناوين تنموية متعددة".
وفي تصريح لمنصة “الجبال”، أكدت أطياف التميمي عضو مجلس محافظة البصرة واقع العمل في مشروع "طلاع الحمزة" المتلكئ بقضاء أبي الخصيب، مشددة على "ضرورة التزام الشركة المنفذة بإكمال المشروع دون أي تأخير إضافي".
وأضافت التميمي أنها رفعت توصيات مباشرة إلى لجنة التطوير والإعمار لمتابعة الملف، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتسريع العمل، مؤكدة أن "معاناة الأهالي بلغت مراحل لا يمكن السكوت عنها". كما أعلنت عن "اجتماع طارئ" سيجمع الجهات المعنية كافة في المحافظة، لمناقشة المعوقات ووضع حلول جذرية تضمن إنهاء التعثر وتنفيذ المشروع في أسرع وقت ممكن.
وختمت التميم حديثها بالقول إن "مشروع طلاع الحمزة يمثل مطلباً إنسانياً وخدمياً ملحّاً، وتأخره لا يعكس إلا ضعفاً في الإدارة يجب معالجته بشكل فوري".
فيما قال المواطن جعفر إسماعيل، في حديث لـ "الجبال": "نحن أهالي منطقة طلاع الحمزة نعرب عن استيائنا العميق من استمرار تعثر مشروع البُنى التحتية المحال منذ عام 2011، الذي تناوبت عليه عدة شركات فاشلة (بامبوش، مصر النور، أصحاب الفكر، المهدي، أساور القمر، المرفق) دون إنجاز يُذكر"، مضيفاً: "بعد أكثر من 14 عاماً، لا تزال منطقتنا بلا خدمات، وشوارعها تعاني من رداءة التبليط وطفح المجاري، في ظل غياب تام لأي معالجة للبُنى التحتية. هذا الإهمال حرم مئات العائلات من استثمار أراضيهم التي يمتلكونها منذ التسعينات، وأجبرهم على السكن بالإيجارات أو في العشوائيات".
وأردف: "نطالب بتدخل عاجل من حكومة البصرة ومجلس النواب وهيئة النزاهة، ومحاسبة المتسببين في هدر المال العام. كما نحذر من تصاعد الغضب الشعبي مع استمرار المعاناة، ونحمّل كافة الجهات المعنية مسؤولية هذا التدهور المستمر".