من جديد، برزت قضية ميناء "خور عبد الله" إلى الساحة العراقية، عبر تطور مفاجئ قدم فيه رئيس جمهورية العراق عبداللطيف رشيد، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، طعنين منفصلين أمام المحكمة الاتحادية العليا على قرارها الذي أبطل القانون رقم 42 لسنة 2013 بشأن تصديق الاتفاقية بين العراق والكويت حول تنظيم الملاحة في خور عبدالله، مطالبين إياها بالعدول عنه وإعادة الاعتبار للاتفاقية المبرمة بين البلدين.
وبحسب وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، فإن رئيس الجمهورية طلب رسمياً من المحكمة العدول عن قرارها الصادر ببطلان الاتفاقية بالعدد (105 وموحدتها 194/ اتحادية/ 2023) في الرابع من أيلول من عام 2023 والعودة لاعتماد قانون الاتفاقية رقم 42 لسنة 2013.
وشرح رئيس الجمهورية في مطالعة الطعن، جملة من الدفوعات القانونية المتعلقة بسن المعاهدات الدولية فضلاً عن الاستناد للمادة الثامنة من الدستور العراقي التي تنص على أن "العراق يرعى مبدأ حسن الجوار ويلتزم عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل ويحترم التزاماته الدولية".
من جانبه، دعا رئيس الوزراء العراقي كذلك في الطعن الذي قدمه إلى العدول عن قرار بطلان اتفاقية خور عبدالله والعودة لاعتماد القانون رقم 42 لسنة 2013.
وبرر السوداني طلبه، بدوافع قانونية تتعلق بتنظيم بلاده للمعاهدات الدولية إلى جانب الإشارة إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1966 التي رسمت إطاراً يضمن استقرار العلاقات بين الدول ونصت في مادتها الـ27 على أنه "لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة".
ورأى السوداني في المطالعة أن إلغاء اتفاقية خور عبدالله يمس كذلك بالمادة الثامنة من الدستور العراقي التي توجب على العراق احترام التزاماته الدولية علاوة على وجوب مراعاة مبدأ حسن الجوار بجميع تفاصيله.
ونقلت الوكالة الكويتية، عن السوداني، إن الاتفاقية لا تتعلق أصلاً بموضوع ترسيم الحدود الذي تقرر بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993، وإنما تتعلق بتنظيم الملاحة في خور عبدالله وهو أمر مهم لا يمكن العدول عنه إلى أمر مجهول في إجراءات النقل والإدامة مع دولة جارة متشاطئة مع العراق.
غضب عراقي
الطعن المقدم من قبل رئيسي الجمهورية والوزراء أثار حفيظة الأوساط العراقية، مما دفع إلى تنظيم وقفة احتجاجية في محافظة البصرة يوم الخميس الماضي 19 نيسان، رفضاً للمصادقة على اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله العراقي.
وأكد المحتجون خلال الوقفة مساندتهم وتأييدهم لقرار المحكمة الاتحادية الرافض لنص الاتفاقية، كونه حقاً من حقوق سيادة العراق. فيما حذر برلمانيون من توسع رقعة الاحتجاجات في المحافظات العراقية.
وحذر مختصون من فقدان ثقتهم بالقضاء العراقي، في حال اضطرت المحكمة الاتحادية إلى العدول عن قرارها.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد أقرت في الرابع من أيلول 2023 بعدم دستورية القانون 42 لسنة 2013 وهو قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله.
وذكرت المحكمة في بيان مقتضب آنذاك أنها "أصدرت قرارها بعدم الدستورية لمخالفة أحكام المادة (61 / رابعا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على (تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب)".
ولم يصدر عن الحكومة العراقية أي موقف أو تعليق رسمي بخصوص هذا الملف حتى لحظة إعداد ونشر التقرير.
شكوى ضد السوداني
وفي الأسبوع الماضي، طالب عضو مجلس النواب عامر عبد الجبار، بتحريك شكوى جزائية ضد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بسبب عدم تنفيذه قرار المحكمة الاتحادية العليا ومطالبته بإلغاء اتفاقية خور عبد الله المبرمة بين العراق والكويت.
وبحسب الوثائق التي حصلت عليها "الجبال" إنه "بالنظر لعدم تنفيذ قرار المحكمة الإتحادية العليا من قبل رئيس مجلس الوزراء وإصراره على عدم تنفيذ القرار بشأن إلغاء الاتفاقية الخاصة بخور عبد الله، وعدم إيداع قرار المحكمة لدى الأمم المتحدة والمنظمة البحرية".
وتعليقاً على تلك التطورات، يرى عضو لجنة العلاقات الخارجية عامر الفائز، أن الطعون المقدمة أمام المحكمة الاتحادية بشأن خور عبد الله تعكس تعارضاً بين السلطات.
ويقول الفائز في حديث لمنصة "الجبال"، إن "قرارا المحكمة الاتحادية بشأن خور عبد الله ليس بالجديد، واذا لم تتمسك به الحكومة العراقية سيؤثر على العلاقات بين العراق والكويت بشكل سلبي".
وأضاف انه "سبق وأن وقعت اتفاقية في عهد نظام صدام حسين لغرض تنظيم الملاحة، وليس لغرض ترسيم الحدود بين العراق والكويت"، مشيراً إلى أن "الحكومة ولغرض حفاظها على العلاقات بين العراق والكويت لم تودع القرار كوثيقة لدى الأمم المتحدة".
تعارض بين السلطات
واشار الفائز إلى أن "الطعن المقدم من رئيس جمهورية العراق عبداللطيف رشيد، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أمام المحكمة الاتحادية العليا على قرارها الذي أبطل القانون رقم 42 لسنة 2013 في شأن تصديق الاتفاقية بين العراق والكويت حول تنظيم الملاحة في خور عبدالله، والمطالبة بالعدول عنه وإعادة الاعتبار للاتفاقية المبرمة بين البلدين، يعكس تعارضاً بين السلطات، إذ أن الحكومة تنظر إلى الملف من منظور دبلوماسي، ورئاسة الجمهورية لديها وجهة نظر أخرى وكذلك الحال بالنسبة للنواب المعترضين على قرار الرئاسات".
ولفت عضو مجلس النواب إلى أن "قرار المحكمة الاتحادية العليا لم يأتِ بأي أثر عملي في الوقت الحالي"، مبيناً أن "الطعن بقرار المحكمة الاتحادية هو شأن داخلي ولم يرقَ إلى مستوى دولي لغاية الآن".
ورأى الفائز أن "الحكومة الكويتية تترقب الملف، وتأمل أن ينتهي داخل العراق كي لا تتأثر مستقبلاً بتلك التطورات".
وكان وزير الخارجية الكويتي عبد الله اليحيى قد اعتبر طعن العراق أمام المحكمة الاتحادية العليا في بغداد على قرارها السابق الذي أبطل تصديق الاتفاقية المتعلقة بتنظيم الملاحة في خور عبد الله بين الكويت والعراق، "شأن داخلي".
وقال اليحى: "هذا شأن داخل العراق وليس يعنينا في هذا الأمر"، مشيراً إلى أن "المحكمة الاتحادية (العراقية) اتخذت القرار، وهم عندهم موقف، ونحن بانتظار ما سيصدر منهم".
تظاهرات البصرة قد تمتد
من جهته، يحذر عضو مجلس النواب ثائر مخيف من توسع رقعة الاحتجاجات في المحافظات العراقية، رفضاً للمصادقة على اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله العراقي.
ويقول مخيف في حديث لمنصة "الجبال"، إن "مجلس النواب لم يتطرق إلى الآن للضجة الحاصلة بشأن تطورات ميناء خور عبد الله"، مبيناً أن "الطعن المقدم من قبل رئيسي الجمهورية والوزراء قد يترتب على إثره تداعيات سياسية ودبلوماسية بين العراق والكويت".
وأضاف عضو البرلمان العراقي، أن "العراق من المستحيل أن يضحي بشبر من أراضيه أو ثرواته، وخور عبد الله عراقي"، ملمحاً إلى "توسع رقعة الاحتجاجات الرافضة للمصادقة على اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله العراقي".
وشدد مخيف على رفضه القاطع لـ "التصرف بثروات البلد واستغلال المناصب وتوزيع تلك الثروات التي تمس حضارة بلد".
قرار المحكمة الاتحادية
من جانبه، يعرب الخبير في ترسيم الحدود والمياه الدولية اللواء الركن جمال الحلبوسي، عن قلقه من فقدان الثقة بالقضاء العراقي، في حال أعدلت المحكمة الاتحادية العليا عن قرارها.
وقال الحلبوسي في حديث لمنصة "الجبال"، إن "المحكمة الاتحادية العليا اذا تعرضت إلى ضغوط واضطرت إلى العدول عن قرارها فإننا سنفقد الثقة بالقضاء العراقي"، مضيفاً أن "تراجع المحكمة الاتحادية عن قرارها سيؤدي إلى غلق المجالات البحرية واستيلاء الكويت على حقلي جمال طوينة الأول والثاني"، مشيراً إلى أن "الكويت احتالت على الجهات العراقية (قشمرته)".
وأشار الحلبوسي إلى أن "خور عبد الله التميمي البصري هو خور عراقي وخط للحدود البحرية المرسوم وفق اتفاقية الجزائر لعام 1975".
وختم الخبير في ترسيم الحدود حديثه بالقول: "إذ لم تكف الكويت عن مزاحمة العراق بأرضه ومجالاته البحرية، فسيبقى مسمى المحافظة رقم 19 يلاحقها وستكون حلبجة المحافظة رقم 20".
يشار إلى أن مجلس الأمن الدولي أصدر عام 1993 القرار رقم (833)، وينص على تقسيم مياه خور عبد الله مناصفة بين البلدين، وصدّق العراق على الاتفاقية في 25 تشرين الثاني 2013، في عهد الحكومة الثانية لنوري المالكي خلال (2010 – 2014).