بالتزامن مع إحياء عيد العمال العالمي، يتجدد الحديث عن واقع العمل المتأزم في محافظة البصرة، حيث تسجّل أعداد العمالة الأجنبية ارتفاعاً ملحوظاً يقابله اتساع دائرة البطالة بين أبناء المحافظة.
مسؤولون محليون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان حذروا من تفاقم هذه الفجوة، وسط اتهامات بغياب الرقابة الحكومية وفساد في ملف التوظيف، ما ينذر بـ"أزمة مركبة تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المحافظة الغنية بالنفط"، بحسب عديدين.
وكشف عضو لجنة العمل النيابية، حيدر المرياني، في تصريح لمنصة "الجبال"، عن تصاعد أعداد العمال الأجانب العاملين في البصرة، حتّى 5000 عامل لاسيما في القطاع النفطي، مؤكداً أن "نسبة كبيرة منهم دخلوا البلاد بطرق غير رسمية، ويشغلون وظائف في وقت لا يزال فيه آلاف الشباب المحليين يعانون من البطالة والتهميش".
وأوضح أن "لجنة العمل تقتصر صلاحياتها على الرقابة والتشريع وتقديم التوصيات، في حين أن ملف العمالة الأجنبية يُدار من قبل وزارتي النفط والداخلية، ما يقيّد قدرة الحكومة المحلية على التدخل".
وأشار المرياني إلى أن "بعض الشركات النفطية تضع شروطاً تعجيزية أمام العمالة المحلية، مثل اشتراط خبرة طويلة وشهادات تدريب من خارج العراق، إلى جانب معايير عمرية مجحفة، في وقت لا تُعترف فيه حتى بشهادات المعاهد الحكومية، ما يجعل فرص العمل حكراً على العمالة الأجنبية".
وأضاف أن "هناك تجاوزات كبيرة في سوق العمل تشمل بيع الوظائف بأسعار تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات، مما يعزز حضور العمالة الوافدة ويقصي الكفاءات المحلية".
من جانبه، أعرب علي العبادي، رئيس مركز حقوق الإنسان في البصرة، عن قلقه إزاء التوسع غير المنضبط للعمالة الأجنبية، معتبراً أن "شركات النفط وشركات الخدمة تستقدم عمالة أجنبية على حساب السكان المحليين، سواء بأجور مرتفعة أو عبر عمالة منخفضة التكلفة تعاني من ظروف عمل قاسية، تصل في بعض الحالات إلى مستوى جريمة الاتجار بالبشر، في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة وانعدام الرقابة الفاعلة".
وأكد العبادي أن "هذا الواقع يخلق فجوة اجتماعية عميقة ويعزز الإحساس بالظلم بين فئة الشباب العاطلين عن العمل، داعياً الحكومة الاتحادية إلى التدخل العاجل لوضع حد لهذه التجاوزات، وإعادة النظر بسياسات التوظيف والتشغيل في المحافظة بما يضمن حقوق العمال المحليين".
وفي السياق ذاته، أشار نوفل المنصوري، عضو تحالف تقييم في مجلس محافظة البصرة، إلى أن مجلس المحافظة ناقش مؤخراً ملف العمالة الأجنبية، مؤكداً أن "الأجور الضخمة التي تُدفع لهؤلاء العمال، مقابل تهميش أبناء المحافظة، تمثل عبئاً اقتصادياً ومظلومية اجتماعية كبرى".
وأضاف أن "الحكومة المحلية لا تملك صلاحيات رقابية حقيقية على المواقع النفطية، التي تُدار بعقود اتحادية لا يمكن التعامل معها إلا بقرار من رئيس الوزراء أو وزير النفط".
وبيّن المنصوري أن "المجلس يسعى إلى تشكيل لجان تحقيق خاصة لمتابعة هذا الملف وحصر العمالة الوافدة والتحقق من قانونية وجودها"، مؤكداً أن "حكومة البصرة جادة في دعم تشغيل الشباب المحلي وفتح مسارات عادلة للالتحاق بسوق العمل في القطاعين العام والخاص".